الأربعاء، أبريل 20، 2005

إحسان طالب_فلسفة مؤسسة الحجاب


فلسفة مؤسسة الحجاب

الشادور الأفغاني يغزو شوارع سورية ستان:

في حي من أحياء مدينة دمشق الجميلة ذات العراقة التاريخية حيث تنتشر الأوابد الأثرية و البيوت الدمشقية القديمة ذات الصيت الذائع في الجمال و الفن، حيث يوجد حمام الشيخ رسلان و مقامه, والكنائس الأقدم و الأجمل في بلدنا، المكان الذي ينسب إلى أحد أسماء قادة الرومان وكل من زار الشام يعرف أنني أتحدث عن حي باب توما ذي الأغلبية المسيحية من بين السكان.
لم يلفت نظري في أسواق باب توما الأزياء الحديثة أو الفتيات الجميلات, بل ظاهرة الحجاب المنتشرة بوضوح. لقد رأيت طفلة لا يزيد عمرها عن الخمس سنوات ترتدي حجابا كاملا وهي تتعثر في مشيتها وقبلها شابة بل طفلة صغيرة لا يزيد عمرها عن إحدى عشر ضحكة ترتدي جلبابا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها لا يظهر منه إلا فتحة صغيرة لعين واحدة، رأيت سيدة مسنة ترتدي غطاء للرأس تكشف وجهها وجزءاً من ساعدها وثوبا لا يغطي طول ساقيها إلى جانب صبية بعمر الورد ترتدي الملاءة وتخفي وجهها تحت منديل أسود مزدوج مسدول على الوجه كادت تتعثر وتسقط من فوق الرصيف قبل أن تبعده عن وجهها بعض الشيء
لترى طريقها في واضحة النهار. قلت في نفسي أخشى أن يأتي اليوم الذي لا يستطيع المسيحيون فيه الدخول إلى الكنائس إلا بالحجاب.

في الشهر الثاني من عام 2002 م خمس عشرة تلميذة لقين حتفهن وعشرات أصبن بجروح في إحدى مدارس البنات في السعودية عندما أجبر رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفتيات الهاربات من الحريق على العودة إلى مبنى المدرسة المحترق لأخذ عباءاتهن التي تحولت إلى أكياس لاحتواء جثثهن، دعت بعدها الصحافة السعودية إلى استقالة وزير التربية.
من المعلوم أن الحجاب فرض في السنة الخامسة للهجرة وهو عام ذو خصوصية عصفت فيه حادثة الإفك وأمر فيه النبي بالزواج من زينب بنت جحش التي كانت زوجة لابنه بالتبني زيد والذي أمر بطلاقها، وتوضح آيات سورة النور والأحزاب مدى الضرر الذي لحق بالنساء عموما، والأذى الذي كن يتعرضن له من إجبارهن على البغاء، فنزلت آية الحجاب بداية على نساء النبي ثم جاء للنساء كافة.

كان الحجاب في ذلك الوقت ضرورة هدفت إلى إعطاء المرأة أهمية ومكانة خاصة وتحصينها من الانزلاق أو الانحراف حفاظا على الأسرة والمجتمع فكان التشديد على الحجاب عائد إلى الوضع الاجتماعي و الأمني للمرأة بمعنى أنه إجراء احتياطي الهدف منه سد ذريعة ومنع ضرر، ولم يكن أمره ( أي الحجاب ) مطلوبا لذاته وإنما ضرورة أوجدتها الظروف والواقع أن النبي (ص) دَرَأ الفساد الآخذ في الانتشار داخل المدينة بالحجاب وعندما شمل كل النساء كان تشريعا النية فيه المساواة بين عامة النساء وهذا من صلب الرسالة. ( تتفنن المحجبات من الأثرياء في ابتكار أشكال وألوان من الحجاب يرضي غرورهن و يشير إلى تميزهن عن باقي المحجبات الفقيرات و ليس غريبا أن تدفع إحداهن ثمنا لحجاب يعادل ما تنفقه مثيلتها الفقيرة على ثيابها كاملة طوال سنة، ملاحظة : هناك حجابات تستورد من أوربة ). وهنا نلحظ أن الرادع الديني الداخلي لم يكن كافيا لمنع ارتكاب الفاحشة أو التحريض عليها.

وإنه لمن الضرورة بمكان التأكيد على الفارق الهائل بين المجتمعات المعاصرة وتلك التي وجدت قبل أربعة عشر قرنا فحماية أمن الناس وأعراضهم غدا واجب الدولة ونظامها الأمني الداخلي المرتبط بسلطة الدولة المعنوية وثقافة المجتمع والواقع المعاصر الذي تعيشه البلاد الأصولية كإيران والسعودية والذي يتخلله الفساد وتمتلئ فيه مشاكل سوء الأخلاق وخصوصا المتعلقة بالجنس ومحرماته المحظورة. (ما بين عام 1979و 1980 تم رجم 1200 امرأة في إيران كحد لفعل الزنى و في شباط 2001علقت الحكومة الإيرانية حد الرجم بطلب من أوروبة. و لم تلغه من تشريعاتها).
إن اعتبار الحجاب سداً لذريعة الفساد لم يتحقق الآن كما لم يتحقق زمن النبي (ص) و الخلفاء حيث وجد الزنى و الرجم إلى جانب الحجاب ز تعدد الزوجات و إباحة الإماء. (روى البخاري عن عمر بن الخطاب قوله: ((رجم النبي و رجمنا من بعده)) و الرجم هو القذف بالحجارة حتى الموت عقوبة على فعل الزنى).

و تكمن المشكلة في أيامنا كون الحجاب مؤسسة قائمة بذاتها و هدفاً و غايةً لا علاقة لها بالظروف أو النوايا مما أوقع الفكر الإسلامي الحديث قي تناقض بين مكانة المرأة و إنسانيتها من جهة و الحجاب الذي لا حدود له في النهاية إلا كبتها و حصرها في غرفة المنزل و تقييد وظيفتها بالوعاء و الحاضنة, فهي وعاء لشهوة الرجل و حصن لنطفته ثم هي حاضنة و راعية لما ينتج عن وظيفتها في إشباع متعة الرجل و الوقوف سداً بينه و بين الحرام.

هكذا نرى أن فلسفة الحجاب بنيت على أساس حماية المرأة و تحصين الرجل و الإبقاء على سرية المتعة و منع أي طرف غير الزوج من التأثير على حقه المطلق في الاستمتاع الكامل, أن المفهوم تطور إلى فصل تام بين الجنسين و اعتبار المرأة كنزاً ثميناً يجدر إبعاده و حجبه في مخابئ يصعب الوصول إليها, مما يعطل وجود المرأة ككائن حي و فعال فكما أن الجوهرة للزينة و الكنز تزيد مالكها غنى و غروراً فالمرأة مثلها, و في ذلك استخفاف بالعقل الإنساني و لعب بالألفاظ تسبب باسترقاق المرأة و تسيّد الرجل فحجابها واجب عليها و حق من حقوقه الأخرى كتطليقها و الزواج عليها و تأديبها إذا لزم الأمر. (سوف تكون مؤسسة الحجاب غير مفيدة إلا حيث يكون الجنسان منفصلان و النساء مبعدات عن الحياة العامة. فاطمة المرنيسي_ النبي و النساء).

لقد أراد المتشددون من الأصوليين اعتبار الحجاب رمزاً يدلّ على انتماء أصحابه إلى فكر متطرف و شعار يرفع في وجه حرية الفكر و انفتاح العقل, لقد غدا مشكلة حقيقية كونه ظاهرة توحي بانغلاق المجتمعات التي ينتشر فيها و التمسك به كمؤسسة فكرية و تربوية يهيئ لوجود تربة خصبة للانعزال الفكري و الاجتماعي, لقد حول الحجاب العلاقات الأسرية إلى شك دائم واستحضار للنية السيئة و فساد الرادع الذاتي, فإذا كانت مجرد النظرة إلى وجه المرأة سهماً مسموماً من سهام إبليس فلا مجال لنظرة بريئة أو سمو خلقي لدى الإنسان أياً كان. و سوء النية المتبادل بين المرأة و الرجل هو الأساس في حال اجتماعهما, فكما أن نظراته شهوانية فكذلك نظرتها هي. من هذا المنطلق نفهم لماذا حرمت طالبان ظهور الرجال على شاشة التلفاز و من هذا المنطلق نفهم أيضاً أن بعض المشايخ يقترحون النقاب للشاب الفاتن.

وجد الحجاب في بداية التشريع لأهداف محددة و غاية سامية إلا أن التطبيق الكامل أو المجتزأ لأحكامه في الحياة العامة لم يحقق المطلوب منه قديماً و حديثاً و ربما جاءت نتائجه عكسية في مجمل الأحوال و من ذلك الكبت الجنسي المستشري في البلاد الإسلامية الأصولية و ما يتبعه من فساد مستتر وظلم ظاهر.

لقد تكفلت مؤسسة الحجاب الحديثة بوضع المرأة بين حدي النجاسة و القداسة و لم تستطع الانسجام مع مجمل القيم الإنسانية المتعارف عليها و التي ترفعها شعارات تدافع بها عن الحالة المتواضعة للمرأة في الأقطار الإسلامية عموماً.

تحت مسمى جرائم الشرف في باكستان يقتل في المتوسط امرأتان يومياً.

في شريط فيديو هُرب من إيران عرض لامرأتين مكتفتين و هما على قيد الحياة يجري إنزالهما في قبرين حُفرا حديثاً, تجمعٌ حاشد من الرجال و الأولاد حولهما يرجمون المرأتين بأحجار بحجم قبضة اليد, كانت غالبية الحجارة تصيب هدفها.

ليست هناك تعليقات: