إحسان طالب
جريمة "الشرف "أو غسل العار بالدم قضيه هامة يتفاقم انتشارها عاما بعد عام وترتبط بدون مواربة أو انحياز بالخلفية الدينية المتعصبة للفاعل و بيئته الثقافية و الاجتماعية و تقترن بهوان حياة الإنسان أمام قيم دينية وإيديولوجية مطلقة لا تعلو عليها رابطة إنسانية أو اجتماعية ،مما يفسر سرعة الاندفاع نحو القيام بفعل القتل دون تردد و بتخطيط مسبق عادة ما يكون هادئا ومنظم . فالجاني هنا لا يعارض الوصايا الدينية أو التقاليد العشائرية ـ حسب زعمه ـ ولا يخرج على السلطة السياسية و الاجتماعية بل يبادر لعمل سيلحق به مكانة وشرفا وسمعه طيبة طول حياته مع علمه المسبق بأن ثمن الجريمة بخس جدا مقارنة بالمنافع و المزايا النفسية و العشائرية التي سينالها .
عندما يقوم الرجل بالقتل غسلا للعار وسترا لفضيحة العرض لا ينطلق من رغبة بريئة ودافع مثالي وفقا للتفسيرات القانونية المخففة بل والمبررة لجريمة قتل النساء تحت لواء الشرف. بل قد تتغلب الدوافع الذاتية و الأنانية على سواها خلف تلك الجريمة النكراء، فهو يمارس سلطة أفلتت من يده وافتقدها في محيطة يريد رد الاعتبار لمكانته في المحيط الإنساني و الاجتماعي, يريد أن يثبت رجولته و قوامته في بيئة يهيمن عليها قهر سلطوي لا يجد القدرة ولا المبرر الكافيان للخروج عليها ومواجهتها و يميل لابتلاع مفرزاتها في ذات الوقت الذي يجد نفسه مرغما على تمجيدها و طاعتها.
في الجانب الآخر ينشأ الذكر ويترعرع وسط أجواء داخلية ضاغطة ويتربى على قيم و مثل عليا تعد بكارة المرأة أغلى و أثمن وأهم من حياة الإنسان وتجلس الرجل في مكانه وهمية عليا، تملكه سلطة السيطرة على الأنثى و مراقبتها وتصويب مسار حياتها و قيادته وهو في واقع الحال يستشعر هوانا و ذلا يمارس علية كل يوم من سلطة أعلى تبدأ بالأب داخل المحيط العائلي للتوسع نحو رموز السلطة السياسة القابضة بيد من حديد على مقدرات حياته تعد أنفاسه و تحصي لقمة عيشه ،هكذا تتراكم و تتحالف القاهرات في خلق كائن بشري مشوه تتداخل تناقضاته الوجدانية و الذهنية منتجة خليطا عجيبا من الاستكانة و الهوان تجاه الظالم والمستبد مقترنا بعنف وجبروت تجاه الأضعف المتمثل بالأدنى اجتماعيا و بالأنثى المتواجدة في كنف العائلة . والغريب أن ذلك العنف لابد له من الخروج ، فإذا لم يجد منفذا نحو طرف أضعف يمارس تجاه الذات بفعل الانتحار المزين بسرعة الانتقال إلى الفردوس الأعلى .
تلك الحالة من الضعف الشديد قبالة السلطة السياسية و الدينية المتكاملة مع الانكسار الداخلي و الإحباط الخارجي ،تمثل محرضا قويا تجاه فعل عظيم يحقق الذات ويحول النكرة إلى بطل وشهم ورجل شجاع يشار إله بالبنان في دائرة من التخلف الاجتماعي والثقافي المحصن بعوز اقتصادي وفقر مادي. ضمن هذه المنظومة تأتي جريمة الشرف كهدية ينتظرها الرجل ليستقلها و يحلق بها في فضاءات الغرور واثبات الوجود .
هكذا يقوم هرم جرائم الشرف على قاعدة مثلثة متساوية الأضلاع يكون القهر السلطوي السياسي و الاجتماعي و الديني ضلعه الخارجي الأول ويشكل الضغط الوجداني الداخلي ذو المنشأ الديني والقبلي ضلعه الثاني ،فيما تمثل المبررات القانونية والاجتماعية المشجعة للفعل بل وأحيانا الداعمة له الضلع الثالث محكمة الخناق على المرأة وتاركة تجاوز جرائم الشرف أو حتى الحد منها مسألة بعيدة المنال.
وما لم تتوفر أرادة جمعية مدعومة بقواعد قانونية وقرارات سياسية وإصلاح ديني سيستمر تعاظم خطر ظاهرة قتل النساء بذريعة غسل العار وستزداد أعداد الضحايا عاما بعد عام .ففي دولة مثل سورية تصنفها الأمم المتحدة الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار «جرائم الشرف». حيث يقدر خبراء عدد الجرائم المرتكبة بدوافع «الشرف» بنحو 300 جريمة سنويا يتم معظمها في دائرة المجتمعات الريفية والأحياء الفقيرة ضمن المدن . تعتبر وزيرة الشؤون الاجتماعية العمل العنف ضد النساء غير موجود في سوريا و الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ترف فكري. يبدو جليا أهمية الوعي بقضايا المرأة على صعيد القيادات السياسية ,كما يبدو أفق معالجة العنف ضد المرأة ضيقا وربما مسدودا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق