السبت، أبريل 23، 2005

إحسان طالب_يخرج الحي من الميت


يخرج الحي من الميت

تعلمت كيف تخرج الحياة من الموت ، كيف يحقق رجل واحد بصمته الأبدي ما عجزت عنه
آلاف الصفحات و آلاف الخطب العصماء ومئات الشعارات الرنانة ، لست أدري لماذا تبادر إلى
ذهني ليلة مقتل الحريري صورة الأميرة ديانا مع دودي الفايد قبل موتهما . ربما كان هناك تشابه في رد الفعل الكوني ، فحالة الحزن العالمي المشترك ، والإجماع الشعبي الفريد شكل موقفا إنسانيا متميزا .
ساعات طويلة تابعت البث المباشر من ضريح الحريري أراقب تمازج الدموع مع الشموع وكأن مجموعة تلك الشموع التي احترقت جسدت شخص الشهيد تسقيها ماء الوجوه ، وكأني بها تقول لن يموت جسد ألفته القلوب كل القلوب وسقته العيون كل العيون .
واصلت المشاهدة طوال الليل لأستجلي صورا للإنسانية الشفافة المتجردة من كل القيود يرسمها شباب و فتيات مع الأصدقاء والأخوة والأمهات والأجداد ، صلبان ومصاحف بين الصدور يعجز الناظر عن التفريق بينها ، بعفوية بالغة وقف طفلان أمام الضريح والدموع تغرغر في مقلتيهما ، الأول مع أمه يتلو قداسه الخاص والثاني مع جده يقرأ الفاتحة ، إحساس إنساني بالغ الرقي يقول للآخر إننا معا رغم إختلافنا ومعرفتنا أننا مختلفون .
تلمست قاع الحزن وأنا أنصت إلى امرأة تتساءل هل حقا قتلوه ... هل حقا هناك من يريد قتله لولا الحريري ما ذهب أولادي إلى الجامعات ولا تخرجوا منها و أصبحوا رجالا يقدمون الخبز والعلم لأهلهم ومجتمعهم . لولا الحريري لقبعت مئات العائلات الكريمة تحت رزء الفقر والعوز ، لولاه لبقيت طرق بيروت مملوءة سوادا ورمادا وأحقادا .
قبل هزيمة اسرائيل في الجنوب ، أجرى لاري كينغ مقابلة مع الحريري سأله فيها عن كل شيء وكان الرجل يجيبه بطلاقة وتمكن توحي كلماته بالثقة والبراعة السياسية ، ربما كان الزعيم الوحيد الذي وفق بين صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالغرب مع احتفاظه بروابط اقليمية وثيقة .
قد تختلف معه إلى حد الضيق ، قد لا تفهم مواقفه إلا أنك بكل بساطة تستمر في الاستماع إليه والانجذاب نحوه كلما ظهرت صورته أو سمعت كلماته . كيف يستطيع إنسان أن يكره رجلا لايكره أحدا ، طيلة سنواته الثمان رئيسا للوزراء دأب الإعلام اللبناني على انتقاده وتقييم أدائه بدون أية خطوط خضراء أو حمراء ، لم يتركوا شيئا لم يتحدثوا عنه وكان دائما يرد بابتسامة وسعة صدر ،لم يغلق شاشة أو يكسر قلما ، لم يثر حقدا أو يشعل فتنة . هنا يستحق الإجلال رجل لم تخضب يداه أو يسودّ قلبه .
كان لديه هم وهدف يتمحور حول الوطن داخل الأمة ، استمر ودأب ساعيا لتحقيقه ، ولما غدا شديد القرب من تحقيق حلمه سقط ، إلا أن الثمن سيكون غاليا والصدى لا بد أن يكون مدويا وليست مبالغة عندما شبه أحد الصحفيين الحريري بسقوط جدار برلين .
إنه قدر مدينة صيدا إنجاب العظماء وكتابة تاريخ لبنان بلون الأرجوان .

ليست هناك تعليقات: