عذرا سيدي العقيد أصواتنا غير مسموعة
ليس خافيا على أحد التغيرات الكبيرة التي طرأت على سياسة العقيد القذافي في الأونة الأخيرة وتحوله إلى جنرال يدفع الغرامات عن آثام ارتكبها في الماضي واعترف بارتكابها بدل الاستمرار
في فعلها رغم أنه من غير الممكن معرفة الطروحات الجديدة التي سيقدمها للعالم.
إن قراءة نقدية لما جاء به خطاب الرئيس الليبي أمام القمة العربية المنعقدة في الجزائر تعطي صورة واضحة عن الاضطراب الفكري والتشويش العقلي الذي نعاني منه في خطابنا العربي عندما نتحدث عن طروحاتنا ومواقفنا من أحداث الماضي القريب والحاضر والمستقبل.
نحن نفهم في المقام الأول أنه غير مستعد للتغيير الداخلي ويكفي الغرب ما قدمه لهم من تنازلات دولية، وأوضح دليل على ذلك استخفافه بالشعب الليبي قهو يقول ـــأعطوني لوردات حتى أعطيهم حزب، أنا عندي بدوــــ بدو لا يصلحون للتعددية الحزبيية، نعم بكل بساطة يقول سيادته أن الليبيين غير مؤهلين للتعددية ونحن نخالفه الرأي ولو صح ما طرحه القذافي فإنه المسؤول عن ذلك في المقام الأول فهو الحاكم المطلق منذ ما يقارب الأربعة عقود، وبعد هذه المدة الطويلة جدا في الحكم يقول إنه ليس سياسيا ولا يعرف في السياسة بل هو فيلسوف.
اعلموا أيها العرب في ليبيا أن الذي حكمكم طيلة مدة أربعة عقود لا يفهم في السياسة بل في الثقافة والفلسفة لكنه كان يمارسها ـــ أي السياسة ـــ وينظر فيها ويكتب الدساتير ولا يزال على مسيرته تلك.
الفيلسوف القذافي رغم اعترافه بالتخلف العربي وإشارته إلى أن الدول العربية مجتمعة لا تنتج سوى 40 % مما تنتجه دولة أوربية واحدة وهي إيطالية ويقلل من شأنها كونها من الجنوب الأوربي، يرى الحل في الإنغلاق التام فهو لا يريد من الحضارات الأخرى لا خيرها ولا شرها يطلب فقط أن تتركه وشأنه يتعامل مع البدو وهو قادر على الاستمرار كسابق عهده مع الحفاظ على القيم الفكرية والثقافية التي يراها مستمدة من القرآن وتعصف بها رياح التغيير القادمة من الغرب.
لذذلك فهو غير جاهز للتغيير بل غير مستعد له، فليست أشكال الديمقراطية قابلة للبحث بل الفكرة من أساسها. ولو جمعت دول العالم قاطبة والأمم المتحدة على طلب التغيير فإنه مرفوض، فلقد اتخذت الممارسات العملية للحاكم طابع الشرعية المقدسة التي لا يمكن تغييرها.
ولا تخفي الطروحات الفلسفية الجديدة للزعيم الكبير التهديد بالتحول إلى الإرهاب والمبرر لذلك أن تغيير الأنظمة الدكتاتورية يعني تحويل شعوبها نحو الإرهاب الذي تجرأ سيادته من بين زعماء العالم قاطبة الذين تناولوا الإرهاب وحاربوه، تجرأ على وصف الإرهاب بالعالم بالإرهاب الإسلامي واستخرج الأدلة من القرآن.
إنه مستعد لمثل هكذا تصريح لكنه يصر على بقاء النظم السياسية السائدة في بلده كما هي ويعتقد
بأنه حصن بلده وحكمه باللجوء إلى إفريقية، أما أنتم يا عرب أسيا فمصيركم الزوال أو الذوبان
لأنكم لا تنتمون إلى كتلة قارية أو إقليمية كبيرة.
بكل بساطة وببضعة كلمات اختزل سيادة العقيد شعوبا بأكملها ولم يكلف نفسه عناء الإكثار من
الكلام في هذا المقام، ولا عزاء للعرب الأسيويين سوى الانضمام إلى اتحاد جديد يقترحه يلحق عرب أسيا بإفريقية.
الفلسطينيون أغبياء واليهود أغبياء والأوربيون سذج تحدثهم عن الإقتصاد يحدثونك عن الختان
والشعوب الأوربية تنبح مثل الكلاب ولا أحد يرد عليها. هذا ليس قدحا أو ذلة لسان إنه جزء من
المحاضرة الفلسفية للزعيم الأخضر مخاطبا ثلثي زعماء الدول العربية في جلسة حضرها كثير من الوزراء الأوربيين والمراقبين المتخصصين في السياسة والعلوم من كافة أرجاء المعمورة إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة وعمرو موسى.
الشعوب العربية تسقط حكومات بمظاهرة واحدة نعم اسمع أيها العالم إن كنت لا تدري هكذا يرى العقيد القوة الهائلة للشعوب العربية التي هي في الحقيقة لا تدري شيئا عما تقوله إنها تخرج فقط للوفاء والتأييد وإن كنت تشير إلى لبنان فالوقت ما زال مبكرا فالحكومة التي استقالت عادت
بعد أيام واستطاعت تأليف مظاهرات تأييد وموالاة على الطريقة العربية المليونية.
رغم اعتراضي الشديد على كل ما قاله سيادة العقيد القذافي إلا أنني أشعر بالإهانة من التعليق الذي أردفه رئيس القمة على محاضرته الفلسفية ففي البداية قال إنه يؤيد ما جاء في خطاب الأخ
الزعيم الكبير إلا أن كونه رئيسا لدوله عربية ومسؤولا عن شعب لا يستطيع التصريح بتأييده
ولو كان خارج الحكم لقال مثل كلام العقيد لكنه في هذا الوقت يخشى هبوط أسهمه شديدة الحساسية.
إنها الإزدواجية العربية المعهودة بين ما نصرح به وما نعتقده وبين ما نقوله للعالم أو ما نقوله
للشعوب .
الشعوب التي لا تعرفها الحكومات إلا في مظاهرات التأييد والوفاء وتصم آذانها عن مطالبها في الإصلاح والتغيير. إنها المعجزة العربية في صد رياح التغيير والتحايل عليه كما أشار إليها
أدونيس في إحدى الصحف السورية.
عذرا سيدي العقيد إن الإهمال وتقليل الشأن والاحتقار والعزل والاستخفاف والإعتراض
والقهر والإذلال هو ما تعانيه الشعوب العربية المسالمة والمعترضة على الإرهاب هي التي
تدفع الثمن مرتين وتتلقى الجلد والقصاص ولا يسمع صوتها أبدا بل تستخدم كمكبرات للصوت
وأبواق للهتاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق