الدولة الدينية أم الدولة الحديثة
رؤية نقديّة لبيان الإخوان المسلمين
في 3/4/2005 أصدرت جماعة الإخوان بياناً موجّهاً إلى سوريا شعباً وحكومةً وتمّ نشره وتعميمه، وقبل أياّم ظهر الأستاذ علي البيانوني على شاشة العربية لتأكيد البيان وتوضيحه.
و ينطلق البيان من رؤية شرعية و يدعو إلى مؤتمر وطني شامل و دستور جديد عبر هيئة انتخابية محايدة مما يؤدي إلى ولادة جمهورية دستورية ديمقراطية و يدعو الجيش ليكون حامياً للتغيير السلمي و يطالب بالإصلاحات المتعارف عليها و يعطي مهلة ثلاثة أشهر.
رؤية نقديّة لما ورد في البيان :
بعد الاستقراء المتأني للبيان يبدو أن هناك تقدماً ملموساً في رؤية الإخوان السياسية و قدرته على التأقلم مع الأوضاع المستجدة
إن المطالب الرئيسة والخطوط العامّة التي يقدّمها الإخوان أصبحت محل توافق بين كل الأطياف الداعية للإصلاح والتغيير.
كنا نأمل من البيان تحديد موقعه إلى جانب المعارضة بوضوح وأن يكون نداؤه موجّهاً إليها بشكل مباشر أيضاً.
لقد بالغ البيان في تصوير الخطر الداهم من الخارج ممّا يوحي بضرورة العمل لوقفه بأي ثمن وهذه المعضلة كانت ترفع في وجهنا طيلة أربعة عقود.
إن أي بيان يطرحه الإخوان قد يؤخذ على محمل الشّك. ذلك أنهم انطلقوا - كما يقولون- من رؤية شرعيّة، والمعروف عن هذه الرؤية كونها تقوم على أساس الدولة الدّينيّة، التي تبنى على قواعد الشريعة التي تتخذ الأصول المقدّسة منطلقاً رئيسيّاً للدّستور والقانون. والاستقراء العميق لتلك الأصول لا يفسح المجال أمام ديمقراطيّة وطنيّة تنطلق أساساً من الحفاظ على مصالح الوطن والمواطن آخذة بعين الاعتبار الاختلاف الكبير في المعتقدات الدينيّة للأطياف المختلفة التي يتكوّن منها مجموع الشعب السّوري ((وكل شرط ليس في كتاب الله أو سنّة رسوله ليس بشرط ولو كان مئة شرط))
على الإخوان عند طرح أي مبادرة، القيام بتبديد الشّكوك الواردة إلى الأذهان فور سماع اسمهم. لذلك نرى أهمّيّة قيام الجماعة بما يلي:
أ- نبذ العنف بكل أشكاله التخلي عن مبدأ تغيير السلطة بالقوّة أو الجهاد.
ب- تبديد المخاوف من إقامة دولة سنّيّة متعصّبة. وهذا يقتضي الإقرار بدولة علمانيّة تعترف بالمشاركة السياسيّة لجميع التيّارات المختلفة.
ت- التخلي عن إقامة الدولة الأمّة - طالما كان النداء إلى سورية- وكبح الطموحات والتطلعات نحو إقامة الخلافة الإسلاميّة التي من واجبها نشر الشريعة في كل مكان تستطيع الوصول إليه وإخضاع الشّعوب الأخرى لدستورها الأصولي.
ث- الإقرار بمبدأ الحداثة. وأقصد به باختصار إحلال الفكر النقدي الخاضع للعقل - الذي يقر بوجود الخطأ والصّواب- مكان القداسة التشريعيّة المعصومة.
الدولة الدينيّة أم الدولة الحديثة :
إن التوجه الليبرالي العلماني النامي في صفوف المعارضة السّوريّة يتبنّى قيام دولة علمانيّة ديمقراطيّة ليبرالية وهذا يتعارض مع الفكر الأصولي السّلفي الانغلاقي للإخوان وبالتالي مع مبدأ الدولة الدينية الذي ينادون به.
لقد جاء في بيان الإخوان إقرارهم بدستور وطني وهذا بداية الاعتراف بدولة عصريّة.
وكما هو معلوم فالدولة الإسلاميّة تاريخيّاً لم تعترف بوجود دستور وهذا هو حال الدولة العثمانيّة قبل انهيارها بعد الحرب العالميّة الثانية التي لم تستجب لدعوات الإصلاحيّين الإسلاميّين بضرورة وضع دستور للبلاد. كذلك أهم دولة دينيّة عصريّة -السّعوديّة- ليس لها دستور حتى الآن. من هنا نتمنّى على الإخوان الإقرار بمفاهيم الدولة الحديثة التي تتبنّى مبدأ سيادة الشعب في الحكم واعتبار السيادة النصّيّة شرفيّة أخلاقيّة.
الإصلاح المنشود لبلدنا ليس إصلاحاً دينيّاً قائماً على أساس الأصول الشّرعيّة، بل هو إصلاح سياسي قائم على مبدأ سيادة الدستور ودولة القانون. ((دعونا ندير حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى)) الكواكبي, طبائع الاستبداد_143. ((قصارى أمر الإمامة أنّها مصلحة اجتماعيّة لا تلحق بالعقائد)) ابن خلدون, المقدّمة_465.
يبلغ عدد آيات القرآن الكريم (6236) آية على الراجح.
((اقتصر القرآن الكريم على أمّهات المسائل والمبادئ العامّة، فآيات التشريع محدودة لا تزيد عن مائتي آية)) كمال الغالي، القانون الدّستوري والنظم السّياسيّة_511.
((أما فيما يتعلّق بالتشريع الدّستوري -صلة الرعية بالدولة ونظام الحكم فآيات هذه الأحكام نحو 10 آيات)) عبد الرّحمن الصّابوني -مدخل لدراسة التشريع الإسلامي_43.
ربط الضغوط الخارجيّة بالإصلاح والتغيير :
من المهم الفصل بين الضغوط الخارجيّة والحاجة الملحّة للوضع السّوري الدّاخلي المتأزّم والذي يعاني من أمراض مزمنة لا يمكن بحال من الأحوال تأجيل علاجها. فالتغيير و الإصلاح ضرورة عاجلة وملحّة يتوافق الشّعب السّوري بكل تيّاراته وانتماءاته عليها, بغض النظر عن التقييم الخارجي للسلطة السورية و علاقاته بها. فنحن المعنيون أساساً ببلدنا و المظالم التي نطالب برفعها تلف حاضرنا و تهدد مستقبلنا. والمعروف أن المعارضة السورية بدأت بالسعي نحو التغيير و الإصلاح منذ نهاية السبعينيات ثم فترت الهمة طيلة عقدين تقريباً و عاد النشاط للظهور بعدما أصبحت الأجواء مهيأة للبحث بجدية نحو خلاص الوطن و إعادة كرامة المواطن.
ربما كانت قاعدة الإخوان في سورية أقرب ما تكون إلى نخبة التيّار الديني والتساؤل هنا هل هذا النّداء متفق عليه بين أطياف التيّار الديني السّوري أم أنه رؤية إخوانية فقط.
يغلب على التيار الديني الانقياد الصريح لبعض الأسماء الموجودة على الساحة والتي لا يوجد أي لبس في موالاتها المطلقة وتحرّكها المنضبط تماماً بالسلطة الحاليّة. لذلك لا يبدي هذا التيار اهتماماً ملفتاً للتغيير و كأن الأمر لا يعنيه و بذلك يسحب المشايخ الملايين من أبناء الشعب السوري خارج اللعبة السياسية و هذا في الواقع يقلل من شأن التيار الديني الشعبي في حين أن المفروض على أئمة المساجد و المعاهد الدينية المبادرة إلى الدعوة للإصلاح و التغيير, فكثير من حواراتهم و نقاشاتهم تدور خارج الموضوع تماماً.
((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)) النساء_114
والخطاب القرآني عندما يتوجه نحو الناس إنما يكون للمسلمين و غيرهم .
((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)) هود_88
من هنا نرى ضرورة قيام جماعة الإخوان بترتيب أوضاعها القانونية مع الدولة حتى تكون قادرة على القيام بالفعل السياسي آخذة بعين الاعتبار ما طرحناه و ما نتوخاه من إصلاحات داخل الجماعة قبل الانطلاق نحو الخارج.
و من ثمة نرى ضرورة التوجه من قبل الإخوان نحو التيار الديني الشعبي لاختبار آرائه و مواقفه و العمل سوية على إدخال الثقافة و السياسة إلى المجتمع الذي حُرم منها طيلة عقود ماضية, و يحاول أعمدة التيار الديني الحكومي تجنب المساس بالموضوع الداخلي السوري و التوجيه على أن البحث في هذا الموضوع من المحرمات.
أخيراً لا يملك الأستاذ البيانوني حقّ التنازل عن أي شيء من حقوق الآخرين فمبدأ تذويب الفرد داخل الأمّة لم يعد مقبولاً- جاء في البيان ((نحتسب عند الله ما أصابنا))-
ليس عدلاً ترك من أجرم بحق الشعب والوطن بدون مساءلة يتستّر تحت راية شعارات قديمة يزيّنها بالدعوة إلى الإصلاح والتغيير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق