الجمعة، مارس 21، 2008

الهوية فوبيا تشعل حطب الرسوم المسيئة



إحسان طالب
2008 / 3 / 13


في أجواء عالمية مأزومة تقف على طرفيها أمم تتباين طبيعة حياتها و تكويناتها الثقافية و الاجتماعية وتتعارض مصالحها و أهدافها يقف الشرق المحاصر بالضغوط و التهديدات تثقل كاهله الحاجات و الضرورات ،تقلقه هواجس الذوبان و ضياع الهوية في قبالة غرب مستقر عمليا
يسعى بجد لامتلاك ما يستطيع من إمكانات و أدوات وطاقات يعزز تفوقه الراهن ويؤكد سيطرته الحديثة على المقدرات الكونية .
بدأ ذلك الغرب يستشعر بخطر داهم ـ مبالغ فيه ـ على هويته الثقافية و طرائق معاشه وتفكيره ، حيال تنامي المظاهر الإسلامية في شوارعه و أحياءه زاد على ذلك إعلام يرى مادة دسمة تنقلها الأحداث اليومية يخلقها تيار إسلامي معزول متطرف يبرز بين الفينة و الأخرى مطلا برأسه بعمليات تخريبية تتنقل من عاصمة أوربية لأخرى حيثما وجد ثغرة ولج فيها . وفي الجانب الموالي شرق أو جنوب ـ لا فرق ـ يعاني فوبيا الهوية استقر في وجدانه تقديس لماض وتراث وجد عنده ذاته وحقق في سالف سيطرته و تفوقه ، يخالجه خوف ورعب من الذوبان و الضياع أمام ثورات علمية و تكنولوجية و فكرية يسعر أوارها تنافس دائم وتسابق لا يهدأ في عالم بات وشيكا من اجتراع معجزات ظنها دهورا حكرا على المطلق. زاد و فاقم تلك الفوبيا تأزم القضايا المستعصية و الغزو الاستعماري الجديد المباشر الآتي تحت راية التحرير و الديمقراطية من قبل الغرب لبلاده وشعوبه .
فالمسألة إذن أبعد بكثير من اختلاف في مفهوم للحرية لم يتبلور بعد في شرق ومازال يعد الحرية جنين سفاح لا يريد الاعتراف به بل لا يرد له الحياة،كان يراها في حالة الاسترخاء و الأمن قضية رفاهية وترف تتجاوز سوية المطلب الملح وغدت في وضع الاستنفار و التأهب شبهة وسهما مصوبا من قبل عدو متاخم لعتبات الدار يعيش عالم الليبرالية الجديدة و يؤصل مضامين ما بعد الحداثة ، لم يعد ينظر إليه كنموذج ومثال متقدم للتطور و التقدم بل يخشاه ويأمل بصرف خطره حتى ولو كان ذلك على حساب مغادرة الزمن إلى الوراء و إحياء أنموذج السلف ونفض ماران عليه من نقد وكشف .
في خضم ذلك المشهد شديد التشعب مارس الفنان الدانمركي حريته مستغلا ما تطاوله يده من عبث بوجه قوم أضروا بذاتهم أكثر مما أضر بها الخصوم وتعامل بانتقائية حيال مفرداتها و أدواتها مباشرا رؤيته من زاوية حادة لعلها زاوية عمياء حجبت قيمة كلية أضر بتخصيصها و تجزيئها ولم تكن بالنسبة إلية تجاوزا لخطوط حمراء لم يستطع أن يخفي بفنه حقدا و اشمئزازا حيال الآخر المختلف عنه. من زاوية أكثر انفراجا نظر اليسار الفرنسي لقانون شيراك بتحريم الحجاب في الدوائر و الهيئات الرسمية فوجدوه مناقضا لقيمة الحرية ومتعارضا مع قواعد العلمانية .
ردود الأفعال و التوظيف السياسي :
في الرابع عشر من فبراير 1989أصدر أية الله الخميني من خلال راديو طهران فتوى بإهدار دم سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية التي تعرض فيها للنبي محمد بن عبد الله و التي صدرت قبل أشهر من الفتوى ،وفي نهاية عام 1990 قدم رشدي إعتذارا رسميا للمسلمين وفي العشرين من سبتمبر أعلنت حكومة إيران عدم التزامها بتنفيذ الفتوى ضد رشدي وعلى إثرها أعادت بريطانيا سفيرها لطهران . ربط بعض خبراء الإسلام السياسي فتوى الخميني بنجاح طالبان بإخراج السوفيت من أفغانستان و عدوه محاولة للتغطية على ذلك النصر وفرض للصوت الإيراني المسلم في الساحة الشعبية .كانت ردود الدول العربية على كتاب رشدي ضعيفة و متفاوتة و كان الكتاب متداولا في بعض العواصم العربية .في منتصف يونيو 2007 منحت ملكة بريطانيا لقب فارس لسلمان رشدي الذي أعرب في تلك المناسبة عن تأييده للصحيفة الدانمركية التي نشرت الرسوم المسيئة محذرا مما و صفه بسلطوية الإسلام ،اجتاحت حينها مظاهرات حاشدة المدن الرئيسة في باكستان و أهدر دمه و خصصت جائزة 15 مليون روبية لمن يأتي برأسه.
بالغت مجموعات عربية في ردود فعلها على الرسوم المسيئة و اقترب عدد الضحايا من العشرة وأحرقت عدة سفارات في عاصمة عربية مازال نظامها في نظر الأوربيين علماني لكن ردود الأفعال جاءت في وقت تعاني فيه سوريا حصارا و محاولات عزل قاسية .
إساءة رشدي مبدئية قامت على تصور ارتباط النبي محمد بالشيطان الذي أملى عليه بعض آيات القران الكريم فيما إساءة الرسوم الدانمركية منهجية
تنزاح في بعض وجوهها نحو قيمة الحرية و مكانتها ، لكن ردود الفعل الأضخم و الأكبر و الأشد كانت قبالة الرسوم الدانمركية لآن الظرف الموضوعي السياسي و الاجتماعي المهيمن على العرب و المسلمين بات أشد ضغطا و حصارا. هكذا تتداخل الصراعات السياسية مع التباينات الأيديولوجية وتسخر القضايا الدينية للوصول إلى مأرب لا تنتمي إليها .
الاستقرار السياسي و الاجتماعي المقرون بالتنمية البشرية و الوصول بالمجتمعات إلى قدر كاف من الديمقراطية و المشاركة السياسية و الاقتصادية
و الانفتاح المتبادل و الحوار الحضاري تحيل تلك الصراعات إلى محورها الأصيل و تخمد إلى حد بعيد ثوران الصراعات الأيديولوجية و العقائدية .ويعد النهوض الثقافي و التنوير الفكري أساسا لتجاوز حالة التصادم ذات المنشأ الحضاري ، إلا أن الأمر ليس بتلك البساطة فالوقوف على عتبة الاستقرار وولوج سلم التغيير دونه خرط القتاد.

ليست هناك تعليقات: