السبت، أبريل 23، 2005

إحسان طالب_هل انتهى عهد الولاء المطلق؟...ممارسة حق المواطنة


هل انتهى عهد الولاء المطلق؟
ممارسة حق المواطنة

في خبر أوردته جريدة الحياة عن الإصلاح في سورية: قانون للأحزاب و تغييرات فكرية و تنظيمية على جدول أعمال مؤتمر البعث أوائل حزيران_ ا.ه
ينبغي أن يكون خبر كهذا مصدر فرح و سرور لكل السوريين و بارقة أمل توحي بحياة أقل بؤساً و أكثر كرامة و خشية ألا يكون الأمر كذلك أتوجه إلى كل المسؤولين الذاهبين إلى اجتماعهم و مؤتمرهم بكلمات ربما يشاركني فيها الغالبية العظمى من أبناء سورية الحبيبة.
إن التهميش و العزل و الإهمال الذي تعاني منه غالبية أبناء وطننا ليس وهماً أو خاطراً في أذهان بعض المثقفين بل هو حقيقة واقعة يحس بها المواطن العادي و رجل الشارع في بقاع بلدنا الحبيب.
قلب أن تجتمعوا استمعوا إلينا جميعاً, و قبل أن تتحدثوا عن التغيير و الإصلاح دعونا نتكلم و نبدي رأينا في حاضر بلدنا و مستقبل أولادنا إنه حقنا الطبيعي.
إن أبناء الشعب السوري من معارضة و مستقلين لا يقّلون شأناً عن أولئك الذين يستلمون دفة الأمور و إن لنا رؤيتنا الموضوعية في مجمل القضايا محل البحث داخلياً و خارجياً, إنه بلدنا و أولادنا و أحفادنا أفسحوا لنا مجال المشاركة الفعّالة و تحمّل المسؤولية الحقيقية للتأثير في مسيرة هذا الوطن الذي نخشى أن يكون وطن الحزب الحاكم و الموالاة فقط.
أبناء سورية يرون و يسمعون و يتأثرون بكل ما يحدث حولهم من تغيّرات جذرية زلزلت أركان كثير من الدول في العالم و لا يمكن لهم بأية حالٍ من الأحوال الوقوف جامدين بُلهاء ينتظرون ردود الفعل الرسمية لتتحدد مسؤوليتهم بعدها بتأييد هذه الردود و لهم حرية الرأي و الإبداع في شكل بل أشكال التأييد و الوفاء و الموالاة.
لم يعد مقبولاً بأية حالٍ من الأحوال تقديم الولاء المطلق للسلطة تحت شعارات الوطنية ((الدولة التسلطية تخترق المجتمع المدني بالكامل و تجعله امتداداً لسلطتها فتحتكر مصادر القوة و السلطة في المجتمع)) كرم حلو_ الحياة ا.ه. إن آلاف المعتقلين السياسيين الذين أمضوا سنواتٍ من عمرهم و شبابهم و ربيع حياتهم في السجون لا يقلون وطنية و حرصاً و حباً جارفاً لهذا الوطن عن أولئك الذين زجوهم في السجون, بل إني أجزم بأن أولئك الذين خرجوا من السجون بعد قضاء ما يربوا على عقد و نصف هم رمزٌ للوطنية. أهل لقيادة الناس و إبداء الطروحات و المشاريع السياسية التي يرونها تنسجم مع هموم الوطن و المواطن.
لم يعد مقبولاً بأي حال من الأحوال أن يُخرج المواطنون (الجماهير) بالملايين ليهتفوا بالولاء و الوفاء و هم لا يملكون ثمن الثياب التي خرجوا بها و ينتعلون أحذية تعفنت فيها الأقدام و تسرب إليها حصى الطرقات, لم يعد مقبولاً الآن إخراج الطلاب من المدارس و الجامعات يقفون لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة و معدتهم خاوية و لا يملكون في جيوبهم أكثر من ثمن واحد كيلوغرام خبز. لقد آن الأوان للكف عن إهدار أوقات الناس و أموال الدولة و الأمة ((إنه لذو أهمية و خطورة أن نلاحظ أن الفريق السوري أو العربي الداخلي الذي يرفض الإصلاح في غالبه من ذوي المصالح الكبرى و ذوي الملايين و المليارات الكثيرة من الدولارات)) طيب تيزيني_ المحرر ا.ه.
إنني أخشى على شباننا و أطفالنا من العجز الدماغي والقحط الثقافي من كثرة ترديد شعارات منذ أكثر من أربعة عقود لم يتحقق فيها شيء و لن يتحقق. الالتفاف نحو الرمز القائد إنما ينبغي حصوله عفوياً و من عقولٍ حرةٍ و أجواف مليئة.
ما رأيكم يا سادة فيمن يكتب تقارير أمنية بحق أسرته مقابل ألفي ليرة في الشهر, يبيع أخاه و صديقه و ابن حارته مقابل ثمن موبايل قديم يتحدث فيه إلى المسؤول عنه ثم يعود إلى منزله فارغ اليد!؟ هل هو الخنوع أم الجوع ؟هل هو الجهل أم ضياع الكرامة؟
لماذا يخشى الأخ التحدث في السياسة أمام شقيقه أو ابن عمه؟ لماذا لا يتردد في أحاديثنا الاجتماعية إلا السب و الشتم للأعداء و تحميل الآخرين كل البلاء و أسباب الشقاء؟ لماذا يسارع الناس إلى الوفاء بكل التزاماتهم للدولة و لايفكرون و لا يسألون هل ما ندفعه حق أم باطل, ظلم أم عدل؟ لماذا يتضاعف روّاد المساجد و معاهد تحفيظ القرآن و المعاهد الدينية و بالمقابل يختفي تدريجياً الكتّاب و القرّاء و الإبداع الفني الشعبي و الثقافي؟ لماذا هرع عشرات الآلاف من عامة الناس و من خريجي الجامعات, أطباء و مهندسون و مدرسو رياضيات لممارسة الشفاء بالحجامة كحلّ سحري و فوري و وحيد لكل أمراض العالم؟ لماذا لا يتردد المواطن السوري في دفع الرشاوى و قبول الإهانات بدون أية ردة فعل؟ لماذا لا يعترض المواطن المظلوم حتى لو بلغ سعر الكيلوغرام من اللحم 500 ل.س؟ لماذا يكتفي أبو العيال بحذاء واحد رخيص كل سنتين و بزة كل عشر سنوات؟ تعرفون لماذا؟ لأنه ببساطة ياسادتي مسلوب الإرادة مخدر التفكير خاضع حتى نخاع العظم.
إن الشعوب القادرة على مواجهة تحديات العصر و دخول معترك العولمة هي الشعوب الحرة و التي تأبى الخنوع و الخضوع.
قبل اجتماعكم المنشود ينبغي عليكم الإدراك بأن ما تفكرون بتقديمه للناس من حريات و تعددية و بعض الديمقراطية, ليس منة أو تكرماً, لستم اليد العليا التي تتحنّن على اليد السفلى, لستم النخبة أو الصفوة, لستم خير الناس, لقد فشلتم في تحقيق كل المهام التي فرضتموها على أنفسكم و جعلتموها أولى أولوياتكم فالوطن العربي أشد تمزقا.ً و حرية فلسطين اليوم أضيق مما كانت عليه في أي يوم مضى. و العدالة الاجتماعية مصطلح اختفى من أجندتكم السياسية و حتى من أولويات عامة الناس و من تفكيرهم أيضاً.
إن الحرية و التعددية و الديمقراطية حقوق للمواطن محجوبة عنه و إذا أردتم رد بعضها إليه فأنتم تتراجعون عن الخطأ و ربما تكون تلك الفضيلة الوحيدة لديكم.
كلما نظرت إلى مظاهرات المعارضة اللبنانية ثم التفت إلى مظاهرات التأييد في سورية شعرت بالحزن و الأسى و ليس ذلك لسبب سياسي أو موقف يتأرجح بين التأييد أو المعارضة, إنما يعود ذلك إلى الصورة الشكلية أو الانطباع المباشر, ففي لبنان ترى الشباب و البنات و الرجال و النساء وجوههم نضرة, ثيابهم نظيفة و أنيقة غالية الثمن تكاد روائح عطرهم تفوح من شاشة التلفاز, بيمنا أولئك المساكين المتظاهرين لدينا لا يصعب عليك رؤية ثيابهم البالية و وجوههم الغائرة و حماسهم الشديد الذي يتكفل باستنزاف الحريرات القليلة التي حصلوا عليها من صحن الفول أو الفتّة.
يقول سليم الحص في مقالة نشرت في السفير: ((إن محكمة التاريخ لا ترحم و سوف ننعم بفيء الديمقراطية الصحيحة في يوم من الأيام, طموح الشعب حاضراً هو قدره مستقبلا)).
وإني لأرجو أن يكون ذلك اليوم قريباً.

ليست هناك تعليقات: