الخميس، ديسمبر 06، 2007

حقيقة التقارب بين المذاهب


إحسان طالب
24-1-2007

ارتبط ظهور المذاهب الإسلامية بحوادث تاريخية بدأت بالخلاف حول الشخص الأنسب و الأحق بخلافة الرسول الكريم و تطور ليصبح في المناهج و ا لأصول و آليات الاستدلال و مدارس التفسير و علوم الحديث .
وفي كل مرة يتوجه الحديث فيها عن الاختلاف بين المذاهب يبادر علماء و مشايخ للتأكيد على أن الخلاف سطحي و لا يتجاوز الاختلاف الفقهي ، وبذلك يتم في كل مرة الدوران حول المشكلة و تغطيتها و تجاهل وجودها مما ينعكس تجهيلا و تعميقا للفوارق و التباينات .
إن ما يحدث في العراق من اقتتال طائفي لا يبرره الاحتلال الأجنبي والتدخل الإقليمي ولا يكفي رد جزء من أسبابه لنظام صدام البائد أو تعليقه بالصرع السياسي و الاقتصادي الدائر بين الفرقاء المشاركين و الخارجين على اللعبة السياسية .
قد يكون لكل من الأسباب الأنفة الذكر دورها و تأثيرها بنسب مختلفة و لكن لا يستقيم إغفال الجذر الأصيل في الخلاف و الالتفاف حوله وتجاوز الأساس العميق و القائم فوق قنا عات و اعتقادات دينية و إيمانية .

تتبعت جلسات حوارية عبر الجزيرة مباشر و تغطيات إعلامية صحفية لمؤتمر حوار المذاهب المنعقد في الدوحة . دأب الكثيرون من العاملين في ساحة الدعوة والفكر الديني تأكيد أن الخلاف بين السنة والشيعة في الفروع ، وأن هناك اتفاقا ً كبيرا ً في الأصول والقواعد إلا أن المداخلات والحوارات أثبتت العكس تماما ً حيث تتجلى الفروق الأساسية في العقائد والأصول بدء ً من الاختلاف في قضية الذات والصفات انتقالا ًإلى آليات الاستدلال ومنه إلى آلية فهم القرآن الكريم بين الباطن والظاهر ، وهل الأصل الظاهر أم الباطن ومن هم القادرون على الفهم .

ويتوجه الخلاف نحو عقدة الموقف من الصحابة انطلاقا ً من اللعن والتكفير للبعض في المذهب الشيعي إلى الطرف المناقض لاعتبار جماعة الصحابة بدون استثناء أي منهم خيار الأمة وأفاضلها والمبوءون بالمكانة الرفيعة ( إياكم وأصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )
ومن يطعن بالخلفاء أم أمهات المؤمنين يعارض القرآن وما اتفق عليه صح الحديث ــ أي النزول نحو درك الكفر في عقيدة أهل السنة ــ ناهيك عن الاختلاف ألمبدأي في أركان الإيمان والشهادة .
إن الجدل البيزنطي الذي دار بين المتحاورين أكد مرة أخرى القناعة بأن الأديان والمذاهب لا تتحاور ، وأن الجدال بينها إنما يكون لعرض وجهة النظر والتوضيح ومحاولة إقناع الآخر وتصحيح قناعا ته .

لا يمكن أن يبقى مذهب سني إذا تم الإطاحة بمكانة أبي بكر وعمر وعائشة ولن يبقى مذهب شيعي إذا تم الإطاحة بالركن الثالث من الإيمان القاضي بولاية علي وفقا ً لعقيدة التشيع .
وهكذا نرى بيزنطية وعدمية الحوار بين المذاهب من منطلقات عقائدية دينية .

لقد أكد المؤتمر حقيقة تمسك كل طرف بما تم الخلاف حوله منذ 1400 سنة (1) ، و بالرغم من أن الحواريات النقاشات كانت بين نخبة النخبة من المذهبين ــ القرضاوي والتسخيري ــ فإنها
لم ولن تصل إلى نتيجة, لذا كان لا بد من إشاعة ثقافة علمانية تحترم الأديان كل الأديان والمعتقدات كل المعتقدات و المذاهب كل المذاهب المتعارف والمتفق عليها وتقر بحرية الفكر والاعتقاد وتنطلق نحو مفاهيم الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبدأ المواطنة القاضي بالمساواة بالانتماء والولاء الوطني مجردا ً من التفصيلات الإيمانية والإعتقادية. و المبنية كذلك على مبدأ العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة القائم على الحفاظ على حقوق الأفراد في تولي شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر نظم وقواعد وآليات ينظمهم دستور وقوانين وضعية تستفيد وتستقي من المعارف والتجارب والحضارات والتراث الإنساني والقومي .

أن تكرر البحث في مسألة التقارب بين المذاهب قائم في جوهره وحقيقته على قيمة الرفض لوجود أفكار وعقائد وقنا عات متضاربة ومختلفة ، والسعي للتوحيد وإزالة الخلافات والمتناقضات ، ولقد أثبتت الأيام والتجارب عقم وفشل تلك الحواريات كونها لا تقوم على مبدأ الاعتراف بحق الآخر المختلف عقائديا ً ومذهبا ً بالوجود .
إن الدوران في حلقة مفرغة من النفاق والادعاء بعدم وجود خلافات ومتناقضات جوهرية بين المذاهب والعقائد والأديان لن يؤدي إلا على مزيد من اللف والدوران والعودة إلى نقطة البدء .

لقد طرحت مداخلات علماء السنة في المؤتمر على تأكيد قداسة الصحابة كل الصحابة وكذلك التأكيد على اعتبار الحديث النبوي المروي بالطرق والوسائل المعروفة في المذهب السني كمرجع ثاني وبنفس القيمة والقوة الحقوقية للمرجع الأول القرآن .

في حين حاول بعض علماء الشيعة الاستخفاف بعقول الحاضرين والسامعين وألقى باللائمة على إسرائيل مواريا ً ومتجاوزا ً لجملة من الحقائق التي يعرفها قبل غيره . (2)

لقد بين العديد من علماء الشيعة العراقيين رفضهم وإنكارهم لمبدأ المحاصة الطائفية القائمة اليوم في العراق ودعوا إلى الالتفاف حول الوطن وبناء المتحالفات على أسس سياسية بعيدة عن الطائفية .

وما لم يتحلى علماء ورجال الدين من شيعة وسنة ويعترفوا باستحالة التقارب دون التخلي عن مكونات أساسية قام عليها كلا المذهبين ويقروا بالفوارق الإيمانية والجوهرية بينهما ويعيدوا بناء الفكر والوعي الديني الجمعي للرأي العام العربي على مبدأ قبول الآخر بما يحمله من قنا عات واعتقادات وإيمان والاعتراف بحقه في الوجود والاختلاف. لن يتم تجاوز الصراع الطائفي القائم والذي يزداد عمقا ً وسخونة يوما ً بعد يوم .
المخرج والمنفذ الرئيسي للصراع الطائفي لا يستقيم إلا بالالتفاف حول الوطن والإنسان وإعادة الاعتبار للتجارب الحضارية والمدنية الإنسانية الوضعية ، والتمسك بمباديء حقوق الإنسان والدساتير المدنية والنظم السياسية والاجتماعية المنفصلة عن القداسة والعصمة والقابلة للتطوير والتصحيح والزيادة و النقص .

هوامش :
- 1 - ( لم يكن أبو بكر مع النبي في الغار - حقيقة طمست 14 قرناً )
بحث للشيخ نجاح الطائي : مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا ):مما جاء في ا لبحث ما يلي :
" وبلغ ذلك الدهاء قمته في تكفير السلطة للمسلم غير المعتقد بحضور أبي بكر في الغار! "
" لهذا يجب أن لا نستغرب إذا اكتشفنا الآن أن كل قضية هجرة وحضور أبي بكر في الغار ليس لها أساس من الصحة، "

- 2 - http://www.alarabiya.net/Articles/2007/01/21/30934.htm

احسان طالب

ليست هناك تعليقات: