20\2\2006
ليس مبالغة القول بأن المقالة السياسية فن وأدب قبل أن تكون علما و بحثا نحو الأفضل . وتغدو القراءة متعة عندما يمتلك الكاتب أدوات إبداعية و ذخيرة معرفية يوظفها بعناية لخدمة النص وإثراءه. والكُتّاب عادة تحركهم دوافع مختلفة وأحيانا متناقضة تسيل مداد أقلامهم وتبيض أو.تسود صحائفهم .
والكاتب السوري لا يشذ عن ذلك مثلة كمثل قرنائة في أرجاء المعمورة إلا انه مظلوم تنتابه الهواجس .ولا أتحدث هنا عن الظلم الذي يشكل العامل المشترك بين الغالبية العظمى من السوريين وربما كل السوريين ، إنما الحديث هنا عن، الظلم الذي يحيط بالكاتب السوري ،و خاصة المقيمين داخل الوطن ، من حيث القيود التي تحاصره وتقيد حركة قلمة وفكرة ، ومن حيث الهواجس والمخاوف التي تنتابة ليلا نهارا كلما فكر أو امسك القلم .
فهو يستطيع أن يشرح رأيه بوضوح وكفاءة عالية عندما يتحدث عن شأن غير سوري ، لكنه عندما يشرع بالخوض في غمار شؤون وشجون الوطن تتقافز أمام وجهه عشرات الهواجس واضعة نصب عينيه خطوطا حمراء وزرقاء صفراء لا يستطيع تجاوزها أو حتى الاقتراب من بعضها .
وأول تلك الهواجس هو الهاجس الأمني الذي غدا امرأ مستقرا بوجدان السوريين يسيطر على تفكيرهم وتحركاتهم دون إرادة أو وعي ، بسبب تاريخ طويل من كبت الحريات وقمع الآراء وشل المشاركة السياسية ،اللهم إلا تلك الموالية لنخاع العظم ، وبسبب الصور الرهيبة عن المعتقلات والتعذيب الوحشي ومئات المفقودين الذين ما زال أهلهم يجهلون مصيرهم .وهول الدمار المادي والنفسي الذي يلحق بمن يودي به تقرير أو وشاية مغرضة .وما يشاع عن هول وبشاعة وجبروت وقوة وطغيان الأجهزة الأمنية التي ينطبق عليها ( وان منكم إلا واردها ) .
.والهاجس الثاني هو الرأي العام الشعبي أو كما يطلق عليه المتعلمون رأي العوام ،فهؤلاء أيضا نتيجة لعقود من
التعتيم والتوجيه الإعلامي الأحادي الرؤية وسياسات التعليم الأيديولوجي الصارمة واحتكار النظام للخيرية المطلقة لنفسه وإخراج عامة أفراد الشعب من العملية السياسية_ إلا إذا كانت للدعم والمساندة وتقديم الولاء والوفاء المطلق_ غدا الرأي العام لا يملك ولا يريد أن يملك حلولا أو آراء أو رؤية غير تلك التي تروجها وسائل الإعلام الرسمية وإشاعات المخبرين الأمنيين التي تثير الخوف بشكل عام وخاصة عند تناولها لمصائر من يتكلم أو يتفوه بما يوحي بمعارضة أو انتقاد للسلطة أو حتى حديث في السياسة والأحزاب.
لذلك فقد غدا الرأي العام منسجما إلى حد بعيد مع الطروحات والمواقف والتقييمات التي تقدمها السلطة الحاكمة وزاد الأمر سوءا استلام وانحدار زعماء وقادة التيار الديني التقليديين للخطاب النظامي ، وتفعيل عواطف وجدان ومشاعر الناس الدينية والوطنية بما ينسجم كلية مع توجهات ومطروحات النظام بما يجعل كل مخالف أو خارج عنها خائنا للوطن ومناهضا للملة .
وهنا يحسب الكاتب السوري ألف حساب حينما يتناول الشأن العام من وجهة نظر تفترق عن التوجهات الرسمية ولا تلتزم بالمألوف أو تتجاوز حاجز الرعب والخوف . أ و تكسر قيود الممنوعات.
فالحديث عن الديمو قيراطية وحقوق الإنسان لا يشكل بأي حال من الأحوال هاجسا شعبيا بل وربما للأسباب السابقة الذكر يشكل صوتا نشازا أو غريبا ، يفترض الأعراض عنه ومعاداته في الحدود الدنيا .وإذا تجاوز الكاتب السوري تلك الهواجس وانطلق بشجاعة متسلح بوطنيته وعقلانية حداثية تتناول قضايا السياسة والثقافة ذات الأهمية نفسها من رصيف أو جانب مواجه للنظام فانه غالبا ما يجابه بعزوف وإعراض من قبل المنافذ والوسائل الإعلامية المحلية وفي أحيان كثيرة الخارجية وخاصة تلك التي تحظى برواج وانتشار كبيرين . وحتى عندما يقدم نتاجه بدون مقابل يظل هاجس النشر من عدمه قائما ، وفي حالات قليلة عندما ينال مقابلا ماديا عن كتاباته يتهم بالعمالة ويوصف بعبد المال الذي يبيع وطنه مقابل حصوله على ثروة مدعاة لا وجود لها "كرر وزير الأعلام السابق مهدي دخل لله تلك الاتهامات بحق الكتاب والمثقفين السوريين اللذين يتقاضون عوائد مقابل كتاباتهم في الصحف والجرائد اللبنانية والعربية" وتنسج الشائعات عن ضخامة ما يحصل عليه كتاب المعارضة لقاء مشاركاتهم في المنتديات والمؤتمرات السياسية والثقافية .
والحقيقة تختلف تماما عن ذلك الوصف , فالغالبية العظمى من المثقفين والكتاب السوريين يعيشون هاجس تأمين حياتهم وحيا ة أسرهم ويجاهدون للوصول إلى الحاجات الضرورية التي لا تستقيم المعيشة بدونها , وهم مضطرون في نفس الوقت على إظهار غنى النفس و العفاف وعكس صورة تشعر بالراحة و الكفاية وانتفاء الحاجة.
لذلك ولكثير غيره يظل الكاتب السوري عموما والمعارض خاصة مظلوما محاصرا تنتابه الهواجس المختلفة , وبالرغم من كل تلك المصاعب والمخاوف يظل مستمرا في أداء واجبه تجاه وطنه وشعبه لا يكل ولا يمل ولا يرتاح حتى يرى سوريا بلدا حرا ديمقراطيا ترفرف راية حقوق الإنسان خفاقة في سمائه ينعم شعبها بالعدالة والحرية والمساواة.
في برنامج بثه تلفزيون المستقبل في ذكرى الشهيد الحريري تحدث الشاعر والكاتب اللبناني عباس بيضون مع المخرج السوري عمر اميرلاي عن المثقفين السورين وعن العلاقة العضوية حيث اعتبر أن الثقافة قيمة مشتركة وأشاد بالمعارضين خاصة و تكلم عنهم باحترام شديد وتقدير بالغ وعن حميمة الصداقة معهم كما تحدثت الإعلامية جيزيل خوري عن ذات العلاقة التي كانت تربطهم مع الشهيد الآخر سمير القصير
إن مثل تلك المواقف تشكل حافزا جميلا ودفءً .إنسانيا يدفعنا ويحفزنا إلى تجاوز كل الصعاب طالما أننا آمنا بوطننا وأحببنا قرانا ومدننا وتراب أرضنا وأطفال وشباب وبنات ونساء ورجال وشيوخ بلدنا المظلوم .
ويبقى أولا وأخيرا هاجس الوطن وأبناءه الهم الأكبر تهون بعده كل الهموم وتذلل في سبيله كل الصع
ليس مبالغة القول بأن المقالة السياسية فن وأدب قبل أن تكون علما و بحثا نحو الأفضل . وتغدو القراءة متعة عندما يمتلك الكاتب أدوات إبداعية و ذخيرة معرفية يوظفها بعناية لخدمة النص وإثراءه. والكُتّاب عادة تحركهم دوافع مختلفة وأحيانا متناقضة تسيل مداد أقلامهم وتبيض أو.تسود صحائفهم .
والكاتب السوري لا يشذ عن ذلك مثلة كمثل قرنائة في أرجاء المعمورة إلا انه مظلوم تنتابه الهواجس .ولا أتحدث هنا عن الظلم الذي يشكل العامل المشترك بين الغالبية العظمى من السوريين وربما كل السوريين ، إنما الحديث هنا عن، الظلم الذي يحيط بالكاتب السوري ،و خاصة المقيمين داخل الوطن ، من حيث القيود التي تحاصره وتقيد حركة قلمة وفكرة ، ومن حيث الهواجس والمخاوف التي تنتابة ليلا نهارا كلما فكر أو امسك القلم .
فهو يستطيع أن يشرح رأيه بوضوح وكفاءة عالية عندما يتحدث عن شأن غير سوري ، لكنه عندما يشرع بالخوض في غمار شؤون وشجون الوطن تتقافز أمام وجهه عشرات الهواجس واضعة نصب عينيه خطوطا حمراء وزرقاء صفراء لا يستطيع تجاوزها أو حتى الاقتراب من بعضها .
وأول تلك الهواجس هو الهاجس الأمني الذي غدا امرأ مستقرا بوجدان السوريين يسيطر على تفكيرهم وتحركاتهم دون إرادة أو وعي ، بسبب تاريخ طويل من كبت الحريات وقمع الآراء وشل المشاركة السياسية ،اللهم إلا تلك الموالية لنخاع العظم ، وبسبب الصور الرهيبة عن المعتقلات والتعذيب الوحشي ومئات المفقودين الذين ما زال أهلهم يجهلون مصيرهم .وهول الدمار المادي والنفسي الذي يلحق بمن يودي به تقرير أو وشاية مغرضة .وما يشاع عن هول وبشاعة وجبروت وقوة وطغيان الأجهزة الأمنية التي ينطبق عليها ( وان منكم إلا واردها ) .
.والهاجس الثاني هو الرأي العام الشعبي أو كما يطلق عليه المتعلمون رأي العوام ،فهؤلاء أيضا نتيجة لعقود من
التعتيم والتوجيه الإعلامي الأحادي الرؤية وسياسات التعليم الأيديولوجي الصارمة واحتكار النظام للخيرية المطلقة لنفسه وإخراج عامة أفراد الشعب من العملية السياسية_ إلا إذا كانت للدعم والمساندة وتقديم الولاء والوفاء المطلق_ غدا الرأي العام لا يملك ولا يريد أن يملك حلولا أو آراء أو رؤية غير تلك التي تروجها وسائل الإعلام الرسمية وإشاعات المخبرين الأمنيين التي تثير الخوف بشكل عام وخاصة عند تناولها لمصائر من يتكلم أو يتفوه بما يوحي بمعارضة أو انتقاد للسلطة أو حتى حديث في السياسة والأحزاب.
لذلك فقد غدا الرأي العام منسجما إلى حد بعيد مع الطروحات والمواقف والتقييمات التي تقدمها السلطة الحاكمة وزاد الأمر سوءا استلام وانحدار زعماء وقادة التيار الديني التقليديين للخطاب النظامي ، وتفعيل عواطف وجدان ومشاعر الناس الدينية والوطنية بما ينسجم كلية مع توجهات ومطروحات النظام بما يجعل كل مخالف أو خارج عنها خائنا للوطن ومناهضا للملة .
وهنا يحسب الكاتب السوري ألف حساب حينما يتناول الشأن العام من وجهة نظر تفترق عن التوجهات الرسمية ولا تلتزم بالمألوف أو تتجاوز حاجز الرعب والخوف . أ و تكسر قيود الممنوعات.
فالحديث عن الديمو قيراطية وحقوق الإنسان لا يشكل بأي حال من الأحوال هاجسا شعبيا بل وربما للأسباب السابقة الذكر يشكل صوتا نشازا أو غريبا ، يفترض الأعراض عنه ومعاداته في الحدود الدنيا .وإذا تجاوز الكاتب السوري تلك الهواجس وانطلق بشجاعة متسلح بوطنيته وعقلانية حداثية تتناول قضايا السياسة والثقافة ذات الأهمية نفسها من رصيف أو جانب مواجه للنظام فانه غالبا ما يجابه بعزوف وإعراض من قبل المنافذ والوسائل الإعلامية المحلية وفي أحيان كثيرة الخارجية وخاصة تلك التي تحظى برواج وانتشار كبيرين . وحتى عندما يقدم نتاجه بدون مقابل يظل هاجس النشر من عدمه قائما ، وفي حالات قليلة عندما ينال مقابلا ماديا عن كتاباته يتهم بالعمالة ويوصف بعبد المال الذي يبيع وطنه مقابل حصوله على ثروة مدعاة لا وجود لها "كرر وزير الأعلام السابق مهدي دخل لله تلك الاتهامات بحق الكتاب والمثقفين السوريين اللذين يتقاضون عوائد مقابل كتاباتهم في الصحف والجرائد اللبنانية والعربية" وتنسج الشائعات عن ضخامة ما يحصل عليه كتاب المعارضة لقاء مشاركاتهم في المنتديات والمؤتمرات السياسية والثقافية .
والحقيقة تختلف تماما عن ذلك الوصف , فالغالبية العظمى من المثقفين والكتاب السوريين يعيشون هاجس تأمين حياتهم وحيا ة أسرهم ويجاهدون للوصول إلى الحاجات الضرورية التي لا تستقيم المعيشة بدونها , وهم مضطرون في نفس الوقت على إظهار غنى النفس و العفاف وعكس صورة تشعر بالراحة و الكفاية وانتفاء الحاجة.
لذلك ولكثير غيره يظل الكاتب السوري عموما والمعارض خاصة مظلوما محاصرا تنتابه الهواجس المختلفة , وبالرغم من كل تلك المصاعب والمخاوف يظل مستمرا في أداء واجبه تجاه وطنه وشعبه لا يكل ولا يمل ولا يرتاح حتى يرى سوريا بلدا حرا ديمقراطيا ترفرف راية حقوق الإنسان خفاقة في سمائه ينعم شعبها بالعدالة والحرية والمساواة.
في برنامج بثه تلفزيون المستقبل في ذكرى الشهيد الحريري تحدث الشاعر والكاتب اللبناني عباس بيضون مع المخرج السوري عمر اميرلاي عن المثقفين السورين وعن العلاقة العضوية حيث اعتبر أن الثقافة قيمة مشتركة وأشاد بالمعارضين خاصة و تكلم عنهم باحترام شديد وتقدير بالغ وعن حميمة الصداقة معهم كما تحدثت الإعلامية جيزيل خوري عن ذات العلاقة التي كانت تربطهم مع الشهيد الآخر سمير القصير
إن مثل تلك المواقف تشكل حافزا جميلا ودفءً .إنسانيا يدفعنا ويحفزنا إلى تجاوز كل الصعاب طالما أننا آمنا بوطننا وأحببنا قرانا ومدننا وتراب أرضنا وأطفال وشباب وبنات ونساء ورجال وشيوخ بلدنا المظلوم .
ويبقى أولا وأخيرا هاجس الوطن وأبناءه الهم الأكبر تهون بعده كل الهموم وتذلل في سبيله كل الصع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق