الخميس، يونيو 16، 2005

قوى اليسار الديمقراطي والتيارات الليبرالية مسؤولية بناء دستور علماني وحمايته



ليس خافياً على أي متابع الضرورة البالغة صياغة دستور عراقي علماني ديمقراطي يؤسس لحقبة تاريخية قادمة في مستقبل العراق والدول المجاورة وحتى بقية الدول العربية. حيث سيؤخذ الدستور المنشود نموذجاً ومثالاً يقتدى به كأساس للتغيير في منطقتنا التي تقف على مفترق طرق ليس واضحاً إلى ما ستصل إليه الأوضاع في المستقبل القريب.
وإذا كانت هذه المهمة على قدر كبير من التأثير في الحاضر والمستقبل والداخل والخارج كان من الضروري الوقوف ومراجعة الواقع والمواقف السابقة لتحقيق المنشود في قادمات الأيام.
أثبتت الانتخابات العراقية ونتائجها أن القوى اليسارية والقوى العلمانية الديمقراطية ليس لها تلك القدرة أو الفاعلية المطلوبة حيث نستطيع القول بأن التيارات الدينية القبلية أثبتت وجودها بفاعلية أكبر وهي والحالة هذه ستؤثر إلى حد بعيد على نوعية الدستور وتوجهاته.
ويعد من أولى واجبات القوى العلمانية الديمقراطية واليسارية أن تضع لنفسها مشروعاً وطنياً تبين فيه رؤيتها لبيان الدستور والقيم والمبادئ التي ينبغي تحقيقها والانطلاق منها. ربما كانت ضبابية الرؤيا وتشتت التوجهات وعدم ترتيب الأولويات والحرص على المصالح الحزبية سبباً مؤثراً في تراجع تأثير القوى المذكورة على الشارع العراقي الذي لا يختلف كثيراً عما هو عليه في سوريا مثلاً فالتركيبية الدينية والعشائرية للثقافة الاجتماعية والعقلية السائدة لدى المكونات الفكرية للمجتمعات العربية والأخرى المحيط بها كان لها أكبر الأثر في الاختيارات الانتخابية والتوجهات النهائية للعمل السياسي.
إن تأجيل وإعادة دراسة المنطلقات الفكرية للقوى اليسارية ومراجعة مبادئها وغاياتها على أسس من الحداثة الفكرية والعلمانية بمفاهيمها الجديدة والشاملة ضرورة ملحة لتتمكن من صياغة المشروع السياسي الوطني القادر على استقطاب الشارع وبقايا الأحزاب القومية شبه العلمانية التي إلى الآن ترى نفسها أقرب إلى توجهات التيار الديني الملتوي والمتلون.
إن إدراك حقيقة ابتلاع التيارات الدينية والعشائرية لما يزيد على سبعين بالمئة من أصوات الناخبين يدعو إلى وقفة جادة للبحث عن الأسباب التي أدت بغالبية الناخبين إلى الهروب نحو الأحزاب الدينية.
وهذا يعني القيام بدراسة استقرائية وميدانية لمعرفة إذا ما كان هذا التوجه أصيلاً ومتجذراً أم أنه رد فعل على ما يعتقده غالبية الناس من اعتبار النظام البعثي السابق علمانياً مما رسخ في فكر العامة العداء للعلمانية لارتباطها تاريخياً في العراق وسوريا بقيم الاستبداد والفساد والإجرام وهنا تبدو ضرورة لبيان انفصال العلمانية عن الأنظمة الشمولية والتأكيد بالشرح والتفسير أن النظام البعثي السابق كانت له صفة وحيدة فقط لا يوجد لها مثيل في العالم أجمع وهي بكل وضوح السيطرة واستمرار السيطرة وتوريث القهر والاستبداد وليس لها أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد لأية قيم أو مبادئ أو أفكار.
إن استثمار التوجه الديني للنظام البعثي المندحر في العراق بطريقة تؤدي إلى كشف موقف التيار الديني وخاصة السني الذي كان سنداً معنوياً وفكرياً قوياً للنظام الاستبدادي البائد، سيساعد في جذب الناخبين ويدعم توجهات تيارات موجودة وما زالت لم تحسن أمرها بعد.

المشروع السياسي الوطني:
عندما نقول صياغة المشروع السياسي الوطني نقصد يذلك المشروع الذي يشمل كافة أطياف ومكونات المجتمع بل تعقيداته وتنوعه، ونقصد أيضاً انطلاقه من المصالح المباشرة والإستراتيجية للوطن باعتباره أرضاً وشعباً وحضارة. وصياغة مثل هكذا مشروع لا تتحقق إلا إذا كانت المنطلقات الأساسية والمكونات الفكرية له قائمة على أسس علمانية ديمقراطية تتيح للجميع الحفاظ على مكتسباتها السابقة وتكون حامية وحارسة لاستمرار العملية السياسية الديمقراطية بما يتيح في الحاضر والمستقبل استمرار فصل السلطات وتداول الحكم.
ربما كان من الضروري للمساعدة في تحقيق هذه المهمة تأكيد الحوار والانفتاح بين القوى اليسارية الديمقراطية والتيارات الليبرالية وتحقيق التقارب والتوافق بينها للتخفيف من حدة الخلافات النظرية التي كانت تعد دائماً سبباً للتنافر وحتى الاستعداء. إن المصلحة المشتركة في بناء دستور علماني ديمقراطي يوجب على القوى اليسارية أن تفكر بطريقة عملية وتتخلى عن النهج الإيديولوجي الذي جعل الكثير من تلك القوى لا تختلف في نمط تفكيرها وأسلوب معالجتا للقضايا والمشاكل الاجتماعية والسياسية عن الأنظمة الشمولية التي حاربتها لعقود خلت. فالالتزام بالمناهج الأيديولوجية المنغلقة لن يعطي الفرصة لفرز وطرح مشاريع حديثة قادرة على النهوض بالاقتصاد ومواجهة تحديات العولمة والتنافس الدولي التجاري القائم على فلسفة اقتصاد السوق الاستثماري.
لقد آن الأوان لندرك أن تحقيق مستويات عالية من التنمية البشرية والاقتصادية لا يتوفر إلى وفق اقتصاديات حرة واستثمارات نقدية دولية. ولندرك أيضاً أن السعي الدءوب للحفاظ على مصالح الطبقات الأدنى والأفقر في المجتمع لا يتحقق بتكسير وتفكيك الاقتصاديات والاستثمارات الفردية والخاصة. أي بعبارة أخرى لا يصح بحال من الأحوال السعي لتوحيد طبقات المجتمع في الحد المتوسط فذلك لم ولن يتحقق والحل الذي يتيح لكل الطبقات الفرصة لقيام ذاتها وبناء استثماراتها يتم الوصول إليه بالديمقراطية الاقتصادية آخذين بعين الاعتبار الحرص على العدالة الاجتماعية وترك الباب مفتوحاً دائماً للمراقبة والمسائلة وسن القوانين التي تحد من قدرة فرد أو مؤسسة على ابتلاع اقتصاديات المجتمع وتحويل خيرات الوطن إلى قطاع فئوي فردي كما يحدث حالياً في دول عربية ذات أنظمة شمولية حيث يسيطر أفراد معدودون على كل مناح الفاعلات الاقتصادية.

التحالف بين القوى اليسارية والتيار الديني:
في مناسبات عديدة تساءل الكثيرون عن إمكانية وجدوى التحالف بين القوى اليسارية والتيار الديني. وذلك على قاعدة الديمقراطية السياسية التي تعطي الحق للجميع في ممارسة الحكم ومراقبته ومسألته. وإذا كانت الديمقراطية تعطي الحق لكافة القوميات والانتماءات العقائدية في المشاركة بالعملية السياسية والاقتصادية والثقافية. التيار الديني عادة ما يرضى بهذه المنطلقات النظرية ولكن في التطبيق يتحول إلى سلطة شمولية لا تترك مجالاً للرأي الآخر إلى في حدود الدائرة المرسومة بالنصوص والفتاوى والأحكام وأقرب مثال على ذلك إيران حيث لم تنجح التجربة الديمقراطية الإيرانية في إدماج التيارات المختلفة والانتماءات العرقية والعقائدية في العملية السياسية الجارية هناك وتحولت التجربة إلى ديمقراطية المرشد الأعلى الذي يعين الرئيس العام للقضاء ويعين نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور الذي يعد السلطة الأقوى بعد المرشد العام.
إن التحالف مع التيارات الدينية لا يحقق إلا مصالحها فقط فهي قادرة على ابتلاع حلفائها أو على الأقل تنحيتهم لأنها في النهاية لا تقبل التعددية الفكرية أو حرية الاعتقاد فذلك ببساطة يتعارض مع أهم وأبسط قناعاتها ألا وهو العقيدة الإيمانية التي ترى في الآخر كافراً يستحق العقاب في الدنيا والنار في الآخرة، وإذا قبلت بالآخر لظروف ضعف أو لتكتيكات مرحلية فإنها لا بد وأن تنبذه عندما تملك القدرة على ذلك.
لذلك أرى أنه من غير المجدي والمفيد التحالف مع التيار الديني وهذا لا يعني معاداته أو محاربته بل لا بد من القبول به وحواره لكي يقبل بالآخر على ما هو عليه. أي الاعتراف بحق وجود تلك الفئة أو الفئات التي لا تنهج ولا تعتقد ببعض قين ومبادئ التيار الديني. فالعلاقة إذا تقوم على أساس من الاعتراف المتبادل والفوارق الحقيقية بين التيارات الدينية والقوى اليسارية وهذا لا يعني عدم وجود تقاطعت أو توافقت مرتبطة بحاضر الوطن ومستقبله إلا أنه ينبغي الحذر من التماهي أو التشابه في العموميات التي لا يختلف أحد عندما تطرح كشعارات غير محددة أو غير واضحة كمفهوم الحرية مثلاً.

خاتمة:
لا بد لقوى اليسار الديمقراطي من التحالف مع التيار اللبرالي الديمقراطي في مواجهة التيارات الدينية من خلال منافسة شريفة مفتوحة ضمن أجواء من الحرية والشفافية تلك التي تتوفر الآن في العراق. لذلك يبدو خطئاً كثيراً ترك الساحة السياسية والشارع الثقافي لأحزاب محدودة ذات طابع ديني وهذا يدعو إلى الاهتمام والعمل مع التجمعات الشعبية والتحرك عبر وسائل الإعلام المختلفة وخاصة تلك التي تصل إلى شريحة أكبر من الناس – كالتلفاز مثلاً- والانخراط في المنظمات الأهلية والمدنية والتجمعات النقابية والثقافية وتأسيس هيئات وتجمعات جديدة آخذة بعين الاعتبار السعي الحثيث لجذب النساء ومشاركتهن الفعالة والاهتمام بضمهن وتحقيق قدرتهن الكبيرة في كل مناحي العمل الثقافي والسياسي والشعبي.
إن التغيير المنشود لم يتوقف عند سقوط النظام البائد بل لا بد من العمل الحثيث والمستمر من أجل التغيير الثقافي والفكري وبناء الفكر النقدي الذي يتخذ العقل قيمة إنسانية لا حدود لها. وهذا العمل يتطلب حشد طاقات المفكرين والكتاب ونشطاء منظمات المجتمع المدني والهيئات الطلابية وجمعيات الاتحاديات الجامعية ذات الصلة المباشرة بشرائح المجتمع ومنتدياته الثقافية والفكرية وهنا أؤكد على دعم المفكرين والكتاب أصحاب الأقلام المتنورة والأخذ بيدها وإتاحة الفرصة لها للمساهمة في ترسيخ قيم ومفاهيم الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وممارسة حق المواطنة.

الأربعاء، يونيو 15، 2005

غراميّات الفرزدق وقصاص ابن لادن

إلى أي مدى تكون الإجابة على بعض الأسئلة البسيطة هامة و ذات أثر يتجاوز الزمان و المكان؟ هل الرسالة الإسلامية نفعية للإنسانية جمعاء, أم أنها مجرد علاقة بين الخالق و العباد تنتهي بأداء الفرائض؟ لن تكون الإجابة على تساؤل كهذا صعبة, لذلك سأتوجه نحو سؤال أصعب قليلاً, و الإجابة عليه موضع خلاف وشقاق, رغم أن الإجابة تكون بنعم أو لا. هل من أخطاء المسلمين الفادحة اعتقادهم أن الدين _أي التشريع الديني الموروث فقط_ فيه كل الحلول لكل المشاكل, و كل الأجوبة لكل الأسئلة؟
الواقع, إن الغالبية العظمى من المسلمين يوقنون أن اعتقادهم السابق ليس خطئاً على الإطلاق, بل هو ميزة. و القلة يرون العكس تماماً. و يقولون إن هذا الاعتقاد كان سبباً في محدودية التفكير الإسلامي المعاصر. لذلك لم تسع العامة للبحث خارج الفكر الديني عن أية فكرة أو توجيه لحياتهم, أو النظر نحو أية نظم مبتكرة. و بالتالي كان همهم الوحيد الدفاع عن الأفكار القديمة, و تحميلها ما لا تحمل. و بهذا انحسرت وظيفة العقل و غدا واجبه الأول العمل و البحث في إيجابيات الموروث و محاسنه, و درء الشبهات عنه و الذود عن حياض السلف.
و للمساعدة في تحديد موقف واضح مما سبق نستعرض بعض الأمثلة ذات الدلالة غير المباشرة, علها تأخذ بيدنا نحو المضي في بحثنا, و تهيئ لنا المناخ للخوض أعمق نحو إجابات واضحة و صريحة.
فمثلاً عمر بن الخطاب (رض) كان يخشى البحر, و يشفق على جنود المسلمين من الخوض فيه, لكن تاريخ غزوات المسلمين البحرية أثبت خلاف رؤية عمر. أيضاً كان الفاروق لا يحبذ غزو الترك, اعتماداً على أحاديث نبوية. لكن و كما هو معلوم, إن المسلمين غزوا الترك, و فتحوا بلادهم و انتهت الخلافة إليهم. و من هذا القبيل نذكر هنا إن عمر بن عبد العزيز كان يعارض غزو أسبانيا. و الحضارة الإسلامية هناك حققت نجاحات باهرة ما زال المسلمون يفاخرون بها في كل مناسبة. و هذا يعني أن رؤية عمر بن عبد العزيز كانت خاطئة في هذا المجال. بعد هذه الأمثلة لعله من المفيد هنا طرح السؤال التالي: لماذا قام المسلمون في عهد المأمون و في عهد الأندلس بترجمة كل ما وصل إلى أيديهم من كتب الرومان و اليونان إلى العربية, و من ضمن ذلك كتب الفلسفة و اللاهوت؟
بعد تلك المقدمة نصل إلى لب الموضوع الذي يتناول قضية هامة, يعد بحثها و من ثمة حل معضلتها سببا حاسما في النظر بواقعية و تجدد نحو مستقبل مختلف تماما. و سنطرح مسألتنا على شكل تساؤلات و هي : هل هناك أحكام شرعية منصوص عليها توَقـّف العمل بها رغم بقاء حكمها, والنصوص الدالة عليها. و هل حقا استطاع المسلمون بعد قرون طويلة تنفيذ كل ما ورد إليهم من أحكام فقهية, و أصبحوا الآن قادرين على تسيير حياتهم بالكامل وفقا لما قرره علماء الشريعة المعاصرون و الفقهاء الأقدمون؟ قد تكون الإجابة بسيطة و قوية لا لبس فيها, لكننا لن نتسرع في الرد, بل سنقوم بفتح نوافذ نطل من خلالها على بعض النظم و الأحكام الشرعية بنظرات محايدة و عقول منفتحة, خلافا لما جرت عليه العادة في مجتمعاتنا الحديثة. _و أقصد هنا الحداثة الزمنية فقط_ نظرات من الخارج إلى الداخل لا تتبنى أحكاما مسبقة أو تقييمات جاهزة. و ذلك في تجربة جديدة ربما استطعنا من خلالها فتح آفاق جديدة أكثر رحابة و أقل إعاقة.
نظرات في سورة الأحزاب :
سورة الأحزاب مدنية أي نزلت في المدينة المنورة. و كانت تعادل سورة البقرة, أي ما يقارب المائتي آية. فنسخ منها. و لم يبق منها إلا ثلاث وسبعون آية. أخرج أبو عبيد في الفضائل و ابن الأنباري و ابن مرودية عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي (ص) مائتي آية, فلما كتب عثمان المصاحف لم يقرر منها إلا ما هو الآن.(1)
بعملية حسابية بسيطة يظهر التالي:
تمّ نسخ ما يعادل 7% من القرآن الكريم, في سورة الأحزاب وحدها. ومّما نسخ في سورة الأحزاب آية رجم الشّيخ و الشّيخة إذا زنيا.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب قام فحمد الله, وأثنى عليه. ثمّ قال: أمّا بعد, أيّها النّاس: إنّ الله بعث محمّداً بالحق, وأنزل عليه الكتاب. فكان فيما أنزل عليه آية الرّجم. فقرأناها ووعيناها «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم« رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده. فأخشى أن يطول بالناس زمان يقول قائل: لا نجد آية الرّجم في كتاب الله, فيضلوا بذلك فريضة أنزلها الله. انتهى. فرجم الشيخ والشيخة, أي كبار السّن, إذا زنيا فريضة من الله. والرّجم هو الرّمي بالحجارة حتى الموت للزاني المحصن. وهذا حكم معطل بفعل الزمان. ولن يكون تطبيقه مقبولاً, حتى لو أخذنا بنصيحة بعض العارفين, الذين قالوا ينفذ الحكم لبعض الوقت ليكون ردعاً, ثمّ يوقف. ويعاد العمل به إذا استشرى الوباء.
والواقع, إنّ تنفيذ حكم الرّجم لم يردع عنه فعل الزنى. فها هو عمر بن الخطاب (رض) يقول: رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده. أي إنّ تنفيذ الرّجم في عهد النبي (ص) لم يمتع وقوعه في عهد من بعده من الخلفاء, الذين رجموا كما رجم رسول الله (ص).
والسؤال هنا: منذ متى لم يطبّق حكم الرّجم بين المسلمين في بلاد المسلمين وفي غيرها؟ مرّت مئات طويلة من السّنين لم ينفذ, حتى جاء المذهب الابن لادنيّ, وطبّقه في أفغانستان. وزال اللادنيون من الحكم, ولم يطبق عند غيرهم.
نظرات في أحكام الأسرى:
سورة الأنفال, الآية (67) حتى (71) : «ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يتخن في الأرض... «
قال الشوكاني في فتح القدير: ومعنى ما كان لنبيّ, أي ما صحّ له, وما استقام. الإثخان, كثرة القتل والإثخان فيه... وقيل معنى الإثخان, التمكّن ومنه القوّة...
أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدرٍ كان أولى من أسرهم و فدائهم. ولما كثر المسلمون رخص الله في ذلك. فقال «فإمّا مناً بعدُ و إمّا فداء«.
رغب عمر بن الخطاب بشدّة في قتل الأسرى. فكرّر النبي السّؤال عمّا نفعله في الأسرى. فتنبّه أبو بكر إلى أنّ النّبيّ (ص) يريد رأياً آخر, فقال أبو بكر نرى أن نعفو عنهم وتقبل الفداء. وطالب عبد الله بن رواحة بإحراقهم... وكان بينهم العبّـاس عمّ النبي, وعقيل بن أبي طالب, ابن عمّ النبيّ (ص).
شبّه النبيّ أبا بكرٍ بإبراهيم, عليه السّلام. الذي قال: من تبعني فإنّه مني ومن عصانيّ فإنّك غفورّ رحيم. وشبّهه بعيسى عليه السّلام الذي قال: إن تعذبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك غفور رحيم. وشبّه عمر بن الخطاب بنوح عليه السّلام, حين قال: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا. وشبّهه بموسى عليه السّلام حين قال: ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
لما علم النبي (ص) أن العبّاس بين الأسرى, وأن الأنصار وعدوا بقتله, خشي النبي على العبّاس. فذهب عمر وأحضر العبّاسمن بين الأسرى. وطلب منه الإسلام. وقال عمر للعبّاس: يا عباس أسلم. فوالله إن تسلم أحبّ إليّ من أن يسلم الخطاب (والد عمر).
قال المفسرون:
إنّ الله غفر له , وسامحهم على عدم قتل الأسرى وقبول الفداء منهم, بسبب عدم علمهم بحرمة الأمر, أي بحرمة العفو عن أسرى بدر. وذلك قبل ورود الرّخصة فيما بعد.
قال ابن عبّاس: سبقت لهم الرحمة من الله, قبل أن يعملوا بالمعصية.
إذاً العبّاس دون غيره عُرض عليه الإسلام, أنّه أسلم بعد ذاك, بل بعد الفداء. ودفع الفداء عنه وعن عقيل بن أبي طالب.
ولمّا جاء النبيّ بعد زمن مالٌ من البحرين أتاه العبّاس فقال: يا رسول الله, إني دفعت فدائي وفداء عقيلٍ يوم بدر. أعطني من هذا المال. فقالَ: خذ,فحثا في خميصته ثمّ ذهب_أي العبّاس_ ينصرف, فلم يستطع_أي من ثقل الحمل_ فرفع رأسه وقال يا رسول الله ارفع عليّ. فتبسّم رسول الله (ص), وذهب العبّاس.
يبدو جليّا أنّ الحكم تغيّر تغيُّراً جذريّاً. فبعد غزوة بدر تغيّر الحكم وصار على الشّكل التالي:
«فإمّا منّاً بعدُ وإمّا فداء«. فهل يصحّ أو يعقل أن يأتي عالم ويقول: إنّ حكم قتل الأسرى مازال جارياً, ويقوم بتنفيذ ذلك. وهذا ما وصل إليه اجتهاد الزرقاويّين في العراق اليوم, فهم حسب زعمهم ينفّذون حكم الله في الإثخان بالأسرى._وهو كما مرّ معنا كثرة القتل و المبالغة فيه_
فهل يقبل أن يكون هذا الحكم ظرفياً, مقترناً بالظروف المشابهة للذي كان منذ خمسة عشر قرناً؟ عندها نقرّر إعادة تطبيق حكم الإثخان بالأسرى.
يذكر التاريخ أن الحسن البصري كان يناقش الزّنادقة في وجود الله ضمن مساجد البصرة. وتبهرنا أشعار الفرزدق, وهو يتحدّث عن غرامياته المحرّمة, والتي ينشرها على الملأ. رغم أنّه يعدّ الناطق الإعلامي الرّسميّ للدّولة الأمويّة آنذاك. وليس ببعيدٍ عنه زمنيّاً ما كان يفصح عنه أبو نوّاس, شارحاً عشقه الغريب, ونوادي الشّراب التي لا تنتهي. وكلّ ذلك مدوّن, معلوم وشائع لا تعتيم عليه ولا تبرير.
أريد ممّا سبق الوصول إلى أنّ الحرّيّة الفكريّة والحرّيّة الشّخصيّة كانت سائدة, ومعروفة في عهود كان فيها المسلمون أقرّب منا كثيراً إلى مهد الرِّسالة. وكانوا أيضاً من أقطاب العالم الرّئيسيّة, يحسب لهم ألف حساب. ولا أعني بهذا أننا نعيش في أحسن حال, أننا خيار الخيار, بل أريد التأكيد على ضرورة التغيير من منطلقات علميّة, وآراء نقدية جريئة وصريحة. وبيان أنّ ما نعاصر من قيود على الرّأي والفكر, ليس من الدُّول, فهذا أمر مفروغ منه, بل من الشّعوب أيضاً. فنحن في زمن تحاصر العامّة فيه كلّ فكرة نيِّرة, أو رأي جديد, وتضربه بالنّار والحديد.

الاثنين، يونيو 13، 2005

الحرير فوق أجساد مترفة

في عش لا يقوى على صد الرياح
تفتت جدرانه
أصوات الباحثين
عن ناطحات السحاب
تلاصقت أجساد الفراخ
تحارب البرد
عيونها جاحظة نحو السماء
أفواهها مفتوحة
يكاد يقتلها الجفاف
والنسر الشجاع
ما زال يحلق منذ أيام
أنهك جناحيه العوز
وأعمى عينيه الفراغ
عاد
ليضع في فم كل فرخ
بضع حصيات مبللة بدموع
ثم سقط على حافة العرش
ينتظر الموت
لعل الصغار
يجدون وجبة
تجعل الموت أمراً بعيداً
* * *
في أمكنة تجاور فيها
صنابير الذهب
أسقف الصفيح
وينساب الدفء في حجراتها
كالحرير
فوق أجساد مترفة
تشرف على أزقة
يختلط فيها
الماء المالح
مع أقدام عارية
غضة بضة
تلتقط الحب
تبحث عن زجاجة
مازال فيها
قطرات من رحيق الجنة
* * *
( الحرة لا تأكل من ثديها )
والعبدة تطعم الصغار
من عرق فخذها
المنسوبة تشوي القلوب
وتطعم الفئران نصف المائدة
المعزولة تغلي الحصى
تزور البقايا
تأكل ما توفر
من (( النطيحة والمتردية والموقوذة ))
وما ترك السبع
تبيع جدائلها
تبيع أحزانها
تبيع ابتسامات
خرجت من أصيص العذاب
وما أذن السبع
وما تملك
لا يسد تسرب الوباء
ولا يوقف أعواد القصب
والجسد لن يصمد طويلاً
داخل السوق
والثمن لا يملأ
أحشاء أرانب
لا تعرف ساعداً
ولم ترى شارباً
المحمية بأوراق ومعادن
تنثر العطر
تشتري العصا
والحائرة في قدر
لا يعرف الحياة
يغشاها الغدر
وتحوم حولها الشبهات
* * *

السبت، يونيو 11، 2005

مراجعة للثقافة الدينية السائدة المسؤولة عن عبودية المرأة للرجل

المقدمة :
يرى كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين أن كل مشاكل المجتمعات والدول الإسلامية تحل بالعودة إلى النصوص والأصول وهي بدورها ستتكفل بالعمل على صنع المعجزات وحل الأزمات وتحقيق سيادة الأمة وحضارتها مثلما فعلت منذ قرون عديدة كما يظنون.
متجاهلين حقيقة أن النصوص المأثورة بحاجة إلى مراجعة وتدقيق لما تشتمل عليه من تناقضات وتضارب بين العموميات والتفاصيل. ودراستنا هذه محاولة لبيان هذه الحقيقة وسعي لإدخال التفكير العقي النقدي في مجال دراسة المأثور والمنقول من التراث الثقافي الديني المشكل للبنى الاجتماعية والثقافية والعقلية السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية.

المرأة والعبودية للرجل:
تأخذ الكلمة أبعاداً جديدة عندما تضاف إلى المرأة وتغدو الحرية خاصة ذات قيمة إضافية لحظة اقترانها بالأنثى، وتكمن المشكلة الحقيقية في القيود الأدبية والاجتماعية المضافة إلى القواعد التشريعية والقانونية التي تحيط بالمرأة من قبل ولادتها وحتى لحظة الوفاة. ولقد كانت هذه الضوابط شديدة القسوة، بالغة الغلظة عندما تتعلق بالشرف والكرامة وبحجة البعد عن الفاحشة والخطيئة. وتتفاقم الأزمة عندما تتحالف الضوابط الاجتماعية التي تراكمت عبر قرون من التأخر والتخلف مع الحدود المنصوص عليها شرعاً، بما يدعو إلى مراجعة تلك النصوص والبحث في مضامينها ومدلولاتها ومفاهيمها.
الرجل مقابل المرأة أخاً أو أباً أو زوجاً وحتى ابناً. هو السيد الولي المتصرف في الحاضر والمستقبل، له حق الوصاية والانتداب. والمرأة قبل الزواج مرهونة بقراراته وأوامره وعندما تتزوج تتفاقم المشكلة لأبعد الحدود فتغدو المرأة عابدة حقيقية بالنص المحقق والواجب المقدس للرجل. ولا يخفف من ذلك دعاوى تطالب بالرفق والمعاشرة بالمعروف أو العدل الظاهري أو المساواة في أصل الخلق.

المرتبة والشهادة:
اعتبر الفكر الديني الرجل رمزاً لكمال العقل البشري وصورة لجمال وقوة الجسد وكثيراً ما يضرب المثل للدلالة على جمال الذكر بالتشابه بين الإنسان وبقية المخلوقات مثل الطيور وبعض الحيوانات الأخرى. فالطاووس الذكر جميل وضخم وأنثاه بشعة وضئيلة وكانت هذه الأمثلة تعتبر المسألة ذات دلالة قوية على فطرة الله التي خلق الناس عليها. ولم تكن القضية لتأخذ هذا التوكيد وهذا الرسوخ إلى لوجود بناء فكري متين يستند إلى الكثير من الأدلة والنقول المباشرة وغير المباشرة التي أكدت على تميز الرجل على المرأة بحكم أن الذكر كان دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد، فكل الرسل والأنبياء كانوا من الرجال وحتى الملائكة لا تجوز نسبتهم للأنثى، ولا يستبعد أن تعد مثل هذه النسبة كفراً.
وفي الوقت الذي عاب فيه القرآن على أهل الجاهلية وأد البنات وحرم هذه الفعلة الشنيعة التي كان سببها الخشية من عار السبي والفقر وعد الحزن عند ولادة الأنثى سوء فهم وحكم، وإلى جانب آيات مثل ((ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن)) النساء 124 والتي توحي بالمنزلة الواحدة والمرتبة المتساوية نزلت آيات دلت دلالة أكبر على تميز الذكر على الأنثى ورفعة مكانته وعلو منزلته ((وليس الذكر كالأنثى)) آل عمران 36 ((ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى)) النجم 21,22 ((إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)) النجم 27.
وتدل الآلات في سياقها والآيات التي تليها باختصاص الذكر من حيث اعتباره الأقرب في صفاته الجسدية والعقلية إلى الكمال البشري مما يبرر اعتبار الأنثى أقل منزلة ومرتبة رغم ما ورد من إشارات أو دلالات عامة. وكما هو معلوم في أصول الفقه فإن الخاص يحكم العام، فإذا جاء نصان في مسألة واحدة أحدهما عام والآخر خاص كان الحكم للنص المخصص واعتبر النص العام مخصصاً أي لا يبقى على عمومه فالتخصيص أقوى من التعميم.
في مثل هذه الأرضية ومثل هذه التربية نشأ الاعتقاد والقناعة بصغر عقل المرأة تأسس عليه أحكام شرعية وقانونية ما زالت تمارس وتطبق إلى يومنا هذا في الغالبية العظمى من الدول الإسلامية. فهي لا تصلح للشهادة في عقود الزواج والطلاق أما في العقود المدنية الأخرى فشهادتها النصف الغير متكافئ ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)) البقرة 282 .
ولماذا امرأتين؟ لأن الأنثى قد تضل والضلال هنا بالنسيان والقصور لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال والآية تدل عدم قبول العقد بشهادة النساء فقط (وأنها لا تجوز شهادة النساء إلى مع الرجل ولا وحدهن) الشوكاني فتح القدير ج1 306 . إلا في بعض الحالات التي تقتضي السرية وعدم إطلاع الرجل على عورة المرأة حتى ولو كان طبيباً أو خبيراً مؤهلا. فالنساء ولو كن أربعة لا يستطعن الشهادة على عقد شرعي أو مدني إذ لا بد من وجود العنصر الذكري ليستقيم العقل. وهنا أتخيل كم من المعاملات والعقود المدنية والتجارية والاعتبارية التي ستهدم في حال تطبيق هذا الحكم ولست أبالغ بأن وجه التعاملات المدنية والقانونية سيختلف تماماً لو أراد الأصوليون تطبيق مثل هذا الحكم لذلك نجد أنه غير معمول به في عدد كبير في الدول الإسلامية في مجال العقود المدنية. ولكن فيما يخص العقود الشرعية وحتى في الدول التي صارت فيه المرأة وزيرة ونائبة وقاضية كسوريا مثلا فإن قانون الأحوال الشخصية ينص على عدم قبول شهادة المرأة في الزواج والطلاق، كما لا تجوز ولايتها على البنت القاصر ليس حفاظاً على القاصر، ولكن لعدم الاعتراف بأهلية المرأة للولاية، فالرجل يستطيع تزويج القاصر باعتباره ولياً عليها. وهنا التأكيد من جديد على المكانة والامتياز حتى في المجال ألاعتقادي والإيماني الذي يبرز فيه بشدة تمييز الرجل عن المرأة بحكم أن الذكور كانوا دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد وأعني الأنبياء والرسل. وفي النصوص التي جاءت في الأساس لتحقيق المساواة في الرتبة لا بد وأن تشير بطريقة ما إلى الدرجة التي يرتقيها الرجل أعلى من الأنثى ((إن المسلمين والمسلمات....والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) الأحزاب 35.
وهكذا تتوافر النصوص الدالة على رفعة الذكر وامتياز عقله وجسده وعاطفته وحتى إيمانه واعتقاده لشيوعها ورسوخها في أصول التعامل المدني والاقتصادي وعليه كان لزاماً انتشار ثقافة احتقار المرأة ودونيتها. والإشكال الرئيس هنا أن النصوص التي أشارت إلى المساواة والمنزلة الواحدة ليست واضحة تماماً وهناك مجال كبير لإخراجها عن عمومها بالنصوص الخاصة والأشد وضوحاً وكل ذلك أسس لقيم ومفاهيم رسختها أحكام تشريعية وفتاوى فقهية شكلت المكون الثقافي الديني والخيال الشعبي الواعي واللاشعور تجاه دونية مرتبة المرأة لمجرد أنها أنثى وعلو شأن الرجل لمجرد كونه ذكراً. وتفاقمت المشكلة عندما ارتبطت بالجهل والتقليد واختزال الفقه والعلم برؤوس المشايخ وخطباء المساجد وعندما غدا العلم الشرعي عند غالبية المتدينين مكنوزاً في صدور أئمة المساجد والقائمين عليها والذين بدورهم حرصوا على إبعاد السواد الأعظم من المسلمين عن الرجوع إلى النصوص وخوض غمارها خشية زلزلة مكانتهم وسحب امتيازاتهم.

عظيم حق الزوج على المرأة:
تعتبر الثقافة الدينية الزواج حجر الزاوية في الحفاظ على الأسرة والمجتمع ويعد الحصن الحصين لمنع الفاحشة وسد الطريق على العلاقات الجنسية المحرمة ، وتدل آيات وأحاديث على سمو عقد الزواج الذي بموجبه يتم استحلال العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة وتتحول المرأة بموجبه إلى كيان مرتبط بشدة بالرجل وملتزم إلى أبعد الحدود بأوامره الصارمة وواجباته المقدسة. وهو في الواقع السبيل للنجاة أو الخسران في مآل المرأة في الدنيا والآخرة. (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) مسند أحمد 18233 عن حصين بن محصن، إذاً فمقام الرجل رفيع لدرجة أنه قد يدخل المرأة الجنة أو النار. وهذا في الحقيقة غاية الدين وأساسه بعد رضا الخالق الذي يتحقق برضى الزوج فيما أحل الخالق.
وبرغم من وضوح هذا المعنى ودلالاته التي لا تخفى على النساء والرجال على السواء فلقد جاء نصوص أخرى مؤكدة لهذا المفهوم وداعية المرأة للشعور ببالغ القدر والفضل الذي قدمه الرجل بزواجه منها. (فلو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على التنور لم تمنعه) رواه ابن ماجة
(لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها) رواه النسائي.
وأمثال هذه النصوص لا تدع مجالاً بالشك بالتفاوت العظيم في مكانة المرأة والرجل والتي تفرق بينهما إلى درجة قريبة من الاستعباد فمع أن الإسلام حرم السجود لغير الله وهذا معلوم من الدين بالضرورة إلا أن المكانة المرموقة والرتبة العالية للرجل فوق المرأة كادت أن توصله إلى مرتبة تسجد فيها المرأة له. لماذا؟ لعظيم حقه عليها وبالرغم من قدرة الرجل على تعدد الزوجات وتغييرهن فإن فضل الرجل الواحد على كل النساء اللواتي تزوجهن عظيم لدرجة قد تصل إلى اعتبارهن إماء مرتهنين بطاعته وإشباع رغباته وتنفيذ أوامره في الحدود والقواعد المسموح بها شرعاً التي تعطيه كل الصلاحيات للتحكم بحياة أزواجه وتصريف شؤون حياتهن صغيرها وكبيرها بدون اعتبار لقدر المرأة التي ربما تفوق الرجل ثقافة وفهما وأدباً في واقع الحياة.
وربما يظن البعض أن هذا التوجيه محدود أو مخصوص وليس توجهاً عاماً لذلك لا يصح البناء عليه وأخذه على أنه حكم عام وشامل ويمكن حصره في حدود ضيقة وفي حوادث مخصوصة بحد ذاتها. إلا أن تكرار النص عن عدد كثير من الصحابة وروايته في أكثر من مصدر مختلف برواية مختلفة يؤكد على كون المرتبة والعلاقة بين الرجل ونسائه كادت أن تقترب من العبودية. ويؤكد على رسوخ هذه القناعة ويؤسس لها في القيم الأخلاقية والمدنية نصوص أخرى لا تقل دلالة ولا وضوحاً إلى غريب التفاوت في المراتب والمنازل بين الرجال والنساء وعلى الأخص في الحياة الدنيا والعلاقات الإنسانية. (والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه) رواه النسائي وفي مسند أحمد أبلغ وأوضح من هذا النص برقم 21063
(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) رواه النسائي.
وهذه ليست أحاديث شاذة أو غريبة أو نقلت من مصادر مشكوك بها بل هي من الأحاديث المعول عليها تكررت روايتها وتعدد رواتها في أمهات المصادر والمجاميع الموثوقة تاريخياً كمرجعيات للآثار والسير والنصوص المعتمدة كأساس للفقه والأحكام الشرعية والنقول المتعاقبة عن النبي والصحابة والتابعين.
المرأة الناشز:
وهذا فصل آخر من فصول العلاقة الفوقية بين الرجل وزوجته يستند إلى تلك الفوارق في المتربة التي قامت عليها أحكام الزواج والطلاق والميراث وكافة التشريعات التي استندت إليها قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول الإسلامية والتي ما زلات تشكل ظلماً واضحا بحق المرأة وتتسبب ف إبعادها عن المشاركة في الحياة العامة وتتركها فريسة لأهواء المفتين وشهوات القادرين.
ورد في القرآن ذكر لقضية هامة في العلاقات الزوجية وتم الوقوف عندا وطرح العلاجات والوقايات لها ألا وهي مشكلة النشوز الذي هو مصطلح فقهي له معنيان الأول يخص المرأة الناشز وهي التي استعصت على بعلها وأبغضته والثاني يخص الرجل وهو المعرض والمجافي والضارب.
ولما كان الأصل في العلاقة الشرعية بين الرجل وزوجته أو زوجاته أنه صاحب القوامة له حق الطاعة مقابل واجب المرأة في الاستجابة والخضوع والرضى كانت معالجة النشوز مستندة إلى هذا المبدأ فاعتبرت المرأة الناشز عاصية لربها تستحق العلاج والتأديب ((واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)) النساء. 34
وآية النشوز هي نفسها آية القوامة وهي نفسها آية التأكيد على ربط رضا الله بواجبات الزوج وهي تشير إلى ما يمكن أن يفعله الرجل أو ما يصلح له فعله فيما إذا خشي العصيان أو الطاعة المترددة. والمعنى الصريح يدل على أن مجرد الظن أو ظهور بعض الدلائل على النشوز وليس فعله يستوجب الموعظة والهجر والضرب غير المبرح. وفي كل الحالات السابقة التي لا يرى المفسرون ضرورة في إتباع ترتيبها بل يختار الزوج العلاج الأمثل حسب ما يراه مناسباً. يتصرف الرجل من موقف السلطة والملك من موقف الأشرف والأعلم والأحكم.
وليس خافياً أن العنف ضد النساء موجود في جميع أنحاء العالم وهناك مؤسسات وهيئات محلية ووطنية لمحاربته والخلاص منه واعتباره خطئاً وانحرافاً تجب معاقبته وتجنبه وإنهاؤه. إلا أن المشكلة في التفكير الديني هي الاعتقاد بوجود حجة شرعية وفقهية لفعله ولم يتجرأ أحد من المفسرين أو الفقهاء أو الدعاة الجدد على إيجاد حل لهذا النص ومعالجته بطريقة تجعل المرأة على قدم المساواة في العلاقة بينها وبين الزوج. وكما هو معلوم فإن هناك نصوص عديدة تدل بعمومها على حسن المعاملة والإكرام والمساواة إلا أن الأزمة في كون تلك النصوص جاءت من باب الندب والنافلة والنص الذي بين أيدينا من باب الوجوب والقصاص.
(والجدير ذكره هنا أن رسول الله ما ضرب امرأة ولا خادماً قط) النسائي عن عائشة.
إلا أن مجمل التعليمات والتوجيهات والتوصيات التي أشرنا إلى قسم منها في بحثنا هذا جعل من الالتفات إلى مثل هذا النص أمراً عابراً وسنة مقابل الواجب أو الفرض.
الجانب الآخر في النشوز هو الرجل حيث جاء ذكره أيضاً لكن العلاج والوقاية كانت مختلفة تماما ((وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح)) النساء 128
والآية تدل على ما يجب فعله عندما تخشى المرأة أو ترى ظهور عوارض إعراض زوجها عنها أو جفائه لها أو ضربها. والحل المطروح هو أن تتنازل وتقدم المبررات لمنع النشوز ويكون ذلك بإسقاط دورها من المجامعة لزوجة مفضلة عنده في حل كونها إحدى الزوجات المتعددات. أو تتخلى عن النفقة أو بعضها أو تخليها عن المهر أو بعضه ((راجع الشوكاني مجلد أول ص512))
إذاً فطريقة العلاج مختلفة تماماً كما هي المكانة والموقع والصفة، فبينما كان علاج المرأة الناشز بالوعظ والهجر والضرب فجاءت وقاية المرأة من نشوز زوجها بإشباع لرغباته المادية والجنسية وإعطاء المزيد من الحرية والاستقلالية لزوجها الذي يفضل عليها غيرها من نسائه وإمائه. والملفت للنظر عند تأمل الفروق بين حالات نشوز المرأة أو الرجل أن الخطاب في نشوز النساء جاء بصفة الجمع ((واللاتي تخافون نشوزهن)) في حين أن الخطاب المتعلق بالزوج جاء بصيغة بصيغة الفرد (وإن امرأة خافت). وهكذا فمجموع العنصر الرجالي لهم حكم عام فكل أولئك الذين يخشون من نسائهم المعصية أو الجفاء لهم حقوق عامة واضحة وصريحة ومعلنة في حين أن تلك المسكينة المرأة الفرد عندما تخشى الضرب والإعراض والجفاء تلجأ إلى تسوية
على حسابها الخاص نفسياً أو جسدياً أومادياً، المهم أن تكون التسوية في كل الحالات لمصلحة الأفضل والأقوم أي الرجل.
2*

نسب ولد اللعان وولد الزنى:
اللعان مصطلح فقهي اشتق من آيات اللعان الواردة في سورة النور 6-9 وهي علاج لتلك الحالات التي يشك الزوج فيها بزوجته لوجود دليل مادي أو اشتباه فإنه في هذه الحالة يقسم أربع مرات أنه من الصادقين في تأكيد خيانتها ثم يشهد في القسم الخامس على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين. وتقابله زوجته بنفس الأيمان لتدرأ عن نفسها العذاب وعندها يقوم القاضي أو الوالي بالتفريق بينهما وما نريد الوقوف عنده ببحثنا هو الولد الذي بين يدي الزوجة أو في رحمها وبالرغم من تساويهما في الأيمان فكلمته في مواجهة كلمتها إلا أنها هي التي تتحمل التبعات كاملة فالرجل يتبرأ من الولد فلا يحمل اسمه ولا يرثه وينسب الطفل أو الضيع أو الجنين إلى أمه ويرثها وتتكفل به نفقة ورعاية ولا يلحق الزوج من ذلك شيء وتنقطع علاقته بالمولود أو الطفل بعد أدائه الأيمان الخمسة ولا نفقة ولا سكن للمرأة بعد اللعان ((عن سهل بن سعد أن رجلاً أتى رسول الله فقال: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل. فأنزل الله فيهما ما ذكر من القرآن من التلاعن فقال رسول الله (ص) قد قضى فيك وفي امرأتك وكانت حاملاً. فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها)) البخاري وروى مثله أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الإحوذي في شرح الترمذي : يلحق الولد في النسب والوراثة بأمه ولا توارث بين الملاعن وبينه. ولا قوت لها ولا سكن من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق أو موت.

فالمرأة الأضعف هي المسؤولة عن تبعات الملاعنة التي تحتمل الخطأ أو الشبهة أو الكذب.
وهذا واضح في القصص التي رويت في الملاعنة وفي اليمين الخامس للملاعن الذي يلعن نفسه إذا كان كاذباً والمرأة تفعل نفس الشيء فهما أمام القسم متساويان ولكن في الأعباء والمسؤوليات والنتائج تتحمل هي التبعات لأنها الأدنى شأنا والأخس مكانة.
في عصرنا أصبح من الممكن تحديد نسب الولد بدقة نهائية ومعرفة فيما إذا كان إنكار الرجل لابنه صحيحاً أم باطلاً وبالرغم من هذا التطور العلمي إلا أن المحاكم الشرعية في البلاد الإسلامية لا تأخذ بقرارات العلم ولا تلتفت إلى حقيقة النتائج المخبرية وما زالت تناقش وتحكم على المسألة بآيات وأحاديث اللعان.
وليس بعيداً من ذلك نسب الولد الزنى وهي الحالة التي تنتج عن علاقة ير مشروعة بين الرجل والمرأة ففي الجاهلية كانت المرأة قادرة على إلحاق الولد بأحد الرجال الذين زنت معهم ولكن في الإسلام لم يعد ذلك مقبولاً لعظيم فاحشة الزنا ولم يعد من الممكن إلحاق الولد بالرجل الزاني بل يلحق بأمه ((عن الحسن في رجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها قال: لا بأس إلا أن تكون حبلى فإن الولد لا يلحقه)) سنن الدارمي 2982
(إذا كان أبوه الذي يدعى إليه أنكره وإن كان من أمة لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه – أي الولد- لا يلحق بالرجل ولا يرث من أبيه) راجع مسند أحمد 6745
ونحن هنا لا نتحدث عن قصص تاريخية أو أحداث غابرة في قديم الزمان بل هي أحكام مقننة ومدونة في قوانين الأحوال الشخصية ومعمول بها إلى يومنا هذا ويستند إليها القضاء الشرعي في بيان الحقوق وإصدار الأحكام.
في حالة ولد الزنى أيضاً يتحمل الأضعف والأخس وهو المرأة هنا التبعات والمسؤولية وحتى لو تزوج الرجل المرأة التي زنى بها وقد يجبره القانون على ذلك لكنه غير ملزم بالولد غير الشرعي ويمكن له التبرؤ منه ومن النفقة والسكن والميراث ويلحق ولد الزنى بأمه حتى ولو كان هناك شبهة أو دليل على أن الرجل الذي قام بفعل الزنى أب للولد الناجم عن العلاقة.

الولاية في الزواج:
تعد مسألة الارتباط بين المرأة والرجل من أكثر الخصوصيات الشخصية وضوحاً وأشدها تأثيراً على حياة المرأة في حاضرها ومستقبلها ولما كان الشرع قد حصر العلاقة بالزواج فقد ازدادت أهمية الاختيار وضرورة سيطرة المرأة على القرار لأنه بالنسبة لها مسألة ذات خصوصية بالغة فزوج المستقبل هو الوحيد في حياتها وهو الذي سيسلبها الإرادة والحرية وعليه كانت هي المستفيدة والمتضررة الأولى في حال نجاح الزوج أو فشله. وهذا خلاف للرجل الذي بإمكانه التعدد والتمتع والاسترقاق والطلاق. ونسجاً على الموقف التقييمي المسبق للمرأة باعتبار النقص المرتبط بأحقابها العقلية وخبراتها الشخصية كان لا بد للأنثى من الخضوع في اختيارها للذكر وولايته لإتمام مسألة الارتباط أو عدمه.
(قالوا لأن الزواج له مقاصد متعددة والمرأة كثيراً ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار فيفوتها حصول هذه المقاصد فمنعت من مباشرة العقد وجعل إلى وليها لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الأكمل) سيد سابق فقه السنة فصل 7 ص9
وهكذا فأمر ولاية الذكر على الأنثى في قضية الزواج مرتبط بالمقاصد الشرعية والأهداف الدينية لمؤسسة الزواج التي قامت على أركان ذكورية بحتة تنطلق من القيمة العليا للرجل الأعلى تجاه الأدنى وهي المرأة المخلوقة من حيث الوظيفة والواجبات لأجل الرجل الذي بسببه تدخل الجنة أو النار وبرضائه تنال رضا الرب.
((عن عائشة أن رسول الله (ص) قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل)) مسند أحمد 23074 وغيره كثر
((عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)) سنن ابن ماجة 1872 وغيره
رغم وجود خلاف بين الفقهاء حول الولاية على الزواج فإن الأدلة القوية المباشرة والنصوص المأثورة في تفسير العديد من الآيات المتعلقة بالمسألة تدل بوضوح على وجوب الولاية ((راجع سبل السلام للصنعاني ج2))
ومن الأحكام الغريبة في مسألة الولاية على الزواج والتي لا تقبل إلا التفسيرات التي أوردناها بخصوص الرتبة والمكانة الأحكام التالية : 1(لا تشترط العدالة في الولي إذ الفسق لا يسلب أهلية التزويج إلا إذا خرج به الفسق إلى حد التهتك
2 ليس للمرأة ولاية النكاح أي أنها ليست مؤهلة لتكون ولية في زواج امرأة أخرى حتى ولو كانت أماً أو جدة أو أختاً كبرى فمؤهلاتها التكوينية لا تجعلها قادرة على مشاركة امرأة أخرى في الانفراد في قرار حياتها الخاصة فكما في الشهادة الأمر مماثل في الولاية فإن مجموعة النساء لا تساوي رجلاً فردا
3 يحق للولي في الزواج أن يزوج المرأة لنفسه)

زواج الفتاة الصغيرة:
يعد من العادات والتقاليد الشائعة في المجتمعات العربية الإسلامية خاصة تلك التي تصنف كمحافظة أو متدينة ((اليمن والسعودية وباكستان)) إلى جانب بعض الدول التي غيرت القوانين السائدة ورفعت سنّ الزواج للبنات والشباب لما يقرب من السن التي يحق فيها الانتخاب ((الأردن وتونس))
وتتوضع المشكلة في كل الحالات بوجود نصوص شرعية ترعى زواج الصغيرة وتشرعه بضابط وجود ولي للبنت الصغيرة واشتراط سكوتها الذي يعد شرطاً لا معنىً له، فالصغيرة لا يمكن ولا تستطيع الاعتراض على أمر وليها في تزويجها فحتى أنها لا ترى لها حقاً في ذلك فموافقتها المشروطة بالسكوت مضمونة أصلاً
(توفيت خديجة قبل مخرج النبي (ص) إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريباً من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين))رواه البخاري 3607
عن عائشة أن النبي (ص) تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً)) رواه البخاري 4738
وهذه نصوص مذكورة في كتب الحديث والمراجع الفقهية المعتمدة ومنها استنبطت أحكام تبيح نكاح بنت الست سنوات والدخول بها بنت تسع بشرط الولي (أما الصغيرة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها دون إذنها إذ لا رأي لها. والأب والجد يرعيان حقها ويحافظان عليه وقد زوج أبو بكر ابنته وهي صغيرة دون إذنها إذ لم تكن في سن يعتبر فيها إذنها وليس لها الخيار إذا بلغت) فقه السنة ف7 ص13
هذا الحكم المنقول من كتاب فقه السنة لمؤلفه سيد سابق وهو عالم أزهري ومفتي مصري سابق يعد من المنتمين إلى تيار الوسط وطبع كتابه المذكور سنة 1986. أي أننا لا ننقل عن كتب أفت قبل قرون بل من كتب معاصرة ومازال لها تأثيرها وقراؤها ومازالت حية تؤثر في الثقافة الاجتماعية وتعد مراجعاً لسن القوانين الحديثة.
فالأزمة المتجذرة منذ ما قبل الإسلام ما زالت حية تثمر مشاكل جديدة وقوانين جائرة إلا أنها بعد قيام الخلافة الدينية أخذت صفة شرعية وسند دينياً.
إذاً يجوز تزويج البنت لصغيرة قبل دخولها المدرسة ويحق للرجل الذي يكبرها بنصف قرن أن يدخل عليها وهي بنت تسع سنين وهو لا يفعل محرماً أو يقف موقفاً محرجاً. ولما كانت الصغيرة غير واعية وغير مدركة اعتبر إذن وليه كافياً لتزويجها وكأنه المالك الحصري لرقيق يملكه أو سلعة يبيعها. والمؤلم حقاً أنها عندا تبلغ وتعي وتدرك ليس لها الخيار فيرفض هذا الزواج الجائر وسيكون من الصعب جداً طلاقها أو فكها من الأسر خاصة إذا كانت أماً لأطفال وكانت حالة الشيخ الزوج المادية جيدة.
ويؤكد أن الأزمة ما زالت حية كون النصوص والنقول التي أوردناها في دراستنا ما زالت مرجعاً معتمداً وسنداً قانونياً. ما ذكر مؤخراً عن أن غالبية النائبات في الجمعية الوطنية العراقية الجديدة والبالغ عددهن خمساً وثمانين امرأة يطالبن بإلغاء قانون الأحوال الشخصية باعتبارها قوانين تقوم على مبادئ علمانية تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات واستبدالها بقوانين تقوم على الشريعة الإسلامية. مطالبين بسن قوانين تسمح بضرب الزوج لزوجته وتحرم المرأة من الوصاية على أطفالها في حالة الطلاق وتسمح للرجال بممارسة تعدد الزوجات. ((راقية القيسي الحوار المتمدن 8\6\2005))

ففي أحدث برلمان عربي تشكل فيه النساء نسبة كبيرة يوصين بالعودة إلى ما قبل ألف وأربع مئة عام والعمل بنصوص كرست أوضعاً قديمة ورسخت مفاهيم كانت سائدة قبل إرساء قواعد العدالة والرحمة والمساواة التي ينبغي أن تكون الغاية والهدف من جراء تقنين النصوص وتدوين الأحكام القضائية.

خاتمة :
لقد دأب الدعاة الإسلاميون منذ قرون على الدعوة إلى العودة إلى الأصول وإحياء النموذج الديني الذي رأوا فيه كل صفات الكمال والرقي والواقع أن النموذج المنشود والمزعوم لم يكن يوماً من الأيام كذلك والأمثلة المعاصرة ما زالت ماثلة للعيان فليس خافياً حال النساء في دولة طالبان الدينية التي كانت تعتبر النصوص المقدسة المصدر الرئيس وأحياناً الوحيد للتشريعات المدنية والقضاء وكذلك هو الحال في المجتمع السعودي حيث أن المرأة المكرمة المعززة التي يدعى أنها نالت كل حقوقها وأنها من أرقى المجتمعات مدنية وحضارة كما يزعمون إلا أنهم لا يرون أن هذه المكرمة المعظمة لها الحق في قيادة سيارة فكيف يكون لها الحق في قيادة مجتمع أو حيٍّ أو أسرة.
((في سبيل إزالة المعوقات التي تحول بين المرأة المسلمة وتحقيق أهدافها نرى أن الحل الوحيد يكمن في إعادة النظر في النصوص الإسلامية وخاصة القرآن وتفسيرها تفسيراً جديداً)) نعمت حافظ برزنجي- مداد –
ولتحقيق هذه المهمة لا بد من تضافر جهود العديد من الباحثين والمفكرين الداعين إلى النهوض بالمرأة التي تعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة الفكر الديني قديماً وحديثاً.
وما قدمناه في بحثنا السابق هو مراجعة محدودة لبعض النصوص ذات الصلة بقوانين الأحوال الشخصية السائدة في حين أن هناك العديد العديد من المسائل المتعلقة بموضوع المرأة وعلاقاتها ما زالت بحاجة إلى بحث ودراسة ومراجعة شاملة.

الأحد، مايو 29، 2005

الأصولية الأمنية والتهم الجاهزة
مذكرة دفاع عن حازم نهار

في حقبة الثمانينيات شاع في الأوساط الشعبية السورية مصطلح (إخونجي) وكان يعني في ذلك الوقت التعصب والتطرف أو الانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين وكان مجرد ذكر هذه التهمة يدعو للذعر والرعب لما ساد تلك الفترة من العنف والرهاب المتبادل بين جماعة الإخوان والسلطة. وكانت عامة الناس تخشى بل وتتحاشى أي حديث حول الإخوان ذماً أو مدحاً خشية من كتاب التقارير والتهمة الجاهزة التي تخرب البيت، وكان يكفي أن تحمل في دليل هاتفك رقماً لأحد المحسوبين على جماعة الإخوان لتكون حجة تستند عليها لائحة الاتهام الذي لا تعرف نهاية له أو حجم الأذى والضرر الناجم عنه.

مضى ربع قرن منذ ذلك الوقت وتغيرت الأحوال وأخذنا نسمع من وزراء وسفراء وأمناء لأحزاب في جبهة السلطة الدعوة للحوار مع التيار الديني ومن بينهم الإخوان وأخذ كتاب المعارضة المتواصلين مع ضباط الارتباط يذكرون الإخوان صراحة في مقالاتهم حتى وأنهم يكيلون المديح لهم للتغيير الذي طرأ على أفكارهم ومناهجهم.

كل ذلك أعطى انطباعاً عاماً - قد يكون خطئا –بأن الحكومة السورية باتت جاهزة ثقافياً على الأقل للتحاور مع الإخوان مما شجع أطرافاً أخرى في المعارضة إلى الدعوة للحوار مع الإخوان المسلمين كما جاء في بيان للجان المجتمع المدني.

لكن حساب السرايا لم يلتقي مع حساب الكرايا ففجأة وبدون سابق إنذار تم اعتقال كل أعضاء مجلس إدارة منتدى الأتاسي، المنبر الوحيد الذي يشكل أنموذجاً حضارياً حقيقياً لمظاهر الوحدة الوطنية حيث تجتمع السلطة مع المعارضة مع الأمن تحت سقف واحد والكل يدلي بدلوه بصراحة وجرأة لم يسبق لنا أن عهدناها في بلدنا بهذه الطريقة العلنية وجدير بالذكر هنا أن السيد الرئيس قد أشار في إحدى لقاءاته الصحفية إلى هذا المنبر واعتبره أحد مظاهر حرية الرأي في بلدنا، وكان ذلك بمثابة شهادة حسن سلوك واعتراف بهذا المنتدى وقيمته الديمقراطية.

وجاءت الأخبار لتبين التهمة الموجهة إلى المعتقلين، إنها نفس التهمة الجاهزة المعلبة منذ ربع قرن والتي كانت على الشكل التالي الترويج لأفكار الإخوان المسلمين. وللحقيقة فقط فإن كل التيارات المعارضة في سورية تبنت النهج العلماني الذي لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع الفكر الإخواني المحدث والمطور، وحرصاً من أطياف المعارضة السورية على الوحدة الوطنية والاستماع إلى كافة وجهات النظر أعطى منتدى الأتاسي الفرصة لطرح رؤية الإخوان. وكان ذلك استجابة للإشارات والمطمئنات التي ملأت الجو العام.

وكانت شجاعة ومصداقية أعضاء مجلس إدارة المنتدى وراء تحمل المسؤولية كاملة عن تلاوة بيان الإخوان وعدم تحميل فرد واحد المسؤولية، مما تسبب باعتقال الجميع الذين يعدون من الشخصيات الثقافية المعتدلة والمؤثرة في الفضاء الثقافي والسياسي السوري، وللأمانة نقول إن منتدى الأتاسي أحد أعمدة العمل الوطني صمام أمان يكفل استقرار البلد ويدعم استقلاله وقد يكون هناك من يخالفنا الرأي وليس في ذلك مشكلة المهم أن يكون الجميع مستعد لقبول الرأي لآخر.

الدكتور حازم نهار أحد أعضاء مجلس إدارة المنتدى وهو من الشباب السوريين الفاعلين والمتحمسين للعمل من أجل بلدهم والمستعدين دائماً لبذل الجهد الوقت من أجل الدفاع عن البلد ووحدته الوطنية واستقرار واستقلال الوطن. ويتميز أسلوبه في الكتابة والكلام بالهدوء والمنهجية الأكاديمية التي تجعل الأمانة للحقيقة أساساً واعتباراً للكتابة والعمل.

وهو كطبيب ناجح في عمله – رئيس لمندوبي شركة خاصة ومبرمج كمبيوتر- حظي باحترام وتقدير العاملين معه واكتسب صداقات واسعة داخل وخارج العمل. حازم نهار ككاتب يحظى بتقدير عال بين القراء ومتابعة جيدة من المثقفين السوريين لموضوعيته وحرصه الدائم على تقديم الجديد والإضافة في كل مقالة ينشرها ويكتبها، كل ذلك جعله في دائرة الضوء ومركز الاهتمام. وحازم في أحاديثه الخاصة والعامة لا يلقي الكلام جذافاً ولم يصدر عنه ما يشير إلى التأييد أو الترويج لفكر الإخوان. إلا أن استماع وجهات نظر الجميع ضرورة وطنية وحاجة ثقافية لا بد منها في مجال العمل الثقافي والسياسي السلمي والعلني.

لقد أثبتت التجارب المحلية والعالمية أن الاعتقاد ليس هو الأسلوب الأمثل لتغيير الآراء وإنهاء المعارضة بل على العكس تماماً فإن الضغط لا يولد إلا الانفجار والعديد العديد من الذين أمضوا أكثر من عشرة سنين في المعتقلات ما زالوا ضمن صفوف المعارضة وأكثر استعداداً من أجل التضحية في سبيل ما يرونه خيراً لبلدهم وأهلهم. إن استخدام السوط في مواجهة الكلمة أمر بعيد عن نهج التغيير والإصلاح المنشود والمأمول لذلك نرجو مراجعة أوامر الاعتقال الصادرة بحق مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي والإفراج عنهم جميعاً إلى جانب إطلاق سراح كل معتقلي الرأي في سوريا كبادرة حسن نية ودلال واضحة قبل مؤتمر البعث على الرغبة الصادقة في التغيير والإصلاح.

إنني أدعو كل المراقبين للمعارضة إلى التحدث بالعلن عما يريدون وعما لا يريدون وكما أن المعارضة نهجت أسلوب العلنية والسلم ينبغي على السلطة كذلك السير في أسلوب اللاعنف والعلن والكف عن مواجهة الاعتصامات السلمية بالضرب وشق الملابس. وإلغاء قاعدة مجابهة اللسان بالمقص.

إن سوء النية المبيت والأحكام المسبقة والتقييم المعلب من قبل المراقبين للمعارضة والوضع العام هي أهم الأسباب التي تولد الخوف والذعر غير المبرر الذي يتحرك نحو الاعتقال وكبت حرية الرأي. كان ينبغي على الأجهزة الإعلان صراحة عن عدم نيتها التحاور مع الإخوان بدل التغرير بالناس واتخاذ الذرائع الواهية لمصادرة حرياتهم.

إن الفكرة الرئيسة في الثقافة والسياسة والتي تجعل لهاتين القيمتين بعداً إنسانياً وحضارياً : الاختلاف وقبول الاختلاف .

وللأسف أننا إلى الآن لم نصل إلى الاعتراف بوجود الرأي الآخر والشخص الذي يحمل فكراً غير الذي نؤمن به ونعتقده إما أن يكون خائناً أو جاهلاً. وربما كان غياب الآراء المتعددة والفكر المختلف أحد الأسباب الهامة في غياب الثقافة والسياسة عن مجتمعنا والذي أدى بدوره إلى التخلف والفساد والاستبداد.

إنني بصراحة مطلقة أتعجب وأستغرب من الخوف الشديد من الأفكار والآراء التي تعرض وتتبنى غير الذي تعارفنا عليه. في معظم دول العالم الثالث هناك حرية رأي أكثر من بلدنا وحتى في بعض البلدان العربية لتي فيها انفراد بالسلطة هناك تعددية وصحافة حرة أكثر مما لدينا، ولم يؤثر ذلك على استقرار النظام واستمراره. لماذا هذا الخوف الشديد من كل صاحب رأي أو مفكر، الفساد موجود في كل دول العالم ويتطور ويتحدث لكي يتمكن من الهروب من سلطة القانون ورقابة الشعب عبر مؤسساته المنتخبة وفي الغالبية الساحقة من دول العالم توجد معارضة قوية تساهم وتساعد السلطة والنظام القائم على الاستقرار ومجابهة الأخطار وتضمن التفاف الناس حول وطنهم ومصالح أبنائهم.

لقد علمنا التاريخ المعاصر والقريب جداً من بلدنا أن القبضة الأمنية ومصادرة الرأي واعتقال الفكر لن يؤدي إلى دعم وتقوية واستقرار النظام بل على العكس تماماً. ولست أطرح هذا الكلام دفاعاً عن السلطة أو وقوفاً في وجه التغيير والإصلاح إنما هي محاولة لشرح الضرورة الحيوية لكل الأنظمة والبلدان في كافة أنحاء العالم بوجود المعارضة والرأي الآخر.

إن الأصولية الأمنية التي تربت وترعرعت على التزمت الفكري والانغلاق الثقافي إلى جانب الانتهازية في التعامل مع الواقع هي التي تساهم بإحباط كل نداءات الإصلاح و كتم كل أنفاس الحرية ودعوات الوحدة الوطنية.

إن المصلحة العليا للوطن والمواطنين تقتضي وجود معارضة قوية وفعالة يكون لها القدرة على التأثير والفعل للوقوف في وجه الفساد والاستبداد وضمان التفاف الشعب حول قيمه ومبادئه التي تمنح الوطن قيمة إنسانية عظمى وتعطي الأفراد حق الحرية والعيش بكرامة.

السبت، مايو 28، 2005

فن الحوار والتواصل مع الآخرين
مهارات إدارة النقاش 2 من 2

إن اعتمادنا الحوار والنقاش وسيلة للوصول إلى تحقيق الأهداف الوطنية وتقريب وجهات النظر وتخفيف التوترات وإنهاء الخلافات الحادة سيؤدي إلى تحقيق أصعب الغايات العملية والواقعية. وفي نفس الوقت يجنبنا سلبية الصراعات ويساهم بشكل فعال في بلورة أفكار رئيسة ومفاهيم أساسية يعتمد عليها وينطلق منها التغيير المطلوب نحو الأمثل والأفضل.

في النهاية تبقى هذه الدراسة المعتمدة أساساً على كتاب (احترام الصراع) لغوت، هامان. وجهة نظر ورأي قابل للإضافة أو الحذف أو الخطأ والصواب. وهذا الجزء الثاني والأخير أبدأهُ بالسؤال التالي :

كيف يمكن مواجهة مواقف الضغط والتحكم :
للإجابة على هذا السؤال يلزم تعرف (التوكيد الذاتي) وهو تصرف الفرد في العلاقات مع الآخرين بحيث يعبر عن مشاعره ومواقفه ورغباته وحقوقه بشكل صريح ومباشر وحازم، دون أن يخل بحقوق أو مشاعر الآخرين.

في الواقع أننا نخضع ونستسلم عندما نسمح للآخرين أن يغتصبوا حقوقنا وحجر الأساس في ذلك هو شعورنا بصعوبة قول لا وقلقنا من التقييم السلبي لنا من قبل الآخرين. ويساعد على توكيد الذات قول حازم وواضح يصف ما نريد وما لا نريد فعله بشكل محدد وعلى تبرير مختصر حقيقي للرفض أو التجاوب.

أسباب الغضب أثناء الحوار وكيفية تجنبه :

من الضروري معرفة أنه عندما يجد الغضب المكبوت والمتراكم مخرجاً للتعبير يشكل على الأغلب انفجاراً غير ملائم لطبيعة الموقف الذي سمح بظهوره. مما يفاقم المشكلة ويضيق آفاق التعامل فالغاضب يستعمل عبارة : العالم شرير، لا يمكن اليوم الثقة بأحد، الجميع سيعون لاستغلالي وإيذائي ولا أحد يصغي إلي. ولكن عندما يكون الإنسان منسجماً مع نفسه وعواطفه ويشعر بغضب طبيعي يستخدم العبارة التالية : أشعر بالغضب والريبة تجاه العالم والآخرين. والفرق الكبير بين العبارتين هو الذي سيساهم في إبقاء التواصل ويترك الباب مفتوحاً من أجل المزيد من النقاش.

قبل أن يتراكم فينا الغضب ويتصاعد بحيث يعرقلنا عن متابعة عملنا وحوارنا يفيدنا تعلم واستخدام العبارات التالية : من فضلك لا تقاطعني ودعني يا سيدي أنهي ما أقوله، يضايقني كثيراً أنك تقاطعني اسمح لي أن أنهي ما أريد قوله، ملاحظتك في محلها إلا أنني لم أكمل حديثي بعد، جميل منك إيضاح فكرتي لكني أرجو منك الانتظار حتى أنهي وجهة نظري.

وربما كان من المفيد التوقف لبعض الوقت في لحظات الشحن والتوتر والانسحاب المؤقت ومن ثمة العودة بعد الاستراحة برغبة معلن عنها من كل الأطراف في الاستمرار في الحوار.

الاستعاضة عن التقييمات بالآراء:

المقصود هنا ألا نأخذ تقييمات الآخرين على أنها حقيقة كاملة وموضوعية تنطبق علينا أو على أنها أحكام قاطعة ضدنا أو في حقنا, لأننا عندما نعتبرها كذلك نعطي لتقييمات الناس قيمة أكبر مما ينبغي ونسمح لهم بالتأثير بشدة في مجرى حياتنا وفي النتيجة فإننا سوف نوجه حياتنا طبقاً لتوقعات الآخرين ومتطلباتهم، بدلاً من توجيهها في ضوء حاجاتنا وقيمنا الخاصة، والحل يكون باعتبار التقييمات الموجهة من الآخرين آراء ووجهات نظر قد تمتلك الحقيقة أو بعضاً منها أو تخالفها ويمكن لنا استخدام عبارات لها تأثير إيجابي تجاه ما يطرحه الآخرون كتقييمات لنا : لا أتفق معك في حكمك علي، إن لي رأياً مخالفاً وربما لم تنظر إلى المسألة من كافة جوانبها، في الواقع إني أرى نفسي بشكل مختلف عن طرحك.

لكن هذا لا يعني عدم توجيه الشكر للآخرين أو التعبير عن المشاعر الإيجابية وقبول المجاملة وتبادلها.

ويمكن التعامل مع النقد الموجه إلينا بشكل سلبي بمواجهة الاتهامات بصراحة ومباشرة والاستفسار عن المعلومات الضرورية وطرحها أيضاً. ولا بد أحياناً من الاعتراف بأننا لسنا في الحقيقة كاملين أو معصومين أو أننا نمتلك الصواب بعينه، وفي حال معرفتنا بارتكابنا خطئاً واضحاً لا بد من استباق النقد لأنفسنا وهذا في الواقع خير أسلوب لتفريغ التوتر وإبعاد العدوانية.

كيف نفاوض أو نحاور كي نصل إلى إحراز التعاون :

تعرف المفاوضة على أنها أسلوب مميز في الحوار يهدف إلى الوصول إلى اتفاق في موقف يرتبط فيه طرفان ببعض المصالح التي منها ما هو مشترك ومنها ما هو متعارض. وهذا خلاف لمفهوم العراك الذي يهدف إلى الانتصار على الخصم. وما ينطبق على المفاوضة ينطبق على الحوارات الثقافية والفكرية.

ومن المفيد هنا عرض قواعد إذا ما اتبعت بشكل جيد فإنها عادة توصل إلى التعاون المثمر وتحقيق الفوائد المشتركة.

1- التمييز بين الأشخاص وبين المشكلات أو الأفكار
2- تركيز الاهتمام على المصالح والأفكار الرئيسة وليس على المواقف
3- القيام بصياغة الأسئلة قبل أن تصاغ الإجابات وهذا يحمينا من الوقوع في شرك أفكارنا المسبقة التي قد تمنعنا من فهم الآخر أو التوصل معه إلى مصلحة أو هدف أو فكرة مشتركة.
4- البحث عن الحسنات والإيجابيات والتحدث عنها أثناء التحاور التفاوض وليس التركيز فقط على السلبيات أو نقاط الضعف والفشل.

مراحل الحوار أو المفاوضة الهادفة إلى التعاون :

إن الاتفاق على قواعد للسلوك وتنظيم الحوار والتفاوض يساهم بشكل فعال في الوصول إلى الغايات المطلوبة، والذي يساعد على ذلك وضع قواعد ملزمة يتم الاتفاق عليها وتنفيذها وهذا يمنع من الوقوع في الحوارات العشوائية وإضاعة الوقت ويجنب التوتر والشك وأشكال سوء التفاهم. وهنا نقترح عدداً من القواعد :

1- لماذا اجتمعنا
2- ماذا يمكن أن نفعل
3- ترتيب الموضوعات التي سنتناولها
4- تحديد الوقت اللازم للتفاوض والحوار
5- تحديد أطراف رئيسة يكون لها الأفضلية والأسبقية
6- تحديد منسق أو ضابط للجلسة يتولى إدارة الحوار ويسجل النقاط الرئيسة
7- حفظ وتسجيل الأفكار والمقترحات والخلاصات.
8- تحليل الخلاصات السابقة.

جدير بالذكر قبل كل مفاوضة أو حوار تحديد أسباب اهتمامنا ولماذا نريد الحوار والتفاوض وما هي الفائدة أو الهدف الذي نبغي الوصول إليه. ويجدر التذكير هنا بضرورة العودة إلى القواعد التي ذكرناها في الجزء الأول من الدراسة حيث لا يصح نسيانها أو تجاهلها في كل مفاوضة أو حوار. ومن ذلك :
- تركيز الاهتمام على الفوائد المرجوة وليس المواقف
- الحديث بوضوح عن أهدافنا الشخصية بحيث تكون الفائدة مشتركة ومتفق عليها والانتباه بشكل فعال إلى أهداف ومصالح الآخرين المرجوة من الحوار
- الاستفادة من الخبرات السابقة لكل الأطراف المشاركة.

ختاماً أرجو أن تقدم هذه الدراسة الموجزة – المعتمدة أساساً على كتابا احترام الصراع – فائدة تساعد وتساهم في تحقيق فائدة أكبر لجلسات الحوار والنقاش التي عادة ما تكون بحاجة إلى بعض التنظيم والنصائح حتى تحقق القيمة والأهمية المطلوبة.

الجمعة، مايو 27، 2005

حاول أن تفهمني

أمام دمعة
أمام بسمة
وبعد كل تنهيدة
تسألينْ
في لحظة هيام
وحالة ذهول
تتوجسين
وأنا في حيرة
كيف أتعلم حبكِ
وكيف تأمرينْ
وعلى أي جنب تشهينْ
عن كل شيء تسألينْ
وفي كل الأحوال تشتكين
وأنا تائهُ
يجذبني القلب
يعذبني العقل
ألست بين جنبات الفؤاد تلعبين
وعلى أوتار الحنين والأشواق ترقصين
وملء العين تسكنين
بعد أن ملكت العرش تسألين

* * *
أمام نظرة
أمام كلمة
وبعد كل ثورة
يجتاحني الشك
وتعلو روحي صهوة الظن
تشير بسبابة
وتنهال بأمر
والويل كل الويل
لعاصية
أو كما تظن
أنت السيد وأنت الوحيد
تدرك ما تريد
وفي قرارك لا يهم
ماذا أريد
وتزعم أنك الفكر
وأنك الربان العتيد
أوامرك محصنة
أقوالك منزلة
رغباتك شهواتك
وحتى النزوات مقدسة
والويل كل الويل
لمثقلة
لمتعبة
لراغبة
لسارحة
تمتطي فكرة
أو تشتهي أمراً
صور وأمثلة
في مرآة فكري
أرغبها وأرجوها
أحلام وحالات
ليتك تسأل عنها
أعرف أنك تحبني
وعلى طريقتكَ تريدني

* * *

في منزلة مقصورة عليكَ
ومكانة لا يقربها إلا أنتْ
حيث تنعم الأجساد بلذة الروح
يطيب لي أن ترافقني
إلى ساحات فكري
وأسرار نفسي
إلى حيث لا حدود ولا شروط
وأشتهي
لجسد الحب جناحين
متساويين متعانقين
وأشتهي
لعربة العشق
جوادين جميلين
عليهما
أحملك وتحملني
أعلم أنك تحبني
وعلى ما نريدْ يسعدني
أن تحاورني
وعلى أسرارك تطلعني

الخميس، مايو 26، 2005

فن الحوار و التواصل مع الآخرين(1 من 2)
مهارات إدارة النقاش

حتى تكون لدينا قدرة أكبر على التواصل والحوار وحتى تكون حواراتنا أكثر فاعلية وفائدة أقدم هذه القراءة وهذا العرض لكتاب احترام الصراع وهو مترجم لمؤلفيه (يجي غوت) و (فويتشيخ هامان) والترجمة للدكتور مطاع بركات صادر عن دار الأفاق في دمشق وهو في حدود 235 صفحة من القطع المتوسط .
تهدف هذه المراجعة إلى الاستفادة العملية من الكتاب وتعلم فن المفاوضات وإغناء الحوار وإدارته من أجل الوصول إلى تقريب وجهات النظر والتعرف على الآخر وصقل الأفكار بما يؤدي إلى التفاف حول المفهوم الجوهري لكثير من القضايا الخلافية الشائكة.
إنني أظن أن كثيرا من الاختلافات في وجهات النظر إنما يعود إلى قنا عات أو مفاهيم خاطئة أو ناقصة لبعض القيم الإنسانية. كما يعود إلى طريقة التفكير النمطي الذي يعطي الأفكار والأشخاص والمواقف أحكاما مسبقة تقيم على أساس من الثوابت النظرية والرؤية الشخصية.
احترام الصراع
غـــــــوت . هــــــامان
لماذا ألفنا هذا الكتاب :
تدريب الناس حتى يتجنبوا المزا لق التي تودي بهم إلى صرا عات غير مثمرة وأن يتجنبوا الخضوع والإذعان لتحكم الآخرين بهم
وأن يكتسبوا من القدرات ما يمكنهم من الحوار المثمر ومن بناء علاقة تعاون بناءة مع الآخرين آخذين مفهوم المصلحة خطاً جوهرياً . الفكرة الأولى :
لا تأخذ أياً من التوجيهات دون نقد وتفكر، الفكرة الثانية : في مواقف الخلاف والصراع غالباً ما نخضع لانفعالاتنا وارتكاسانتا وننسى تحقيق مصلحتنا.
نتعارك مع الآخر ونحاول بشتى الطرق إقناعه بوجهة نظرنا، نحاول أن نثبت أننا على حق ونتمسك بأمل خادع مفاده أن النصر اللحظي في موقف الصراع سيضمن لنا النجاح الدائم والواقع ليس كذلك.
إن التفاوض إن وجه نحو التعاون هو خير طريق لتجنب الوقوع في معارك هدامة أو في خضوع أو تهاون.

-الصراع والتحكم بالآخرين :
إذا كنا نواجه الطرف الآخر في موقف الصراع أو الخلاف على أنه عدو فإننا نسعى لتهديمه وإخضاعه وليس إلى حل المشكلة أو إقناعه. في البلدان التي ود فيها مؤسسات متخصصة قادرة على التدخل في مواقف الصراع المتزايدة باستثناء الجهاز الأمني والجهاز القضائي ((الذي تزداد فاعليتهما في بلداننا يوماً بعد يوم)) مما يؤدي إلى تأجيج الصراعات بل وإنتاج واختراع صراعات جديدة وإضافية.

الفكرة الأولى :
إن محاولات التوفيق بين المصالح والحاجات والأفكار المتضاربة يشكل منبعاً أساساً للأفكار المبدعة والحلول المبتكرة، فمواقف الخلاف تفجر مخزوناً هائلاً من الطاقة يمكن لفائدتها أن تكون عظيمة لو وجهت الاتجاه الصحيح.
الفكرة الثانية : إن النقاش الجاد الشجاع للقضايا الصعبة المعلقة بين الأفراد والجماعات هو وحده كفيل ببناء الأمن الحقيقي وتشييد أواصر الثقة. فالخلاف ليس منبعاً بأشكال العراك والحرب بين الناس بل ينب ذلك من أسلوبهم في حل الصراع. إن تجنب النقاش والحوار حول الخلافات الحادة والصغيرة يتسبب في تحول أسلوب التفكير عن الواقعية والمنطق نحو جوٍ مغلق من الخيالات والأوهام التي قد تكون أشد خطراً وضرراً من الوقائع الموضوعية والأفكار والمواقف التي يحملها الآخر.

يحاول الناس السيطرة على الآخرين للأسباب التالية : 1- يريدون تحقيق مصالحهم فقط
2- يخلفون من اللقاء الحقيقي والشخصي للآخرين، خاصة
فيما يتعلق بالتعبير عن القضايا الصعبة والهامة.
3- يتقمصون الدور والموقع الذي يمثلونه بدلاً من تمثل حاجات
ومصالح كل الأطراف.
4- يخضعون لجمود التفكير النمطي الجاهز في حل المواقف المشكلة.
ولا يحاولون ولا يقدرون على إبداع أساليب جديدة وخلاقة.
5- يسعون لحماية وتأمين أشد جوانب شخصياتهم ضعفاً وحساسية.
6- يحاولون تجاوز الصراع أو حله بشكل سطحي دون تعمق في جذوره وحقيقته.

وقد تكون بعض هذه الأسباب أو كلها موجودة فينا أو في الآخرين، لكننا لا نريد كشف القناع عن أنفسنا.

- كيف يتم بناء التواصل والتفاهم :
إن المعاركة والانتصار كثيراً ما يكون هدفاً بحد ذاته لدى البعض ، فإذا كان هدفك التفاهم والتعاون المستمر مع الآخرين فعليك أن تمتلك المهارات والقدرات التي تمكنك من إقامة التواصل الجيد والتقيد بقواعد التفاهم المثمر وعدم إظهار التفوق والقوة على الطرف الآخر. عندما يكون الانطباع الأول سيئاً يقرر طبيعة العلاقة من خلال القلق الذي يتحول إلى موقف دفاعي فيلتزم الآخر الحذر والسكوت أو يصبح المرء هجوميا ومتوتراً أو يتصنع إبراز الثقة الزائدة.

الفكرة الأولى : إذا كنت تشعر أن مصلحتك ي تشجيع محدثك على التعاون المثمر تجنب وإياك أخطاء التفكير النمطي. وكن على وعي بما أتيت به إلى اللقاء. وحدد لنفسك المزايا التي تتمتع بها ونقاط ضعفك في علاقاتك مع الآخرين.
الفكرة الثانية : أزل الحواجز وأعط الآخر فرصة ليتعرف عليك ولا تظهر صورة مصطنعة ولا تتأخر في طرح الأسئلة التي تتقرب بها إلى الآخرين. ومما يساعد هنا إتاحة الفرصة للتواصل الجيد وتجنب سوء التفاهم وتقديم معلومات مباشرة بما يسمح بالتحكم في موضوع النقاش وتوفير إمكانية توجيه الحديث إلى نقاط مختارة.
وليس خطئاً أن ترفض أنت أو الآخر الإجابة على الأسئلة المبائرة بدون أن يشكل ذلك عقبة في التواصل.

- الاستجابة البناءة :
هي التي تدفع المتحاورين للوصول إلى مزيد من نقاط التفاهم واستمرار اللقاء. وتتحقق هذه الاستجابة بالبعد عن الحوار التقييمي للآخر أو النقد الذي يمكن بسهولة ن يحرج محدثه، ولا بأس من الإشارة بطريقة ودية إلى بعض ما يزعجنا ولفت نظر الآخرين إلى الآثار السلبية الناجمة عن تصرفات أنانية أو استفزازية. وهنا تجدر الإشارة إلى بعض مزايا الآخر وتقديره وحتى إظهار الإعجاب بما لديه. لأن التعبير عن المشاعر الإيجابية يحقق تواصلاً متكاملاً.
لقد حان الوقت لنبادر الآخرين بمثل هذه العبارات :
- إنه لمن دواعي سروري أنك تقدر جهودي في التحضير لهذا اللقاء.
- إني أشعر بالامتنان لأنك لبيت دعوتي
- إني أقدر هدوؤك وسعة صدرك.
- لا يسعني إلا الإشادة بالفائدة التي قدمتها
- اعتذر إن أخطأت أو أسأت إليك بدون قصد

وبهذه الطريقة نوقظ المشاعر الإيجابية الحقيقية أثناء التواصل مع الآخرين، وفي المقابل يجدر التجاوز أو البعد عن عبارات مثل :
- إن عمرك لا يعطيك الخبرة والقدرة الكافية
- إنك لا تفهم ولا ترتقي إلى مستوى هذه الأفكار ولا يمكن الاعتماد عليك
- اقتراحك تافه وسخيف وأنت متحيز ومغرض
- إنها امرأة غبية ومغرورة.

إن أكبر مشاكل التواصل هو اعتقادنا امتلاك الحقيقة دون الآخرين أو أننا الأقدر والأعلم لفهم كل ما يدور من حولنا. واستشفاف المستقبل. كل ها لا ينسي التنبيه الواضح إلى بعض النقائص أو الأخطاء أو شرح الاختلاف في وجهات النظر والاحتجاج الهادئ والاعتراض البعيد عن الفظاظة ضروري ويساعد لوقف العدائية رغبة التسلط أو الخروج عن الموضوع لدى الطرف الآخر، ولا بأس من استخدام عبارات مثل :
- إنني لا أوافقك الرأي وأختلف معك تماماً في نقطة محددة
- يبدو أنه لم يتوضح ما أريد شرحه
- ربما أسأت فهمي
- لعلك لم تعطني الوقت الكافي لتوضيح فكرتي

ويفضل عدم التعميم في التخطيء أو التصويب والبعد عن الأحكام الشاملة والتقييمية للأشخاص والأفكار ونبذ الشك وسوء النية بشكل دائم والابتعاد عن الانتقاد الشخصي المباشر أو الإساءات السلوكية الجارحة لأننا بهذه الطريقة نخسر الآخر ونحبطه على نحو غير مرض. ولعله من الأهمية التأكيد على البعد عن الحديث والفوقي والوعظ وتعليم الآخرين ما ينبغي عليهم فهمه لما لذلك الأسلوب من أثر تنفيري يفقد صاحبه المصداقية ويسيء إلى أفكاره حتى لو كانت مفيدة أو صحيحية.

_____________________________________________________
أسس التفاهم المثمر والتواصل الجيد

لا تقيم
لا تعمم
لا تفسر
لا تقدم نصائح جاهزة
عرف عن نفسك
اعرف شريكك في الصراع
قدم للآخر مبررات التواصل

أيها المتحدث! أيها المستمع!
ميز بين المسائل الجوهرية الثانوية لا تعرقل محدثك
تحدث إلى المستمع وليس عنه أعط المتحدث الوقت والانتباه
عبر عن حاجاتك ومشاعرك ومخاوفك تحقق هل فهمت القصد جيداً
____________________________________________________


الإصغاء الفعال

إن القدرة على الاستماع هي الأداة الرئيسة للوصول إلى وتواصل بين الناس وخاصة في مواقف الخلاف والصراع، وهي تلعب دوراً واضحاً في التخفيف من الميول العدوانية في لحظات التوتر والانفعال. إن الإصغاء الفعال يحمينا من الوقوع أسرى أفكارنا المسبقة أو انفعالاتنا المحمومة، ولتحقيق ذلك علينا تعلم ثلث مهارات :

1- التلخيص : هو تكرار ما قاله محدثنا مستعملين في ذلك كلماتنا الخاصة وهو مفتاح الاصغاء الفعال ويبدأ بعبارات مثل :
مما تقول فهم أنك .......
إذا كنت أفهمك جيداً فإنك تعتقد أنك ......
قلي هل فهمتك جيداً .

بهذه الطريقة تركز انتباهك على ما يقول محدثك ويسهل عليك فهمه. ومن الأخطاء الشائعة في الحوار، المناورة ومحاولة إقناع الآخر بسرعة بصحة وجهة نظرنا وهذا يجعلنا نركز انتباهنا على أنفسنا وأفكارنا الخاصة. والتلخيص له دور كبير في توجيه انتباه المتحدث إلى النقاط التي تهم الطرفين.

إن الانتباه والتركيز وتلخيص النقاط والأفكار يمنع المحاور من الشرود ويجعله يركز على الموضوع المتفق عليه للنقاش.

2- عكس المشاعر : إن التواصل البصري والتركيز على لغة الجسد بمعنى التركيز على حركات أيدينا وجسدنا يعطي الآخر الثقة والأمان ويوحي له باهتمامنا بما يطرحه ويساعد بشكل كبير على رفع قدرته في إيصال ما يريد من الأفكار ويقرب وجهات النظر مغيباً مفهوم العدائية في الحوار.

إن تمثل عالم المحدَّث يفيد في قيادة موضوع الحديث حول النقاط الهامة التي نرغب بها وعندما يحس محدِّثنا بأننا قريبون من عالمه الخاص يكون من الأسهل علينا التأثر والتأثير الإيجابي في مجريات ونتائج الحوار.

3- توجيه الحديث : إن إطالة الحديث والإجابات المعقدة والمتشعبة تصرف الآخر عن الانتباه وتشتت تركيزه ويضيع الوقت، وهنا لا بد من التدخل وإعادة التركيز باستخدام مهارة التلخيص وطرح الأسئلة الاستفهامية وطلب العودة إلى موضوع المحادثة الأصلي.

تشجيع المحدث :
يكون بالبدء بالكلام عن خبراتنا أو خبرات الآخرين المفيدة في مجال النقاش، وبإبداء الجزء لمخفي الإنساني في شخصيتنا فيتشجع على أن يحدثك حديثا أعمق وأصرح عن خبراته المشابهة، ويساعد في ذلك تحديد نقاط الحوار بوضوح ودقة والبعد عن العمومية والتوجيه. إن توجيه الأسئلة ضروري من أجل السير نحو نتائج مرضية في الحوار.


---------------------------------------------------------------------------------------
أدوات الاستماع الفعال

1- التلخيص : ويتطلب مهارات :
الانتباه
الفهم
التركيز على الموضوع

2- التمثل : ويتطلب مهارات التلاؤم مع المحدِّث من خلال :
التحكم بالوضعية الجسدية
قوة وإيقاع الحديث
التناسب مع مزاج المحدث

3- توجيه الحديث : ويتضمن :
ترتيب محتوى مبعثر الحديث
تشجيع المتحدث على الكلام
توجيه الأسئلة

---------------------------------------------------------------------------------------

الاثنين، مايو 23، 2005

بين أحضان القمر الراحل

أريد أن أمسك بكَ
أريد أن ألحق بكَ
أرجوكَ ألا تهرب
مضيتَ دون أن تدعني أجرّبُ طعمك الحلو
أنظرُ إلى الأمام ِ
ثم ألتفتُ إلى الوراءِ
في الأفق تبدو صورٌ مبهمةٌ
نحو الخلف
طريقٌ طويلةٌ تملؤها ألسنة هازئة
أرجوكَ انتظرني
سأضاعفُ جهودي
سأهتمُ بكل ما يجعل الأطفال يكبرون
سأقهقهُ مثل المراهقين
و أنظرُ إلى الفتيات مثل أبناء العشرين
سأدخل الخيط في سُمّ الخِياط
و أتدرب على القراءة من بعيد
سأشحذ ذهني بالمناظرات و الحوارات
أصاحبُ الألوان
كل الألوان
سأغسل روحي بالورد و نفسي بعطر الزهور
أرجوك لا تبتعدْ أكثر
***
في تربتي السمراء
ينبت قلبي الأخضر
سأرويه بالعرق
و العقاقير
و أسقيه فكر الطيور
حتى يثمر في الخريف
كما يثمر الشجر تحت الزجاج
سأحارب الحسرة
و أحذف الأسف من بين الكلمات
سأخالط الأطفال
و أتعلم من جديد
***
أرجوك ابقَ
في رأسي شمعةً
بل مصباحاً
ابقَ أملاً و رمزاً
كن أنت السيدَ
رغم صِغركَ
لك أن تأمرَ أو تنهيَ
سأجتنب كل ما يؤذيكَ
و أبتاع آلات تغريك
سأجمّل أهل بيتي
و أخاوي صغار غرفتي
***
لم أعرف طعمك الحلوَ
شغلتني الأهدافُ
و أنهكني البيت
و كادت أن تصفرَّ أوراقي
قبل أن تثمر عناقيدي
أرجوك استيقظ
و لا تنم
حاول معي
علِّي أمسك بعضاً من مزاياك
علِّي أطيل عمر الخضرة في كرْمي
أرجوكَ و أرجوني
و أرجونا
و لك الأمرُ رغماً عنك
و عنِّي

الجمعة، مايو 20، 2005

إحسان طالب_سوريا المستقبل القادم رأي في الديمقراطية و الوطنية

سوريا المستقبل القادم
رأي في مفاهيم الوطنية والديمقراطية


إن التغير المأمول في بلدنا مطلب حاضر ومستقبل قريب والعمل من أجله يتطلب سعيا وصبرا ويتخذ أشكال عديدة لعل من أهمها نشر المعرفة وترسيخ الثقافة السياسية والاجتماعية. وكثيرا ما يتطلع الكتاب السوريون إلى ضرورة التوافق على مفاهيم ومضامين تصلح منطلقات تجتمع حولها المعارضة السورية، وبحثنا هذا مساهمة في هذا المجال.
فالبحث في مفاهيم الوطنية والديمقراطية من أجل الوصول إلى المعرفة ووضع مفهوم سياسي في متناول اليد يساهم بشكل مباشر في إقرار ثقافة المشاركة والتسامح والحرية على قاعدة الوطن للجميع وكل أبناءه مواطنون ذوو حقوق يمارسون السياسة والاقتصاد بحرية وديمقراطية.

إن احتكار السياسة والاقتصاد في المجتمع السوري نذير شؤم وانتهاج أسلوب الانفراد في القرار والاستئثار بثروة الوطن ومقدرات الناس كانت وما زالت السبب الأول للتخلف والضعف والتأزم الداخلي والخارجي والاعتقاد بأن الأوضاع ستتغير بنفس الأساليب السابقة إنما هو وهم هدفه الإبقاء على الاستئثار بالقرار والثروة. وأعمى البصيرة فقط هو الذي لا يرى الأحداث من حولنا ولا توحي له التغييرات الدولية والإقليمية بضرورة التغيير.

إن الوطنية والديمقراطية ليست مجرد شعارات جوفاء تطلق في كل مناسبة ــ كما يظن بعض الوزراء ــ إنها مطالبة ذات أهمية بالغة يرتكز عليها مستقبل بلدنا وأولادنا وأحفادنا، فسورية اليوم ليست كما نحب ونرضى بل ليست مكانا مناسبا للعيش بحرية ورخاء وإذا أردنا لبلدنا الخير والأمن والاستقرار فالحل في البدء بالتغيير السياسي والإصلاح الشامل من منطلقات ديمقراطية ووطنية لا تفرغ هذه المفاهيم من معانيها ولا تعلبها ضمن إضافات أو ارتباطات تلغي فاعليتها. إننا بحاجة ماسة بعد تجريب النظام الشمولي لأكثر من أربعة عقود للخلاص من الأيدلوجيات السياسية التي تستحق أرفع أوسمة الفشل وأعلى التقديرات في مستويات الهدر والتفرقة .

الديمقراطية مفهوم ونظام :
التعريف المتعدد للمصطلحات السياسية تتقاطع وقد تتباين وفي النهاية هناك مفهوم عام جوهري يتبادر إلى الذهن عند ذكر المصطلح وغالبا ما يكون هذا الجوهر محل اتفاق، وليس المهم في هذا المقام الحديث عن منطلقات نظرية أو تنظيرية محدودة بل لا بد من النظر إلى المسألة بإسقاطها على الواقع أي ما يحدث اليوم وما نريد حدوثه غدا .
إن الديمقراطية نظام سياسي مقيد يعتبر مجالات عمل الدولة مرتبط بالحريات الفردية والحريات العامة. وفي هذا النظام تكون السيادة الحقيقية على أنظمة وسلطات الحكم للناس الشعب المتكون من كل المواطنين المنتميين إلى الوطن وبذلك يكون الشعب هو المرجعية النهائية للحكم والنظام بالانتخابات السرية والحرة المراقبة محليا ودوليا يمارسها المواطنون بعد مشاركتهم في مشاريع انتخابية حقيقية يقدمها مرشحون وفقاً لقانون يضمن المساواة والفرص المساوية للمؤهلين للترشيح.
ويرتكز النظام الديمقراطي على مجموعة من المبادئ والقيم والحقوق جوهرها الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة بين أفراد وجماعات وأحزاب الوطن واعتبار الفرد قيمة بحد ذاته وجدت الدولة من أجل الحفاظ على حقوقه المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة كما وتؤكد على مبدأ فصل السلطات كضمانة وحماية للنظام الديمقراطي وحريات وحقوق الأفراد والجماعات التي تكون نسيج الوطن، وقد تختلف أشكال الحكم من بلد إلى آخر ضمن النظام الديمقراطي بما يتيح للدول الحرية في اختيار الأشكال التي تراها ملائمة أو متفقة مع أوضاعها الخاصة، ففي فرنسا وبريطانيا وأمريكا يختلف شكل الحكم إلا أنها تتصف بكونها نظم ديمقراطية تطبق فيها بطرق مختلفة. كذلك في الهند وإندونيسيا وماليزيا هناك ديمقراطيات متلائمة ومتوافقة مع طبيعة تلك البلدان بالرغم من اختلافها في الثقافات والأعراق والأديان حيث تعتبر الهند أقدم ديمقراطية في أسيا في حين تعتبر إندونيسيا وماليزيا دولا إسلامية ديمقراطية.
لم يقف الإسلام الغالب على شعوبها عقبة في وجه تطبيق الديمقراطية. وبذلك تسقط كل حجج الخصوصية والتقاليد والدين التي عادة ما تثيرها أنظمة الحكم في البلاد العربية.
الديمقراطية مفهوم شامل بدون إضافات شعبية , اجتماعية, مركزية, حزبية, وكل إضافة تفرغ المصطلح من أهميته. وهي تعني وجود معارضة قوية لنظام الحكم قادرة على المشاركة في العملية السياسية وتصويب المسار عبر المراقبة والمسائلة وتداول السلطة. وكلما كان النظام السياسي في بلد ما سليما ومعافى ومستقرا كانت لديه معارضة سياسية قادرة وفعالة والعكس صحيح، وأدل شاهد على تفكك النظام وهشاشته أن تكون المعارضة فيه غير قادرة على إدارة مدرسة.
ليست مسؤولية الناس أن يعلموا الحاكم الديمقراطية أو يقدموها له بالتدرج والتسلسل ومحاولة إقناعه بمحاسنها وفوائدها على استقرار الحكم والبلد، بل ينبغي على رأس السلطة إعطاء الناس الحرية وحق ممارسة الديمقراطية وللأفراد والجماعات.
عندما يشترك جميع أبناء الوطن في الاقتصاد والثروة وصنع القرار وبناء الحاضر و المستقبل، عندما يكون من حق المواطن العادي أن يحلم بأن يكون حاكم ويسعى إلى الحكم بطرق قانونية ودستورية، عندما تغيب الحاكمة الأبدية والخلود القيادي تحضر الديمقراطية.

الوطنية مفهوم حقوقي ومدلول سياسي :
أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر كلمة الوطنية حب الأرض وغريزة الدفاع عن الحمى والذود عن العشيرة تجاه الخارج والذود عن حياض القبيلة وهذا المفهوم تطور كثيرا في بلدان العالم، ونشأ مفهوم المواطن في الحضارة الرومانية وتطور كثيرا في مخال الحضارات الحديثة واتخذت مفاهيم جديدة تفرق بين الوطنية كمفهوم حقوقي ومدلول سياسي وبين الوطنية المعادية للخارج ولكن الحال ما زال مختلفا في ثقافتنا العربية حيث ما زال مفهوم الوطنية مرتبطا بالعدائية تجاه الخارج.
وهنا محاولة لتأصيل مفهوم للوطنية مرتبطة بالحداثة أخذاً بعين الاعتبار علاقة الوطنية بالحقوق والقيم والديمقراطية.
قد يكون مفهوم الوطنية من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تعريفات لارتباطه الوثيق بما هو الأفضل للوطن والناس. وبالرغم من التفاوت في تعريفاتها فهناك قواسم مشتركة تجمع كل المفاهيم والشروح على أصل الكلمة التي لا تثير كثيرا من الجدل في مفهومها بقدر ما تثير من خلافات في تطبيقها أو توصف حالات معينة أو فترات زمنية أو أشخاص.
((قد يعتبر البعض أن الوطنية منظومة من الحقوق المدنية والحريات الأساسية وما يتصل بها من التزامات ومسؤوليات تتجلى جميعها في مبدأ المواطنة وهو مبدأ سيادة القانون ومساواة المواطنين. المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وتعبيرها الحقوقي هو الجنسية)) لجان المجتمع المدني
وقد يعتبرها البعض المصلحة العليا للبلاد بما يتفق مع التنمية الشاملة والحفاظ على الموارد والبيئة.
وهنا من أجل التوضيح سأفرق بين : الوطنية والمواطنة
فإذا اعتبرنا المواطنة حق العيش على أرض تنتمي إليها وتحمل هويتها أو تستحق أن تحمل هويتها ضمن عقد اجتماعي بين الأفراد والدولة يتم بموجبه معرفة الفرد لحقوقه وواجبا ته تجاه الدولة ومن ثم حقوق وواجبات الدولة تجاه الفرد، فإن شروط هذا العقد تقضي بضمان حقوق المواطن من قبل الدولة القائمة على أرض الوطن. فالوطنية هي العمل على تحقيق مصلحة الأرض والناس برؤية قابلة للخطأ والصواب ــ أي التغيير والتعديل ــ وعليه تكون المواطنة حق ممارسة الوطنية من قبل المواطنين وبذلك ينتفي الولاء المطلق لرأس السلطة أو للحزب الحاكم لأنه يتعارض مع حقوق المواطنة التي تساوي الحاكم والمحكوم أمام الدستور والقانون ، والولاء المطلق ، عبودية المواطن لقمة السلطة وخضوعهم التام على مدار الساعة ــ من النهار إلى النهار ــ وإذا كانت الوطنية ترتبط بغريزة الحب والدفاع فهي قد تتفاوت من شخص لآخر وقد تتحول إلى مرض العداء للخارج وتأليه أو تقديس الداخل وتكون إشكالية العلاقة بين الداخل والخارج قائمة على التناحر والتنافس وهي تاريخيا كذلك، إلا أن تطور العلاقات الدولية واعتبار الأحداث التي تجري في أية جزيرة صغيرة ومنعزلة قي أقاصي المحيط أحداثا تحت دائرة الضوء يتم التركيز عليها والإطلاع على تفاصيلها من قبل كل العالم غدا من غير الممكن اعتبار الداخل منعزلا عن الخارج أو بمنأى عن التأثر والتأثير المباشر وغير المباشر في المحيط الخارجي والمحيط الدولي.
وضمن مفاهيم العولمة لم يعد الحاكم في أي دولة في العالم يملك الوطن والمواطنين ويحق له ممارسة كل أنواع الاستبداد والفساد من أجل البقاء في السلطة دون مساءلة أو غياب للمراقبة الدولية. وبذلك تأخذ الوطنية مفهما لا تغالي في العداء للخارج بل تقتصر على إقرار خدمة الوطن وأبناءه وأرضه.
وفي ظل مفاهيم الديمقراطية العالمية لم يعد صحيحا بحال من الأحوال استعداء الخارج الذي له مثل الحقوق التي للداخل والعلاقة الديمقراطية بين الدول القائمة على المصالح والتعاون والتبادل المشترك والمساواة أمام القانون الدولي هي التي ستحد من غلواء الوطنية وتهذيبها.
وإذا كانت الوطنية متفاوتة وقابلة للتورم والاستعداء فإن المواطنة لا تعترف إلا بالمساواة بين جميع المواطنين، تسييساً لما سبق لا يجوز أن تحتكر فئة أو حزب أو طبقة الوطنية لنفسها وُتخون الآخرين وهذا خطأ درجت أحزاب سياسية معروفة في تاريخ سورية الحديث على الوقوع فيه.
وكانت تعتبر النظام الحاكم غير وطني كما كان هو يعتبرها خائنة وسبب ذلك غموض الرؤية وضبابية الغايات والأهداف مع الغياب المرعب للديمقراطية داخل الأحزاب وضمن أنظمة الحكم السائدة.
وتتجاوز الوطنية في مدلولها السياسي أفكاراً قديمة وموروثة تحدد علاقة الناس بالحاكم بعلاقة الراعي بالرعية فالراعي هو القائد الفذ الملهم الأول في كل شيْ وهو وحده القادر على الاهتمام بالرعية واختيار ما هو الأفضل والأصلح للرعية وهو يختار لهم أفضل وأعدل الأنظمة وواجب الرعية السمع والطاعة وإن رأت خطأ تنبه له والراعي يفصل في الأمر.

((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))
الوطنية تتجاوز مفهوم الجماهير التي تجمع ببوق وتفرق بأمر. الجماهير المنساقة بحب غريزي نحو القائد الملهم الذي ما يلبث أن يغدو إلهاً وتغدو الجماهير عبيدا. وكل ما يؤثر على صورته أو سلطته يغدو عدواً أو خائنا وبهذا التجاوز لا تغدو الوطنية أيديولوجية سياسية منغلقة ولا تتحول إلى دين.
الأنظمة الشمولية ومفهوم الوطنية :
تلاعبت الأنظمة الشمولية بمفهوم الوطنية و كعادتها سعت لتسخيره وعول بته بما يساهم في تخليد سلطتها وتأييد سيطرتها ولعقود طويلة غاب الوطن وحضر الرمز وتحول الولاء والوفاء والانتماء للقائد الأعلى ومن ثم للحزب القائد فوق كل الاعتبارات وتماهى الوطن مع الرمز وغدت الوطنية ولاءً مطلقاً لرأس السلطة التي غيبت هذا المفهوم وذوبته في الأيدلوجية القومية وألغت مفهوم سورية الوطن واستبدلته بمفهوم الوطن العربي الكبير.
في حرص شديد على إخراج المواطن والشعب من دائرة الاهتمام المركزية وتحويل الثقافة الوطنية نحو المحيط الخارجي استعداءً أو استرضاءً ألحقت الوطنية بالعدائية ورسخت مفاهيم قومية لا ترى الآخرين إلا من الأعلى، وغدا الحديث عن الوطن في معارضة مفهوم الأمة بهدف الانفراد بالسلطة والثروة والنأي بهما عن المراقبة وصرف الأنظار نحو الخارج العربي لتحقيق حلم أو وعد تسعى الأنظمة بكل ما أوتيت من قوة لعدم حصوله بطرق حضارية أو مدنية، وإنما العمل بالقوة والعنف لتحقيقه بهدف الاستيلاء والانفراد بمزيد من السلطة والثروة ( احتلال الكويت من قبل صدام ــ بقاء القوات السورية في لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً ــ السعي الليبي للسيطرة على الدول الأفريقية المجاورة ) ومن أجل الاستغراق في تغييب الوطن وقيم ومبادئ المواطنة، سعت هذه الأنظمة إلى استعداء العالم الخارجي وإيهام الإنسان البسيط بالخطر الداهم لصرف الأنظار عن مستويات الإذلال والإفقار والمهانة التي وصل إليها هذا الإنسان، وتأجيل مشاريع التنمية والحفاظ على البيئة إلى حين القضاء على العدو الخارجي. في الوقت الذي تدرك فيه تماماً عدم قدرتها على مجابهة هذا العدو و تعقد اتفاقيات هدنة للإبقاء على الصراع قائماً نظرياً بما يسمح بقمع كل الحريات و استباحة الإنسان و الوطن بحجة الوقوف صفاً واحداً في مواجهة العدو المفترض الذي يكبر يوماً بعد يوم و كلما ظهر فشل هذه الأنظمة في صراعها مع العدو تعمل على توسيع دائرة عدائها و تضخم العدو و تضيف أعداء جدد يستحيل التغلب عليهم و هكذا يطول أجل الصراع و تحضر الأجيال الناشئة لترث الصراع مع الأعداء القائمين والمحتملين ونقله للأجيال القادمة بعدها في حين ترتع الأنظمة الشمولية الفئوية في خيرات الوطن و تورث الأبناء ثروات جمعت من داخل الوطن وغدت إمبراطوريات رأسمالية في الخارج،وأخيرا لجأت الأنظمة الشمولية إلى نبذ العلمانية وإصباغ الصراع باللون الديني وإعطائه أوصافا عقائدية شرعية وإلحاق الدولة القومية المنشودة بمفاهيم الأمة الشاملة. وهكذا تزداد الشعارات تورما وتتعقد المهمات المستحيلة أصلاً . ويغدو الوطن والمواطن في خبر كان الغائب.
الأنظمة الشمولية ومفهوم الديمقراطية :
لم تكن المسألة الديمقراطية ذات بال في الطروحات الأيديولوجية للأنظمة الشمولية.
ونتيجة لاحتكاك بعض مؤسسي الأحزاب الشمولية بالثقافة الغربية كان لزاما التفاتهم نحو مفاهيم الديمقراطية السائدة، ولما كان الوصول إلى السلطة هدفا بحد ذاته والبقاء فيه غاية نهائية، كان لا بد من إفراغ المشاركة السياسية والتعددية الحزبية وإسهام المواطنين في السياسة من مضامينها والالتفاف عليها واللجوء إلى أساليب تجعل مجرد التفكير في السياسة جريمة فضلاً عن ممارستها، وصارت المشاركة الوحيدة في السياسة هي البحث في صوابية الأنظمة وعظمتها وتحويل هزائمها المرعبة إلى إنجازات معجزة.
وكذرٍ للتراب في العيون تبنت الأنظمة الشمولية شعارات تلحق الديمقراطية بتوصيفات وتحديدات تسلبها الإطار الحقيقي للكلمة وغدت الديمقراطية الشعبية والديمقراطية الحزبية والاجتماعية طريقاً وأسلوباً لوضع العراقيل والحدود أمام المفهوم الأساسي وأنشئت المنظمات والنقابات والهيئات بقرارات سياسية وانتخابات شكلية نتائجها ليست معروفة فقط بل ومكتوبة.
ورسخت الثقافة الشمولية أعجمية الديمقراطية ونسجت على منوال الخصوصية والاختلاف الثقافي والعرقي عن بقية دول العالم لتجنب اللجوء إلى المشاركة الحقيقية للشعب في السلطة والقرار.
وأقحم الدين في مواجهة التغيير الديمقراطي على اعتبار الثقافة الغربية فاسدة ومتحللة من الأخلاق والقيم والمبادئ وكل ما تطرح يتعارض مع تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والعربية الأصلية. ولما زادت المطالبة الخارجية بالديمقراطية تجندت الأقلام لتفنيد مفاسد الغرب وضلاله وغيه والعزف على وتر الثراء الثقافي والحضاري لأمتنا وصد الغزو الثقافي الآتي إلينا من الخارج وأننا سنصنع ديمقراطيتنا الخاصة خطوة، خطوة وقد نصل بعد عقود أو مئات من السنين لكننا نحظى بشرف المحاولة. وتكون النتيجة الإصلاح الجزئي وبطرائق استثنائية وتفضيلية انطلقت أساساً من رؤية فردية أو حزبية ضيقة . وكتأجيل للحل الديمقراطي تلجأ الأنظمة إلى التعددية الشكلية.وتشهر أحزاب تتفق مئة في المئة مع المنهج الفكري والعملي للحزب القائد وتعد تلك الأحزاب الوهمية خط الدفاع المتقدم عن سياسات السلطة الداخلية والخارجية التعددية الشكلية والانتخابات المحددة النتائج والديمقراطية الملحقة بحدود وأوصاف قادرة على العيش جنبا إلى جنب مع الأنظمة الشمولية بل وستساهم في تثبيت أركان السلطة وتوريث الدولة والثروة.
(( في مصر التعددية موجودة والصحافة الحرة موجودة إلى جانب الإنفراد بالسلطة والعمل على توريث الحكم )) ــ برهان غليون موقع الرأي ــ .
إن الأنظمة الشمولية التي تعتبر نفسها وطنية وليست ديمقراطية إنما دمرت الوطن وقضت على المواطن ورسخت ثقافة الاستبداد وائتلاف الظلم وأوجدت تيارات تعتبر الديمقراطية وهماً وشعاراً أجوف وجد لإبعاد اهتمامنا عن قضايانا الكبرى وأعدائنا الحقيقيين . وإن الظلم والفساد والاستبداد لا يتعارض مع الوطنية طالما توجه الاستبداد بالشعار للحرب على الخارج وحتى ولو لم يفعل يكفيه فضيلة موقفه الثابت وشعاراته الراسخة.
مفهوم الوطنية في الفكر الديني :
جاء المفهوم الديني من أجل السمو بالروابط بين البشر والارتقاء بها إلى المستوى الإيماني والروحي ، فالدين لا يعترف بوجود حدود جغرافية ( أضحى الإسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا ) ــ محمد إقبال ــ
تعتبر الوطنية في الفكر الديني ارتباطا بالأرض يشبه إلى حد كبير ارتباط الحيوانات بالحظائر.
( إن لبنان أرض إسلامية فتحها أجدادنا الصحابة الكرام عليهم الرضوان فنحن قاطنون في أرض لبنان الذي هو قطعة من بلاد الشام والشام بدورها جزء من دولة الخلافة إن شاء الله ) ــ أمين مكناس عضو المكتب الإعلامي لحزب تحرير لبنان ، السفير 11/5/2005
فالكون يجب أن يكون وطنا واحدا يحكم بأمر الله وشريعة الله والأوطان لا وجود لها صغيرة كانت أم كبيرة. هذه هي المنطلقات الأصولية ، لكن الواقع التاريخي للدولة الدينية منذ فجر الإسلام إلى الآن يظهر فشل تلك النظرية بالإضافة إلى كونها نظرية ميتافيزيقية غير قابلة للتطبيق. فالدولة الإسلامية منذ عهد النبوة كانت قبلية (( الأئمة من قريش )) وأبو بكر أبى أن يولي الأنصار ورفض تحكمهم في دولة الإسلام في المدينة المنورة التي هي مدينتهم أصلاً ، وعمر بن الخطاب كان قوميا بامتياز والنفس العروبي كان ملازما لفكره وأعماله ولا يخفى على أحد المآخذ التي أثارتها معارضة أهل البيت على عثمان الذي أقطع البلاد والثروات لرحمه وأهل بيته وعندما اعترضوا عليه قال : ( وهل أآخذ إذا وصلت رحمي ) ثم جاءت الدولة الأموية استمرارا لتحكم الأسرة والقبيلة وأورثت الدولة لبني مروان تؤكد القبلية التي قامت عليها الدولة. في حين كانت الدولة العباسية انتماءً لأبي العباس مؤسسها الذي اشتهر بفتكه الشديد لبقايا الأمويين وحتى حلفائه الذين قد يشكلوا خطراً على سلطته من المعارضين السابقين.
وتعددت الارتباطات القومية والقبلية التي تلت انهيار الدولة العباسية فكان البويهييون والإباضيون والبرامكة والقرامطة والفاطميون والمماليك والأيوبيون والسلاجقة إلى أن جاءت الدولة العثمانية التركية القومية الجذور والتي عرف تاريخها عنصرية واضحة ضد العرب والأرمن وسواهم، وفي عصرنا الحالي الدولة الفارسية الإسلامية في إيران ( أشار الصحافي الفرنسي إيريك ردلو في مقابلة مع قناة الجزيرة إلى أسبقية القومية ولاحقة الدين في فكر الخميني كونه على صلة وثيقة به خلال إقامته في باريس ) ، والدولة العربية السعودية القبلية في الجزيرة المنسوبة أصلاً إلى مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بمرسوم ملكي أصدر في 13/9/1932 .
وفي استعراض دقيق للنصوص الشرعية نجدها تخلو تماما من إشارة إلى قيمة الوطن أو الأرض أو الانتماء للدولة بدون ارتباطات دينية، ولا يوجد دلالة على عقد اجتماعي بين الفرد والحاكم ، ولم تعرف السياسة ونظمها في الإسلام إلا البيعة والطاعة وعلاقة الراعي بالرعية ولم يكن هناك مجلس أو مجالس تتولى مصالح الناس بل الشرطة والقضاء وعلماء الدين هم المسئولون عن النظر في مصالح البلاد والعباد وتقديم النصح والمشورة على الحاكم. والشورى على الرأي الفقهي الراجح والإشارة الوحيدة إلى التعلق بالأرض غير ملزمة للأمير أو ولي الأمر.
والإشارة الوحيدة إلى التعلق بالأرض جاءت بعد هجرة الرسول إلى المدينة حيث أصاب المرض بعض المهاجرين وقال النبي : ( إنه هوى مكة ) . وحب النبي لمدينته الأم كان دائما مبررا لوجود البيت الحرام والكعبة.
أما مقولة حب الوطن من الإيمان فهي محدثة ولا أصل لها لا في القرآن ولا في الحديث ولا في المأثور عن الأئمة والصحابة والتابعين، إذن فمسألة الوطنية طارئة في الفكر الديني.
( إن النظام السياسي الإسلامي ابتدأ كنظام قبلي لعدم وجود مفهوم المواطنة وحتى الآن فإن الإسلام السياسي يلح على لفظ الأمة متصوراً أن المسلمين جماعة أو قبيلة واحدة ) محمد سعيد عشماوي .
وفي رؤية الإخوان الأخيرة جاءت الإشارة إلى دولة المواطنة التي يتساوى فيها ( جميع المواطنين أمام القانون ويتمتعون بالحقوق السياسية التي يكفلها الدستور وتنظمها القوانين ) واعتبرت العلاقة بين الحاكم والمحكوم تعاقدية منبثقة عن إرادة حرة ) رؤية الجماعة ص 37 .
والواقع أن هذا الموقف الإيجابي ما زال قيد بحث وجدل شديد بين أقطاب التيار الديني ومفكريه كونه لا يستند إلى آية مرجعية نصية أو حتى فتاوى فقهية سابقة. وبذلك تكون هذه الرؤية اجتهادية فوق النص تتعارض مع ما أقرته الجماعة في مرتكزاتها باعتبار المرجعية الدينية أساساً للدولة الحديثة في حين أن حزب التحرير الإسلامي ما زال يصر على مبادئ البيعة والشورى والإمارة والإمامة التي لا تتضمن حقوق المواطنة الحديثة المتعارضة مع النصوص الشرعية.
الوطني والديمقراطي من مفهوم قومي :
في الثقافات العالمية لا يوجد تفريق بين الوطنية والقومية وغالباً ما تتداخل المصطلحان ويصبحا كلمتان لمعنى واحد.
سعت الأنظمة الشمولية في أوربا الشرقية إلى تذويب القوميات في المفهوم الوطني ، وحاول تيتو في دولته المتعددة القوميات والأديان (( يوغسلافيا )) طحن القومي والديني في المنطق الوطني لكنه لم يفلح وتفتت دولته ونشأ عنها دويلات على أساس الأعراق والأديان، كذلك الحال في تشيكوسلوفاكيا السابقة التي انفصلت إلى دولتين على أساس عرقي، وكذلك هو الحال في الاتحاد السوفييتي السابق حيث سعت الدولة المركزية لطمس القوميات والأديان وصهرها في بوتقة الوطن لكنها بعد سبعين عاماً من النضال والفكر الأيديولوجي لم تفلح ونشأت العديد من الدول كان الغالب عليها الطابع القومي وأحيانا الديني.
في حين أن الأنظمة الشمولية العربية عكست الآية وأرادت تذويب الوطن والأعراق والأديان في بوتقة القومية وجهدت طيلة أربعة عقود لطمس الهويات الوطنية والقوميات المختلفة التي يتألف منها النسج الوطني وكانت النتيجة الفشل الذر يع في لبنان كما في محاولة تعريب الأكراد السوريين والأكراد العراقيين وتفريس عرب الأهواز الإيرانيين في حالة مشابهه.
الديمقراطية عند القوميين ديمقراطية مركزية فمؤتمرات الحزب تنتخب بشفافية وحرية الأجدر والأقدر من كوادر الحزب قائد الجماهير ليكون قائد الوطن.
وهناك ديمقراطية درجة ثانية هي الشعبية وتتم ممارستها ضمن منظمات ونقابات واتحادات موالية ولاءً أعمى للحزب القائد يتم قادة لهذه الهيئات عن طريق الانتخابات الصورية.
وأخيرا تبنت الأحزاب الشمولية مقولة الديمقراطية الاجتماعية في سعي لإبعادها عن المفاهيم السياسية والحقوقية .
في البلاد العربية إبان الحكم التركي كان مفهوم الوطنية متجليا في الانتماء القومي حيث كان أعلام النهضة العربية يرون مصلحة البلاد والعباد في الانعتاق من نير الأتراك وعندما أعياهم الإصلاح لجأوا إلى الاستعانة بكل ما يحقق غايتهم وتسبب ذلك باعتبارهم خونة وتم إعدامهم في 6 أيار عام 1916 في بيروت ودمشق، وفي المقابل اعتبر بعض رواد النهضة العربية أن السعي للإصلاح إنما يكون من خلال تغير الاستبداد الداخلي وبقاء الارتباط الديني مع العثمانيين وكان على رأس هذا التيار جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي الذي لم يسلم من الاستبداد وتم اغتياله من قبل الأتراك عام 1902، والإشارة هنا إلى رواد النهضة العربية ليس من قبيل السرد التاريخي إنما هي حالة استشرى فيها الاستبداد والفساد وسعى أعلام التيار التنويري العربي للتخلص منه بأساليب مختلفة وربما كانت متعارضة ولكن الغاية كانت واحدة والنتائج جاءت مخالفة لتوجهات الجميع حيث احتلت البلاد العربية من قبل أوربا التي تم طلب مساعدتها وفي نفس الوقت لم تفسح سلطة الاستبداد مجالا للتغيير أو الإصلاح.
وبالرغم من التغير الجذري الحاصل في النظام العالمي الجديد والعلاقات الدولية بما يفرض شروط موضوعية مغايرة للحالات التاريخية إلا أن الالتفات نحو تلك الحالة يساهم في توضيح الرؤية.
العلاقة بين الديمقراطية والوطنية :
أية دراسة نظرية سطحية لا تظهر علاقة بين المصطلحين وخاصة عندما ترتبط المفاهيم الوطنية بغريزة الحب والدفاع ، وربما كانت الأسبقية التاريخية لتطبيقات الديمقراطية ووجودها في أنظمة الحكم اليونانية القديمة حيث عرفت أثينا الحكم الجمهوري الديمقراطي وساد إسبارطة نظام ملكي تخللته مظاهر ديمقراطية ، في حين ظهر مفهوم المواطن في الحقوق الرومانية إبان العهد الجمهوري الروماني الذي عرف التشريع المدون والمقونن ، ووجد الالتباس والغموض استنادا إلى حداثة مفاهيم الوطنية وتاريخية ظهورها القريبة من عالمنا الفكري السياسي المعاصر.
بيد أن التأسيس على دراستنا يظهر ارتباطا هاما وحيويا بين المفاهيم ويؤكد على ضرورة وجود قاسم مشترك بين الوطنية والديمقراطية. فكلا المفهومين يشتمل على حقوق مدنية وسياسية يضمنها العقد الاجتماعي بين الدولة والفرد.
فإذا كان الحفاظ على بيئة الوطن وثرواته البشرية والمادية وتحقيق التنمية المستدامة من أجل رفع مستويات الحياة المدنية والحضارية من أولى مهمات الدولة الوطنية فإن الراعي لهذه العملية والمشرف على استمرارها وتحقيقها هو النظام الديمقراطي.
إن الرغبة أو النية الصادقة المنطلقة من وطنية غريزية لدى بعض القادة الأعلام في تاريخ العرب الحديث أجهضت مصلحة الوطن وتسببت في كوارث وهزائم ما زالت أثارها قائمة إلى اليوم وذلك بسبب غياب الديمقراطية عن نظمها الدكتاتورية، واستفرادها في القرار والمصير.
إن الذي يحمي الوطن من الرؤية الفردية والأيديولوجية بمفهومها الانغلاقي أو التوهمي هو إشاعة ثقافة الديمقراطية بين أفراد الشعب وتربية الأجيال وفقا لمفاهيمها الحديثة.
والسبب في الاعتقاد بوجود الوطنية بمفهومها الحديث بدون ديمقراطية غياب الثقافة التعددية وسيطرة وهم الدولة الأمة أو الأمة الدولة التي تعد من أولياتها تذوب الفرد في المجموع وذلك خلافا لمنظومة الديمقراطية القائمة على احترام الفرد وحقوقه وحرياته.
فيما تعود أسباب غياب الديمقراطيات الوطنية أو عدم استمرارها في حالة وجودها ( في سوريا ما بعد الاستقلال وحتى عام 1958 باستثناء فترة الانقلابات وديكتاتورية الشيشكلي مثلا )
إلى : 1 ـــ تأخر ظهور النظم الديمقراطية في البلاد العربية تاريخيا
2 ـــ غياب الثقافة الديمقراطية في الهيئات التعليمية والمنتديات الاجتماعية وغموضها في فكر ونتاج المثقفين العرب
3 ـــ المرجعية الدينية للتشريعات المدنية والسياسية
4 ـــ التيارات القومية التي أعمت العيون عن الديمقراطية لإماتة الشعور بالوطن واستبداله بالقطر المفروض تذويبه في الوطن الكبير وفي بوتقة الأمة
إن عدم ربط الديمقراطية بالوطنية يفرغها من مفهومها الفعال والايجابي ويحصرها في غريزة حب الداخل وعداء الخارج ، مما يبرر وجود الحاكم الوطني الذي يحارب الديمقراطية ويسعى لتوريث الحكم لأحد أفراد أسرته بدون إشراك الشعب أو وفق تمثيليات انتخابية صورية وتعديلات دستورية فورية.
والانفراد بالوطنية بمفاهيمها الطبيعية ينشئ أجيالا تفضل نظام الاستبداد والفساد وتحارب لبقائه بل وتدفع حياتها ثمنا لاستمراره بحجة تفضيل الداخل على الخارج وهذا ما يبرر دوافع بعض الانتحاريين في العراق وما يخلفونه من دمار وإزهاق لأرواح أبناء وطنهم واستنزاف خيرات بلادهم بسبب مفاهيم خاطئة ومغلوطة عن الوطنية وغياب مفزع للثقافة الديمقراطية.

أخيرا لا بد من الإشارة إلى محورين هامين استكمالا لهذه الدراسة وهما :
1 ــ الديمقراطية والعلمانية
2 ــ الديمقراطية في الفكر الديني ، وتطبيقاتها في بعض الدول الإسلامية
وسيتم نشرهما لاحقا .


الأربعاء، مايو 11، 2005

إحسان طالب_من بيروت إلى بغداد خكومة الأمل و البشائر

من بيروت إلى بغداد
حكومة الأمل والبشائر

هل هي مصادفة أم ترابط مقصود أن تأتي حكومة الجعفري الوطنية مع حكومة ميقاتي الاستثنائية في زمن متقارب لا تفصل بينهما إلا أيام قليلة. كلتا الحكومتين جاءتا بعد ولادة قيصرية استبدل دم النفاس فيها بدم الشهداء الأبرار من أبناء البلدين.
هل هي رياح المستقبل المعطر بنسائم الاستقلال والحرية أم أنها إرادة شعبين متمسكين بالأمل ومتشبثين بحق الحياة كواحد من أهم الحقوق الإنسانية على الإطلاق. إنها الإرادة والعمل مع رياح الربيع المعدية التي تنقل غبار الحرية من أرض إلى أخرى ومن ثمة إلى الأراضي المجاورة.
منذ ثلاثة أشهر ونحن بانتظار ولادة الحكومة العراقية العتيدة، وكل يوم نتقصى الأخبار ونتداول الآراء ونحلل الأسباب، وكانت قناعتي راسخة بالنهاية السعيدة . فالشعب العراقي الذي ذهب إلى الانتخابات تحت التهديد والوعيد وضع مصلحة الوطن العليا فوق كل امتياز واعتبر الشهادة الحقيقية وقوف شجاع وحر للإنسان من أجل بناء مستقبل بلده وأولاده وحماية ارثه الحضاري .
حدثني شيخ عراقي كان متحمسا بشدة للمشاركة بالانتخابات ، وكان يسكن في منزل مقابل لمركز انتخابي في حي ركن الدين في دمشق ـــ حدثني قائلا : لقد أمضيت سنواتي السبعين السابقة شاهدا على العراق المعاصر وشاركت في السياسة وأنا شاب و هربت من الطغيان وأنا شيخ. هل تعرف لماذا هربت .. لقد هربت من أجل هذا اليوم ، كنت أدعو ربي كل صباح ليمنحني الفرصة لبناء عراق كما أحبه وأتخيله، هل تدرك كم أحب أحفادي وهل تعلم ما أنا مستعد بالتضحية به من أجل مستقبلهم.
كان أبو قيس يقف في الشرفة المطلة على الطريق العام ينتظر افتتاح المركز وبقي طول الليل ساهر تماما مثلما فعل وهو بانتظار ولادة ابنه البكر قيس. ولم ينتظر طويلا حتى نزل وجلس نحو باب المركز ثلاث ساعات حتى سمح له بالمشاركة وخرج مبتهجا ومسرورا بعد أن مارس حق الانتخاب وكأنه ترك ثلاثين سنة من عمره في ذلك الصندوق وجدد شباب عمره ( العراق حنا أهله ما ينخاف عليه ) كانت آخر كلماته ، وآب إلى منزله ليرتاح قليلا ثم يعود ليراقب الداخلين والخارجين وكأنه في زفة عرس يعد المهنئين والمدعوين.
إن ا لنموذج الديمقراطي العراقي يحتذى ومثال فريد من نوعه لم يسبق أن عرف العالم شعبا ضحى مثل العراقيين ليشيع الديمقراطية في بلده .
جاءت حكومة الجعفري ( رغم النواقص ) محاولة جادة وحقيقية لمشاركة كل العراقيين على كافة تشعيباتهم في وضع الأساس الصلب والراسخ للديمقراطية بمفاهيمها المقترنة بالحداثة
قطار المستقبل والمتخلفين :
ليس مستغربا أن يعارض بعض أطياف النسيج العراقي الفريد حكومة الأمل فالقاعدة التي بنيت عليها هي الاعتراف بوجود الآخرين ، وإنها لظاهرة صحية وطبيعية ــ وجود معارضة ــ وكلما كانت العملية السياسية قائمة على أسس ديمقراطية كلما كانت المعارضة الوطنية في البلاد ظاهرة وقوية .
ونحن نتفهم مواقف البعض من باب الحرص على الوطن ، كما نستوعب الآخرين المخالفين بالرأي ولكن ينبغي أن يدرك الجميع بوضوح : لا عودة إلى الوراء ولا سبيل لعكس اتجاه دوران الزمن . أهل هذا الزمان هم أهل الحرية والمساواة والعدالة ولا يحق لأحد أيا كانت صفته العشائرية أو الدينية أو المذهبية أن يفوت على أبناء العراق تنفس عبق الإنسانية والكرامة الذي حرموا منه طيلة عقود من الدهر. إن المصالحة الأهلية لا تعني بحال من الأحوال السكوت عن العابثين بأمن البلد وأرواح أهله ، وكل قطرة دم تزهق بعمل إرهابي لا تبررها دوافع الجهل والتضليل ولا بد من الوقوف بحزم في وجه دعاة الإرهاب خاصة الدعاوى المستترة خلف شعارات ما أدت بالعرب عموما إلا إلى التخلف والهزيمة والطغيان.
ليس أمام الواقفين على الرصيف محاولين تغيير سكة المستقبل إلا مراجعة النفس ومراقبة قادمات الأيام لأن التاريخ لن يرحم أولئك الذين ما زالوا يستهينون بالدم العراقي ويوهمون الناس بالجنان وحور العين . وهم في الحقيقة لا يبحثون إلا عن مصالح ومكاسب شخصية ولا يودون بحال من الأحوال رد الحقوق المسلوبة لغالبية الشعب في العصر البائد .
لم تعرف أوروبا الحديثة الديمقراطية المقترنة بالحداثة كما تعهدها الآن إلا بعد حربين عالميتين ومعارك أهلية طالت كثيرا من البلدان الأوربية . فالحرية والعدالة والمساواة لها ثمن باهظ تدفعه الشعوب ومن ظن التحول الديمقراطي يتحقق بدون ثمن فهو واهم .
وفي تقديرنا أن الأرواح الطاهرة الذكية والدماء العطرة النبيلة التي تزهق على تربة العراق الطيبة هي الماء الطاهر الذي ينبت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
الشهادة الحق لا تأتي بالانتحار وقتل النفس التي حرم الله بل تأتي في حماية الوطن وأبنائه ( من مات دون أرضه فهو شهيد ) في حماية الحاضر والمستقبل ، ولم ولن تكن الشهادة في يوم من الأيام من أفعال الشيطان الذي يفرح بقتل الأخ لأخيه والابن لأبيه ، وتدمير ثروة الأجيال القادمة .
إن التمسك بعراق الغد ومستقبل أبناءنا وأحفادنا مهما كان الثمن هو عين الحق وفعل الصواب وسوف يأتي اليوم الذي ينعم فيه أبناء الرافدين بالأماني والاستقرار على أساس من العدالة والمساواة وإن غدا لناظره قريب.
تعد أولى مهام حكومة الجعفري تحقيق الأمن والاستقرار وهي مهمة صعبة وشاقة، لكنها ليست مستحيلة ، خاصة إذا اعتبر كل عراقي نفسه مسئولا عن أمن بلده وأرواح أشقائه وتعاون مع السلطات الأمنية بالوقوف في وجه الإرهاب وقطع الطريق عليه بالعين الساهرة والدعوة إلى السلام والأمان وتوعية الشباب المضلل ونشر ثقافة السلم الأهلي والتسامح والقيم الإنسانية الرفيعة .

إحسان طالب_حالة عشق

حالة عشق

خذيني إليك و ضميني
بين أحضان الورد
و اسقيني
يا من أعطيت الزهر عطرا ً
وأبهجت قلبي
إليك خذيني
وائسريني
فقيد حبك
أرحب من فضاء الياسمين
مدي يديك
واحضنيني
أتنفس أريج صدرك
وأغمر روحي
في بيداء ساحرةٍ
أنت الحياة وأنت الماء
زاخرة
خذيني إلى شفتيك
كاد الظمأ يرديني
أحييني
وعلى جنبات الأرجوان
ارميني
خذيني إلى عينيك
واحجبيني
أوشك النور يعميني
فاضت نفحات حبك
فأغرقيني
مدي جدائل شعرك
واسحبيني
إلى زنديك أوصليني
* * *
يا رمز الحب
يا زاد العاشقين
يا جنة تنسي
حور العين
وبحراً يغرق
كل السابحين
وسماءً
ترنو إليها
أفئدة الداعين
أنا رافع اليد بالدعاء
وجاهر الصوت بالنداء
أنا الغريق فوق السحاب
يحملني الحب
ويمطرني
يا أرضاً لا تأبه بالماء
وتربة تقسو
بقطر البكاء
لا تبخلي علي بقربك
* * *
أنت الحياة
وبعدك
عني يقتلني
. . . .
ادنُ مني
فعطر أنفاسكَ يحييني
والمرج الأسود المنثور
فوق صدركَ يغمرني
في حالة اللاوعي
وصحوة الجسد
تلتف حولي
كناسكٍ فقد الوجود
وذاب في روح العذوبة










إحسان طالب_وحيدة أنا

وحيدة أنا

في واد ٍ مسحور
يغشاه حشد مذهول
وقفتُ أتأمل
أبحثُ عن شخص مجهول
يمتلك الجرأة
يمتلك الفضول
لا يخشى الحُبّ
و يهوى القرب
على مرأىً من الجميع
يحاورني
و في منتصف الطريق
يصارحني
بالغرام و حلو الكلام
يأسرني
قبل البدء و لحظة القرب
ينفك السحر
و يعود الواقع
يقهرني
***
وحيدة أنا..
بين الآلاف
و حائرة وسط الابتسامات
هادئة سمات الوجه
و كاذبة كلمات الأمان
صرخات مدوية
في أعماق قلبي
تنادي واحداً..
يملأ أركان الفؤاد
يحضن رأسي
فتغفو روحي
على صدره الرحب
فارسا ً
ينعش ذكرى أنوثتي
و يعيد إلى شفتي
رغبات كاد الزمان
يحرقها
ساحرا ً
يبعث الروح
في أشلاء جوانحي
يوقف نزيف حاجات
أوشكت أيام عمري
تنهيها..
رجلا ً
يسقي بماء
أرض خصوبتي
يُنبت دفئا ً فوق وسادتي
يُعيد الحياة
إلى أركان سرير
نسي الزمان عنده امرأة
لا تعرق الدفء
تداعب السهاد
نائمة ً.. حالمة ً
ترجو عطف بارئها
تسأل عن حلم لا يغيب
***

إحسان طالب_الأكراد السوريون وطنيون يدعون إلى الديمقراطية

الأكراد السوريون وطنيون يدعون إلى الديمقراطية

استطاع التيار السياسي الكردي في سورية أن يجعل القضية الكردية هما وطنيا تتبناه أطياف سياسية مختلفة على أساس أن الحقوق المسلوبة للأكراد، حقوق وطنية عادلة مما أعطى المسألة عمقا فكريا نظريا وانتشارا إعلاميا واسعا، ومع نضوج التجربة الديمقراطية في العراق ووصول جلال طالباني إلى رأس السلطة هناك والتركيز من قبل الأكراد على همومهم الداخلية واندماجهم في العملية السياسية الديمقراطية ، وخشيتهم من إثارة خلافات حادة مع الجوار ـــ سورية وتركيا وإيران ـــ و هم بأمس الحاجة لتعاون تلك الدول ومساندتها وخاصة في المسائل الأمنية كل ذلك همش اهتمام أكراد العراق بالدولة القومية ، خصوصا وأن الإنجازات التي حققوها تعد فريدة ومميزة زادت من ارتباطهم بدولتهم الوطنية ودورهم الفعال فيها.
هذه التطورات الإقليمية إلى جانب التقارب السوري التركي بعد زيارة الدعم والمساندة التي قام بها مؤخرا الرئيس التركي إلى دمشق. والضغوط الأوربية على حكومة أنقرة من أجل إعطاء المزيد من الحريات والخصوصية للأقليات. كل ذلك دفع الأكراد السوريين إلى الالتفاف أكثر نحو وطنهم والاشتغال بالهم الداخلي بصورة رئيسة.
وبالرغم من أن الأحزاب الكردية في سورية ما زالت لم تحسم أمرها تجاه العديد من العناوين الرئيسة لنضالاتها التاريخية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الدول المجاورة والطموحات القومية القديمة. فإن التوجهات الوطنية والانخراط مع بقية الأحزاب السورية المعارضة في المطالبة بالتغيير الديمقراطي أصبحت واقعا ملموسا في الخطاب الكردي السوري.
وفي قراءتنا لمشروع البرنامج السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي سنتوقف عند ثلاث محاور :
· ملاحظات أولية
· ما خلا منه البرنامج
· مقترحات
ملاحظات أولية:
مشروع هادئ غير انفعالي وطني يظهر رؤية عصرية متطورة تأخذ بعين الاعتبار مفاهيم العولمة وآثارها على مجمل القضايا المحلية والدولية ومنها قضية الشعب الكردي آخذة بعين الاعتبار المتغيرات الإقليمية والأممية.
احتوى المشروع على مجمل المطالب الوطنية السورية وبذلك يلتقي الحزب مع أطياف المعارضة المنادية بالتغيير الديمقراطي. كما يؤكد المطالب الشعبية الكردية كاملة تقريبا.
يظهر البيان رغبة حقيقية وملحة لدى الحزب في التعاون والتعامل مع التجمعات المدنية السورية والأحزاب غير الكردية من أجل التضامن والعمل سوية لتحقيق سورية المستقبل كما يرغب أبناؤها. كما أبدى المشروع نظرة قومية إنسانية تثق بالذات وتعترف بالآخر متجاوزا ما عرف سابقا لدى الأحزاب القومية عموما من تشنج وعدائية للآخر ، لذلك أظهر البيان انفتاحا ايجابيا قائما على الحوار وتبادل الخبرات مع الأحزاب الكردية الأخرى وغيرها تاركا الباب مفتوحا للرأي الآخر بما يتيح بلورة ونضوج فكر سياسي وتحرك استراتيجي مشترك يوصل إلى الغاية المطلوبة . وبذلك يعد المشروع خطوة متقدمة نحو حوار وطني يستقطب كافة الأطراف الراغبة في المساهمة باللعبة السياسية السورية.
ما خلا منه البرنامج :
لم يتطرق المشروع إلى المسار الاقتصادي ومسألة التنمية .
ترتبط الديمقراطية بشكل مباشر بالتنمية ويولي كثير من المفكرين مسألة التنمية الشاملة اهتماما خاصا للحفاظ على الديمقراطية وتهيئة الظروف المناسبة لها. فالشعب الذي يمارس الديمقراطية سيساهم بشكل فعال في التنمية لوجود الرقابة والتخصص. وبالتالي عندما تتوفر التنمية تتاح فرصة أكبر لنجاح التجربة الديمقراطية. والناس عندما يطالبون بالديمقراطية يرغبون في حياة أفضل. والتنمية الشاملة للموارد الاقتصادية والبشرية تفرز مستويات معيشة تتقارب بالتدريج مع الشعوب المتقدمة التي ترتبط فيها الديمقراطية مباشرة بالنمو الاقتصادي .
خلا البيان من موقف محدد تجاه مسألة حق تقرير المصير الذي تطرحه الأحزاب الكردية الأخرى : هل هوــ إدارة محلية كباقي المناطق السورية وهو الحل الأمثل في نظرنا
ــ حكم ذاتي أو أي موقف آخر قد تكون له عواقب غير مدروسة
ــ الربط أو الانفكاك في حق تقرير المصير مع الأكراد غير السوريين
والذي نراه اعتبار الشعب الكردي في سورية جزءا لا يتجزأ من اللحمة الوطنية لبلدنا الذي يشمل العديد من الاختلافات الثقافية التي أثرت الحضارة السورية على مر العصور .
خلا المشروع من الإشارة إلى برامج عملية داعمة للبرنامج السياسي ولم يتعرض إلى آليات التغيير المطلوب ومقترحات لطرائق التغيير . ومن المفيد البدء بإعداد مسودات مشاريع دستورية وقانونية واقتصادية وطرحها ومناقشتها مع الآخرين وهذه النقطة في الحقيقة تعتبر مسؤولية مشتركة ينبغي النهوض بها وتقع على عاتق مجمل التيارات السورية العاملة في المجال السياسي
مقترحات :
وهي على محورين : 1 ــ صياغية
2 ــ متعلقة بالقضية الكردية بشكل عام
· مقترحات صياغية :
أ ــ تعاد صياغة المقدمة تحت عنوان المرتكزات الفكرية للحزب
ب ــ أن تكون محاور البرنامج على الشكل التالي :
أولا : محور الشعب الكردي السوري يتم التصريح فيه بالعلمانية واعتماد الليبرالية، والتأكيد على احترام كافة الأديان والمعتقدات المختلفة التي ينطوي تحتها مجمل النسيج السوري البشري الفريد. بالإضافة إلى ما ذكره المشروع في هذا البند.
ثانيا : العلاقات الإقليمية الكردية : يتناول هذه العلاقات بشكل عام ويتضمن موقفا محددا من المطالبة بالدولة الكردستانية . بالإضافة إلى ما ذكره المشروع في هذا البند.
ثالثا :المحور الوطني السوري : وفيه يتم التقاطع مع طروحات ومطالب أحزاب المعارضة السورية . والعمل على إقامة ندوات حوارية يتم من خلالها تبني مشاريع مشتركة. بالإضافة إلى ما جاء في البند الثالث من البرنامج.
رابعا : المحور العالمي الإنساني : ويكون الحديث فيه حضاري إنساني أوضح بالإضافة لكل ما جاء في هذا البند .
· المقترحات العامة :
يشكل العمل على القضايا المؤثرة التي لا يلغيها قرار سياسي ، وإثراء مفاهيم الثقافة الشعبية ومكوناتها العنصر الأهم في الحفاظ على الخصوصية. و ذلك يتم بتشكيل لجنة ثقافية تعمل على التنقيب في التراث الفلكلوري الثقافي الكردي وجمعه وتوثيقه وإشاعته بين عامة الناس ويشمل هذا التراث عادة : القص الشعبي. الأمثال. الأغاني. الرقصات. الأزياء والموسيقا، والعمل على تنظيم مهرجانات ثقافية كردية والتعريف بالكتّاب العالميين الأكراد، وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة :
ـــ الرغبة في الانطواء تحت الراية الوطنية السورية لا يعني قطع جذور الماضي وإغفال التاريخ الحضاري الإنساني للأكراد في العالم.
إن أكراد سورية مواطنون أصيلين وارتباطهم بأكراد العالم ارتباط حضاري ثقافي إنساني ينمو بالتواصل اللغوي المكتوب.
إن التعريف بالحضارة الكردية الإنسانية قديما وحديثا لا يعني خرق مفهوم المواطنة بل على العكس يعتبر وجود رواد عالميين يكتبون بالكردية روائع أدبية عالمية مساهمة في تحقيق الثقة بالنفس وتعزيز التعايش مع الشعوب الأخرى خاصة عندما يتم البعد عن مفاهيم القومية الفوقية التي تعتبر ذاتها خير الأمم وتزدري الأمم الأخرى ولو بشكل غير مباشر.
ـــ التركيز على مساهمة أبناء الشعب الكردي في مقاومة الاحتلال الفرنسي وإزالة الالتباس المتوارث في هذا الشأن وبيان مساهمات الكرد في تاريخ سورية الحديث السياسي والثقافي لما لهذه الأمور من أثر بالغ في المكانة والتآخي بين القوميات.
ـــ تجنب الفخ الذي تقع فيه الأحزاب السياسية بإغفالها الجانب المدني والتركيز على العنصر الرجالي فقط. فالمشاركة النسائية السياسية والمدنية تعطي الأحزاب في كل دول العالم طابعا وطنيا إنسانيا يجعلها قادرة على توصيل ما لديها إلى الناس.
من الضروري التأكيد على تعلم العربية وإتقانها إلى جانب الكردية وذلك يعطي الأكراد قوة في التأثير لدى المجتمع السوري وفي البلدان العربية الأخرى كذلك السعي لنشر اللغة الكردية بين بقية السوريين عن طريق المعاهد والمراكز الثقافية.
التركيز على موضوع التثقيف والتنمية للأكراد في القرى البعيدة ومناطق الجزيرة وإلحاق هذه المسألة بالتركيز على مفهوم التنمية الشاملة وإدخال الثقافة والسياسة إلى المجتمعات السورية عموما.
أخيرا ينبغي إيلاء موضوع الإصلاح الزراعي المضلل اهتماما مركزا والإعداد لدراسات قانونية ومخططات واقعية تكون جاهزة ( بعد مناقشتها والاتفاق عليها ) لعرضها في سبيل إعادة الحقوق لأصحابها والتعويض عن الضرر الذي ما زال مستمرا أكثر من ثلاثة عقود.
إن هذه المقترحات و الملاحظات و الآراء التي عرضناها تندرج في باب التحاور و التشاور و ليست مختصة بفئة بذاتها أو حزب بعينه. و ربما كان من المفيد مناقشتها و التفاهم حولها مع العديد من أطياف التيار السوري السياسي المتواجد حالياً. وهي دعوة للالتقاء و التحاور بين الجميع.