الإدارة الحقيقية للسلام والاستقرار ليست متوفرة كما أنها ليست راسخة في المعتقد القومي والديني العربي والإسرائيلي.
عندما أطلق الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد شعارات استفزازية وطالب المسلمين بمسح إسرائيل عن الخريطة هلل وكبر ملايين العرب والمسلمين.
وعندما شن أو لمرت حربه المبيتة على لبنان وقف ما يقرب من الثمانين في المئة من الشعب الإسرائيلي مؤيداً لتلك الحرب داعما لما يقوم به الجيش من مجازر.
وتبرع الحاخامات بفتاوى دينية تبيح قتل أطفال لبنان على مبدأ أنهم أطفال الكفار على الطرف الآخر.
الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس تهرب من الاستحقاق السياسي والإجماع العربي حول مبادرة الملك عبد الله والتي طرحت في قمة بيروت آذار 2003 .
حماس ما زالت متمسكة في خطابها الديني بإقامة دولة فلسطين من النهر إلى البحر خلافا لتصريحات دبلوماسية غير واضحة تعلن القبول بهدنة طويلة الأمد وقبول مرحلي بحزمة قرارات الأمم المتحدة
و بدون مجاملات ، فإن الخطاب السياسي لحماس يستغبي العالم ويناور كما تفعل إيران بملفها النووي ، ولكن ما تملكه إيران من أوراق تفاوض لا تملكه حماس.
الخطاب العربي الأيديولوجي يتركز حول القناعة المطلقة باعتبار إسرائيل دولة توسعية لا تستمر ولا تستقر إلا بالحروب .
وفي مناسبة وغير مناسبة يقدم لها بعض الأحزاب والفصائل المبررات التي تسمح لها بأعذار وهمية وأسباب فارغة مباشرة لشن حروب وغزوات إرهابية تسهم في إطالة أمد الصراع .
قد يكون مبررا لرفض السلام مع إسرائيل استمرار حالة العنف الدائر في خضم العراك المستعر بين العرب وإسرائيل، إلا أنه من غير المقبول التستر خلف شعارات الصمود والتصدي في محاولة لإبقاء حالة اللا حرب واللا سلم، والاستمرار بإرباك شعوب ودول المنطقة بالانتظار والتحضير لحرب موعودة مقدسة تقاتل فيها الأشجار والحجارة معنا ضد اليهود في فلسطين وتنتهي المعركة بنصر مؤزر كامل مطلق يكلل جبهة ورايات جنود الحق من العرب والمسلمين .
إنها الطريقة القديمة المتجددة المستقرة في المخيال الجمعي الديني الموروث لدى الأكثرية المكونة للرأي العام العربي والإسلامي.
لقد قدمت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان جملة من الحقائق الاستراتيجية قد تكون الاستفادة منها منطلقا نحو فهم جديد لطبيعة راهن الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبله.
ومن هذه الحقائق أن إرادة الصمود قادرة على إلحاق الخسائر بالعدو وقادرة على تأخير زحفه وقادرة على زعزعة استقراره السياسي إلا أنها عاجزة عن ردعه في افتعال الحرب وإلحاق الدمار وارتكاب المجازر بأي مكان يستطيع الوصول إليه .
لقد كانت إرادة الصمود والمقاومة المدعومة بقدرات تسليحية عالية كافية لإرباك الجيش الإسرائيلي الا أنها بعيدة كل البعد عن الهدف الأسمى للحرب الدينية والغاية النهائية للمقاومة الاستشهادية التي تعتبر إنهاء دولة إسرائيل وإزالتها من الوجود أمورا قريبة المنال.
النظام السياسي العربي لم يعد في وارد الدخول ضمن أتون حرب مباشرة مع إسرائيل يخوض خلالها معارك قتالية انطلاقا من الحدود أو فوق أراضي دول مجاورة .
النظام العالمي الجديد لن يقف مكتوف الأيدي في حال تعرض إسرائيل للخطر وسيتحرك دبلوماسيا بالدرجة الأولى مستخدما كل ما لديه من قدرة وحنكة لممارسة سلطة القرار الدولي في الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل .
حتى الدول الراعية للمقاومة و الأنظمة المرتكزة على قاعدة الصمود والتصدي ليست بعازمة أو مريدة لخوض معركة نظامية على حدودها الدولية أ والمحتلة يقوم بها جيشها القوي في مواجهة العدو الإسرائيلي، وستكتفي بالسماح للشعب إذا فكر بالقيام بعمل ما خلال الأجيال القادمة بالمقاومة الذاتية ضد الاحتلال تحت رايات منظمات شعبية من دون غطاء رسمي لأن القرار قرار الشعب وليس قرار الدولة .
هذه الحقائق وغيرها تدفعنا لتغيير برامجنا السياسية وبحركاتنا الدبلوماسية والاستراتيجية والقائمة على صراع الوجود وإزالة الآخر ولعله من المرغوب والمطلوب السير قدما في إرغام إسرائيل على السلام وسحب وإزالة مبررات العنف والصراع والعودة إلى طاولة المفاوضات من باب الواقعية السياسية وليس من نافذة الوعود المقدسة والتعاليم المتوارثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق