بينما كان معظم الأطفال يقضون وقتهم في ساحات المدارس، كان رضى سرساوي يجني رزق عائلته بالعمل كصبي نجار.
قال الفتى البالغ من العمر 14 عاما، من منطقة الحجر الأسود وهي ضاحية فقيرة بجنوب دمشق: "تركت المدرسة قبل خمسة أعوام. لم يعطني والدي أي مالا لشراء الكتب، ولذا بدأت بالعمل."
قد يكسب رضى ما يصل إلى عشرة دولارات يوميا، من عمله كحرفي، ولكنه، في الوقت نفسه، يخالف القانون السوري، الذي يلزم الأطفال بالاستمرار في المدرسة، وعدم الدخول في سوق العمل، حتى يبلغوا من العمر 15 عاما.
ولكن يقول ناشطون محليون إنه في بلد، يقدر فيه عدد العمال الأطفال بنحو 600 ألف عامل بين عمر العشر والسبعة عشر عاما، لا يتم الالتزام بالقوانين الهادفة لحماية حقوق الأطفال.
إذ قالت سعاد كوباي، العضو في منظمة حقوق الإنسان في سوريا: "هنالك تناقض في القانون السوري. فالبند المعدل المتعلق بعمل الأطفال، يحضر عمل الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ولكن قانون العمل السوري الأساسي، ينص على أنه يمكن للأطفال بعمر 12 عاما أن يعملوا، وهذا البند يشكل منفذاً في القانون ينبغي أن يغلق."
مشكلة عمل الأطفال في ازدياد
في دراسة أجريت في العام 1998، قدرت وزارة العمل بأن حوالي واحد من بين كل عشرة أطفال، بعمر 10 إلى 14 سنة، يعمل بانتظام.
وفي مسح شامل للدولة، أجري في العام 2002، قابل صندوق أطفال الأمم المتحدة (UNICEF) فيه أكثر من 20 ألف أسرة، واكتشف أن حوالي 13 في المائة من الأطفال بين عمر 12 إلى 14 يعملون، كما وجد أن حوالي 3 في المائة من الأطفال بين سن 10 إلى 11 يعملون أيضاً.
ووجد المسح لاحقا، أنه في أغلب الأحيان يُدفع الأطفال من العائلات الفقيرة والقروية للعمل، نصفهم تقريبا يعمل بلا راتب في تجارة العائلة.
كما وجد المسح أيضا، أن العديد من الأطفال دون سن الرابعة عشر يعملون 47 ساعة في الأسبوع.
ويقول خبراء، إن معظم الأطفال العاملين، هم من الذين تركوا المدرسة.
ووجد تقرير دولي حول "التنمية البشرية"، والذي تم نشره من قبل لجنة التخطيط الحكومية السورية وبرنامج الأمم المتحدة للتطوير في يوليو/تموز الماضي، أن ربع التلاميذ السوريين يتركون المدرسة قبل إكمال تعليم المرحلة الابتدائية، بينما لا ينهي الثلثين التعليم الثانوي.
واكتشفت كوباي، في مسحها الخاص على الأطفال العاملين في موقعين صناعيين على أطراف مدينة دمشق، أن العديد منهم معرضون للإساءة الجسدية في العمل.
وقالت كوباي: "ثلاثة أطفال من الريف - بسن 11 و14 و17 - عملوا في مشغل، قالوا لي إنهم تعرضوا للتحرش الجنسي من قبل رئيسهم في العمل."
ومع أن مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية هي مراقبة وتغريم أرباب العمل الذين يشغلون الأطفال، إلا أن ناشطين يقولون إن الغرامة الحالية بقيمة 1000 ليرة سورية فقط (أي ما يعادل عشرين دولارا) تجعل تشغيل الأطفال أمرا رخيصا.
وقالت كوباي: "يجب على أرباب العمل أن يزجوا بالسجن، وأن تغلق مشاغلهم. المستخدمون يدفعون ضرائب لوزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن لا يتم سؤالهم عن أسماء أو أعمار العاملين لديهم، فالوزارة تحصل على ضرائبها، ولكن الأطفال لا يحصلون على حقوقهم."
وكما قال رضي، فإن تجنب التفتيش الرسمي، ليس بالأمر الصعب "أحيانا، يطلب مني رئيسي أن أترك المحل، عندما يأتي مراقب من وزارة الشؤون الاجتماعية."
خطة للتصرف
في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، قامت مجموعة سورية بتبني، الخطة القومية لحماية الأطفال في سوريا، المنبثقة عن هيئة سورية جديدة للشؤون العائلية.
وتتضمن الخطة، إنشاء شبكة تضامن شاملة للأطفال، في غضون سنتين، بحيث تتضمن إضافة العلوم الاجتماعية في مناهج التعليم العالي، وتدريب الاختصاصيين للتنسيق بشكل أفضل مع الأطباء والمشرفين الاجتماعيين.
ووفقا لمنسقة الخطة، رانيا الحاج علي، يهدف المخطط إلى رفع مستوى الوعي العام بشأن حقوق الأطفال، وإلى تحسين المساندة المادية والقانونية والصحية للأطفال، وإنشاء مراكز جديدة لمساندة الأطفال.
وقالت الحاج علي: "سيأخذ الأمر وقتا، ولكن هدفنا هو بناء نظام شامل لمساندة الأطفال. بعض الأهل يعتقدون إنه من المقبول إرسال الأطفال إلى العمل، ولكننا نقول إن هذا يعد ممارسة نوع من العنف ضدهم."
وستكون الخطوة الأولى، مسح ميداني، من قبل مكتب الإحصاءات الرئيسي، لتحديث البيانات الموجودة، بشأن الإساءة إلى الأطفال، وتحديدا من يعملون منهم.
وقالت الحاج علي: "واقعيا، لا تستطيع أن تنهي قضية تشغيل الأطفال نهائيا. ولكننا نهدف إلى التقليل منها. لدينا قانون شامل حول عمل الأطفال، ونحن نريد أن نتأكد من أنه يتم العمل به."
ولكن في الوقت الحالي، يتابع العديد من الأطفال العاملين في سوريا العمل فوق طاقتهم والتعرض للإساءة.
قال رضى: "رئيسي يصرخ علي دائما، وأحيانا يضربني. في بعض الأحيان، أبكي عندما أرى أصدقائي يذهبون للمدرسة- أريد أن أرتدي ملابس نظيفة وأن أذهب للمدرسة معهم."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق