السبت، أبريل 23، 2005

إحسان طالب_مسلمات العقلية العربية بين التخلف و الديكتاتورية


مسلمات العقلية العربية بين التخلف والديكتاتورية


نظرية الإستعلاء والأفضلية :
إن إدخال المجتمعات العربية المعاصرة في عالم الحداثة يتطلب بداية التأسيس لفكر نقدي يخضع الموروث للخطأ والصواب، وبعبارة أخرى إحلال العقل مكان الأسطورة المعصومة والمنزهة عن الخطأ والنقص، وفي هذا السياق سأتطرق لبعض المسلمات والبديهيات التي تأسس عليها بناء العقلية العربية الإسلامية التي غدت تحاصر الفكر وتمنعه من الانطلاق نحو التغيير أو قبول الآخر.
من هذه البديهيات المسلم بها سأتطرق إلى مفهومين اثنين هما :
الشمولية والخيرية. مبدآن هامان يتبادران إلى أذهاننا قبل البدء بسماع الآخرين أو قبل البدء بالحديث عن أنفسنا أو غيرنا.
الخيرية : هي القناعة الفكرية والمبدئية الراسخة بأننا خير الأمم وأعلاها شأنا في الحاضر والماضي والمستقبل وذلك في كل مجالات ومناحي الحياة، بما يستدعي اعتبار مناهجنا الفكرية والسياسية والاقتصادية وحتى علاقاتنا الاجتماعية خير ما عرفه التاريخ وما سيعرف. وهذا الاعتقاد انبثق من كوننا خير أمة أخرجت للناس أمة لا تجتمع على ضلالة لأسباب ثلاثة، نأمر بالمعروف وهو ما نراه حقا حسب قوانيننا ونظمنا، وننهي عن المنكر وهو منضبط وفق أصولنا وقواعدنا، نؤمن بالله والإيمان هو ما حددنا أركانه وشروطه ولا يدخل فيه إلا من ارتضينا خلقه ودينه، ضمن هذه المبادئ يلتقي التطرف الديني مع التطرف القومي مؤسسا لنظرية الاستعلاء الحضاري.
الشمولية : وهو مفهوم يتجلى في مظاهر ثلاث:
أ ـــ إننا أصحاب رسالة شاملة أرسلت للناس كافة في كل زمان ومكان أي أنها رسالة لكل الشعوب والأمم وهي قريبة من مفهوم الأممية لدى الفكر الماركسي. ولما كانت رسالتنا للناس كافة وجب على أصحابها ـــ أي العرب المسلمين ـــ السعي جاهدين لنشر رسالتهم حتى تعم كل بقاع الأرض ولا تترك بيتا أو خيمة إلا وتدخله وبالتالي فإن نشر نور معارفنا يعني اخضاع كل الكون لهدينا وانطواء كل أمم العالم تحت لواء تشريعنا.
ب ـــ توجيه وتنظيم كل صغيرة وكبيرة من حياة الفرد الشخصية البحتة وعلاقاته بالآخرين وعلاقات المجتمع مع بعضها البعض. فليس هناك شأن مرتبط بالأفراد أو الأمم إلا وله ضوابط وقواعد تعود مرجعيتها إلى أصولنا الشرعية المقدسة وبذلك تحدد وظيفة الفكر وإعمال العقل داخل تلك المنظومة المحكمة.
جـ ـــ إن ما نفعله من عادات وتقاليد وممارسات إنما هو أمر ديني إلهي اكتسب درجة القداسة الملازمة للنص الذي استندت إليه هذه العادات والتقاليد حتى بات المخالف لها مخالفا للأصول المقدسة. فهو إما فاسق يجب قصاصه أو مرتد تجب استتابته أو قتاله.
هذه القيم المبدئية الراسخة في الفكر والتفكير العربي الإسلامي انعكست على تاريخنا الحديث وواقعنا السياسي أضرارا بالغة وآثارا سلبية منعت من تطوير مجتمعاتنا ورسخت لقيم الدكتاتورية والتخلف ونظرية الاستعلاء الحضاري.
وحتى لا يكون الطرح الذي نقدمه مقتصرا على الإستنتاجات فإنني بصدد البيان والشرح أقول نحن في القرن الحادي والعشرين لم نستطع تطوير لغتنا العربية بما يتماشى مع روح العصر لأننا في اللاشعور نعتقد أن لغتنا هي أم اللغات وأجمل اللغات وأسهل اللغات وأوسعها وأكملها بل وذهب البعض إلى اعتبار الحرف العربي حرفا مقدسا لا يجوز إلقاء ورقة كتب عليها بالعربية مهما كان المضمون. نحن في الخامسة من الألفية الثالثة ما زلنا عاجزين عن ولوج عصر العلم لأننا نخشى من كشف حقيقة تخلفنا ونريد الإبقاء على الإعتقاد بأننا نفوق شعوب الأرض علما وأدبا بدون دليل ويكفي ما قدمناه في الماضي السحيق ليكون حجة كلما ذكر العلم والأدب.
إن استيلاب العقلية العربية بالخيرية والشمولية جعل حواراتنا مع الحضارات الأخرى غير مجدية ولا سبيل للإستفادة منها لأننا ببساطة نعتقد ببلوغنا درجة الكمال، وعليه فلا سبيل لأي تغيير أو إضافة وكيف سنستفيد من غيرنا طالما أننا الطبقة العليا الكاملة، كيف سنتواصل مع الآخرين الذين أقاموا حضارات دنيوية بينما أقمنا حضارة دينية. ولا مجال للمقارنة بين من اتخذ الدنيا أساسا ومن اتخذ الدين أساسا. لذلك غدا من الصعب بل من المستحيل علينا تقبل أي فكر أو ممارسة تخالف رؤيتنا خاصة وأننا نعتقد بضرورة إخضاع الآخرين تحت راية الهداية التي نحمل أمانتها والمضي في واجبنا المقدس لجعل الناس أمة واحدة تؤمن بما نؤمن وتعمل حسب ما تمليه أصولنا وعقائدنا.
ولا نذهب بعيدا إذا قلنا أن الدكتاتورية السياسية تتماشى مع هذه المبادئ وترى فيها أرضا خصبة للخضوع والموالاة، والإشكالية الرئيسة في هذا المحور تتركز حول اعتقاد فئة أو طائفة أو مذهب بأنها المثال الأعلى للخيرية والمؤتمن على تطبيق الشمولية، وبذلك يكون لها حق الفوقية على الآخرين كونها خير الأمم وأوسط الأمم والشاهد على الناس، وبالتراكم الزمني لهذه الأفكار والإمكانية المتوفرة في ذهن الفرد تنتقل العظمة من الأمة إلى الجماعة ثم إلى الفرد الذي نشأ وترعرع على مسلمات توهمه بالعز والعلو والفخر. فالأمة العظيمة لا تلد إلا العظماء. فيلتبس الأمر في ذهنه ويغدو هو الجماعة وهو الحزب وهو الأمة، هكذا تتربى أجيال منذ نعومة أظافرها على ما يبرر الدكتاتورية، حيث انتقلت العظمة والقداسة من الفكرة إلى حاملها، وبات من الصعب جدا التفريق بين المشروع الفكري والذات الفردية، حيث قيد العقل بمفاهيم العظمة والفخر وانتقل التقديس من الإلهيّ إلى ما يمثله أو يَخْلفه، ولما كان الأمر الإلهي غير خاضع للبحث والنقاش ولا مجال لتغييره أو استبداله انتقلت هذه الصفات إلى الرمز الذي يمثل الأمة التي لا تنتقد بل تمدح ولا يبحث في أخطائها بل في انجازاتها واعجازها، فالأمر كذلك بالنسبة لمن يمثلها وهو الرمز الذي حلت فيه كل صفات الأمة وغدا واجب الجميع تقديم الطاعة والولاء التام له رغم كونه شخص حل الغرور في رأسه مكان العقل.
والطريف في الذهنية السابقة المؤسسة للدكتاتورية، التناقض الواضح لدى حامليها، فالفرد العادي الموالي والخاضع لمن هو أكبر منه تجده سلطانا أوحدا على من هو دونه، فرب الأسرة يتعامل مع أفرادها بسلطة لا تنازع وأحكام لا ترد في الوقت الذي يكون أرنبا وديعا أمام مسؤول أعلى منه، وهكذا تنساق الحالة من القاعدة حتى رأس الهرم الذي يتربع عليه رجل واحد يملك كل الصلاحيات بتفويض ممن هم دونه.
عندما نعتقد بأننا الأفضل في كل شئ وعلى الآخرين اتباع طريقتنا وأسلوبنا سنتقاعس عن التطوير والتغيير وسنكف عن البحث عن أخطائنا لأننا لا نعترف بوجود نقص أو عيب كوننا الأكمل والأشمل، وهكذا تنقلب هزائمنا إلى انتصارات، واخفاقاتنا إلى إعجازات، وتتفنن الصحافة في نبش قواميس اللغة لوصف حالتنا المزرية بــ : الإعجاز في الانجاز. وهذه عبارة تزين عناوين
الإعلام العربي في أي مناسبة وطنية أو دينية بالرغم من أن الإعجاز عادة مرتبط بما هو إلهي، لكنه تحول بمسلماتنا العقلية إلى زعيم الأمة الأوحد وغدا من المستحيل قبول النقد أو كشف واقع التخلف لأنه من البديهي ألا يناقش أو يسأل من يصنع المعجزات.
هكذا تترسخ قيم التخلف والدكتاتورية وَتَسْـلِبُ العقولَ نظرية الإستعلاء والأفضلية. أليس تخلفا أن يعارض 76 % من الكويتيين مشاركة المرأة في العمل السياسي، جاء ذلك في استبيان أجرته جريدة الرأي الكويتية في الشهر الخامس من العام الفائت، أليس تخلفا أن يعارض 58 % من العرب ـــ معظمهم من الشباب بين العشرين والثلاثين ـــ تولي المرأة مناصب قيادية، جاء ذلك في استفتاء أجرته قناة العربية في 12 / 3 / 2005 م.
أليس تخلفا أن يكون بين 280 مليون عربي 65 مليون أمي، أليس تخلفا كون استخدام المعلوماتية في الدول العربية أقل من أي منطقة أخرى في العالم حيث تقترب نسبة مستخدمي الأنترنيت من النصف في المئة ويملك 1.2 % فقط من المواطنين العرب حاسوبا شخصيا، أليس دليلا ساطعا على تقوقعنا وانغلاقنا وفقا لنظرية الإستعلاء والأفضلية أن تقوم دولة مثل اسبانيا في عام واحد بترجمة عددا من الكتب يعادل ما ترجم إلى اللغة العربية خلال الألف سنة الماضية. كيف ستتفتح الأجيال على الآخرين ونحن نملأ عقولهم وكتبهم بعبارات مثل : إن بذرة الخير في الدنيا قد خص بها العرب دون سواهم من الناس، وبقاء الخير في الدنيا مرهون ببقاء العرب أو نقول لهم إن مؤامرة الكيد للعروبة قديمة جدا وتمتد إلى عهد آدم وهي مستمرة إلى اليوم أو نقول :
من دلائل تقديس العمل عند العرب رفعهم الفاعل في قواعد اللغة العربية. لقد كان إبليس الشعوبي الأول في بدء الخليقة، هذه عبارات ومثلها تغص بها كتب تدرس لطلاب المدارس وتتلا على رؤوسهم كل صباح.

ليست هناك تعليقات: