السبت، فبراير 23، 2008

الإشكالية الديمقراطية بين الأغلبية السياسية و الإثنية 12


إحسان طالب

2008 / 1 / 8

النظرية الشائعة التي غدت مسلمة لدى ثلة من المراقبين م المحللين و القائلة بأن أية انتخابات حرة و نزيهة في الدول العربية سوف تؤل إلى اكتساح التيار الإسلامي لغالبية المقاعد النيابية و تاليا السيطرة على الحقائب الوزارية و مراكز صنع القرار في الدولة ، بحاجة إلى مراجعة و نقد .بالوقائع تفصح الانتخابات التشريعية المغربية الحاصلة في 7ايلول007 عن خيبة التوقعات باكتساح حزب العدالة و التنمية المغربي للمقاعد المتاحة حيث قدم الحزب 94 لائحة فاز من خلالها
ب46 مقعدا من أصل 295 بزيادة طفيفة بلغت أربعة مقاعد عن الانتخابات السابقة . أيضا في الانتخابات التشريعية الأردنية الأخيرة 20-11-007 و خلافا للمتوقع حصل تراجع واضح لحظوظ الإخوان المسلمين بنيلهم لستة مقاعد فقط من أصل 22 مرشحا . بالأخذ بعين الاعتبار مسألة الشفافية و النزاهة يمكننا اعتبار الحراك الديمقراطي المشار إلية مقبول نسبيا بالنظر إلى جود 50 مراقبا أجنبيا متابعا للانتخابات في المغرب وبالركون إلى مراقبة منظمات المجتمع المدني للعملية الانتخابية في الأردن و استنادا لتقارير صحفية اقر خلالها 54%من الأردنيين بنزاهة الانتخابات بينما تنوعت مواقف الباقيين بين عدم النزاهة و عدم القدرة على تحديد موقف .اللعبة الديمقراطية تلك جرت في ظل نظام انتخابي يتبنى القائمة النسبية التي تفرض التصويت على سلة من اللوائح المتنافسة على المقاعد المتاحة في دائرة انتخابية كبيرة مما يعني منع أي حزب أو تجمع أو حتى تيار من السيطرة على الأغلبية الكبيرة داخل المجلس النيابي . نحن هنا أمام حالة موضوعية تحجز و تحاصر طغيان الأغلبية الإثنية قبالة الأقليات المتعددة المتواجدة على الساحة الوطنية و تسمح بممارسة العملية الديمقراطية بطريقة آمنة .
عناصر الصورة على المسرح الديمقراطي العربي لا تكتمل بدون استيعاب الحالات الأخرى المتممة للمشهد السياسي الراهن ، فالتطبيقات العملية للتجربة الديمقراطية في فلسطين و العراق أعادت الثقة لمقولة سائدة في أوساط العلمانيين أن الخوف من التيار الإسلامي و الأغلبية الإثنية ليس وهما .
التجربة الإيرانية الرائدة أفرزت صيغا من التعصب الطائفي آثار شكوكا بمصداقية الحل الديمقراطي للمسألة الوطنية فالنموذج الإيراني الحالي لا يقبل بمعارضة من خارج الطبيعة الأصولية الحاكمة و لم يتردد الرئيس المنتخب أحمدي نجاد من وصف معارضيه بالغباء ة الجهل و الخيانة و كان صادقا مع نفسه و لعله حسن النية أيضا فالصواب ضمن الفهم الأصولي الديني له وجه واحدة و الحق مطلق و ليس نسبيا . تلك الصورة المثالية حسب رؤية البعض انعكست نتائج سلبية على ميادين و إرادات عربية رغبت بالاستفادة من تلك التجربة و تطبيقاتها العملية . ففي العراق لا تجد الأغلبية البرلمانية عيبا في سيطرتها على محصلة نتائج العمل البرلماني طالما أنها تحظى بأكثرية المقاعد التشريعية و لا ترى إشكالاً في توجيه مسيرة النشاط الحكومي لتصب في مصلحة أكثرية الهيئة الانتخابية التي تمثلها ، في مثل ذلك المنطق المحق ظاهريا تضيع حقوق الأقلية النيابية حتى و لو كان الفارق المرجح لطرف على الأخر 1% . الأقلية النيابية العراقية لم تجد حلا للتعبير عن عدم القدرة على التغير سوى التهديد بالانسحاب من الحكومة و البرلمان و لولا الضغوط الخارجية لانفردت الأكثرية بالبرلمان و الحكم و وضعت الأمور على حافة الانفجار .
الحالة العراقية تماهت مع التجربة الإيرانية من جهة التقارب المرجعي الأيديولوجي للسياسيين في البلدين فسمحت للأكثرية المذهبية بتبني حقوق الأغلبية السياسية ـ المتفق عليها في أنظمة الحكم العالمية الحديثة ـ إلا أنها أغفلت كون الاصطفاف و التقسيمات التي على أساسها تجسدت التوازنات البرلمانية انبثقت من ولاءات مذهبية و طائفية آخذة ًبعين الاعتبار في المقام الأول أملاءات المرجعية الأصولية الدينية ، فمنطق اللغة الجامعة للأكثرية هنا هو التموضع خلف مصالح و طموحات فئات ترى المصلحة الوطنية متحققة جراء تلبية مطالب و رغبات الأكثرية العددية بصرف النظر في كثير من الأوقات عن حاجات و توجهات الأقليات المكونة لباقي عناصر الطيف الوطني ، و في ظل هذا الوضع يتوه جوهر الفكر الديمقراطي و يكرس واقع جديد يصعب تغيره أو تبديله .و يطفو على السطح هنا مصطلح دكتاتورية الأكثرية أو استبداد الغالبية ، و لا يبتعد مدلول المصطلح كثيرا عن الصواب ,ففي بلد كالعراق أو سوريا لا تتغير الكتل العددية المحصاة طبقا لتنوع مذهبي أو ديني أو عرقي , فالغالبية الشيعية في العراق كانت سائدة لعقود طويلة و هي مرشحة للاستمرار لزمن مديد و لا يمكن لعلماء الديموغرافيا تحديد نهايته ، و في سوريا الإحصاء العرقي يؤكد على التفوق العددي للعرب على الكورد لأزمان قادمة يستمر خلالها التباين النسبي لمكونات الشعب السوري ولا توجد في التاريخ المنظور مؤشرات على تحول الواقع القائم أو تبدله .
صحيح أن اللعبة الديمقراطية تقوم ببساطة على أساس عددي تنال خلاله الأكثرية العددية ميزات القيادة و الحكم و تقف الأقلية العددية في موقع المعارضة إلا أن هذا الوضع غير ثابت و قابل للتغير ، فالشرط الديمقراطي يفرض و جود الفرصة الكاملة لتبادل المراكز بين الأقلية و الأكثرية . فالأغلبية المطلقة في المجلس النيابي مؤهلة و جاهزة للتغير في دورات انتخابية قادمة تتحول المعارضة إلى موالاة و تصير هي صاحبة الامتياز ، يحدث ذلك بسلاسة في مجتمعات مدنية حديثة ، يتبلور التمحور و التجاذب داخلها وفقا لمنظومات سياسية تذوب داخلها و تتراجع الهويات المذهبية و العرقية و يكون البرنامج السياسي و البيان الانتخابي مركز الاهتمام و الالتقاط .
ثبات الواقع الجيوسياسي الناجم عن الحالة الديموغرافية أمر يدعو للقلق ، فشرط تبادل المراكز في اللعبة الديمقراطية الذي يتيح انتقال الأكثرية من جهة لأخرى غير ممكن في ظل توجه أصوات الناخبين بشكل أوتوماتيكي نحو المرشحين الممثلين للهويات العرقية و الإثنية بدون التفنيد و التدقيق في البرامج السياسية ، و يشغل البحث عن الانتماء المذهبي و العرقي المبدأ الرئيس الذي يعطي على أساسه الناخب صوته . الحالة السسيولوجية للمجتمعات العربية تؤكد التزام و تعلق الفرد بوحدات اجتماعية صغيرة تبدأ برب الأسرة ضمن العائلة الواحدة و تتوسع قليلا نحو العشيرة والقبيلة و عندما تأخذ شكلا أكثر مدنية تتحول إلى الطائفة فالمذهب فالدين والعرق ، هذه الحالة في الواقع ليس واحدة لدى الشعوب العربية و هناك تفاوت كبير يبدو جليا بين دولة و أخرى و ربما بين مدينة و أخرى
المؤسف أنة بعد عقود من الاستقلال الوطني نعود لمعالجة أبجديات التناقض بين الواقع العربي و النظام الديمقراطي ، و نسعى للبحث عن أشكال و أنظمة سياسية أقل ديمقراطية و أكثر توافقية نخبوية و لا اقصد بالنخبوية هنا الثقافية أو الفكرية و لا حتى العلمية بل الاجتماعية والطبقية و السياسية .
باستقراء نموذج آخر له خصوصية قد نتمكن من القرب أكثر نحو فك أو تحليل الإشكال الديمقراطي في ميدان السياسة العربي .

ليست هناك تعليقات: