إحسان طالب
29-11-2007
نتباهى نحن العرب المسلمون بأهمية العامل الأخلاقي في تفكيرنا و تصرفاتنا و وجداننا ونشمخ بأنوفنا فوق قمم جبال الألب لأن التركيبة المدنية و القبلية لشعوبنا مازالت تحافظ على الروابط الاجتماعية و الدينية . و تسخر عقولنا من الغرب و حضارته و تقدمه لشيوع الجريمة في مجتمعاته و تبني الناس للحرية الجنسية و ضعف الوازع الأخلاقي في سياسات إداراته و ضمائر أفراده .
وجهات النظر تلك تحولت إلى قناعات بل إلى مسلمات تثقل العقل العربي المسلم بالإيمان بأزلية و أبدية المكانة العليا لخير أمة أخرجت للناس ، أمتنا التي تتفوق على الأمم الأخرى بأخلاقها و حضارتها و العلاقات الإنسانية و العائلية السائدة في مجتمعاتنا . وأمام الهزائم و الإخفاقات المتتالية ومع تنامي الفارق المادي الحضاري و الاختلال الرهيب في ميزان القوى و الإنجازات بين بلداننا و دول العالم ، تزداد زاوية الرؤيا ضيقا و انحرافا و تصنع المسلمات الموهومة سورا منيعا تقف حائلا دون أي إمكانية لولوج الحداثة و العقلنة في أدبياتنا و سياساتنا و خطابنا مما ينذر بطول أمد الركود و الجمود الحضاري و المدني ويسرع الخطوات نحو الخلف على طريق المزيد من الانتكاسات و التشتت و الضياع .
صور و أخبار :
في حلب الشهباء أحد أهم و أعرق المدن السورية و في أشهر ساحاتها العامة و أمام أعين الحشود من الرجال و الأطفال و النساء ينفذ حكم الإعدام شنقا بخمسة مجرمين تمت محاكمتهم خلال ستة أشهر و أدينوا بقرار محكمة عسكرية ، تتدلى الأجساد و تتأرجح في ظل هتافات الجموع بالفداء و الولاء .
ابنة التسعة عشر ربيعا فتاة القطيف السعودية يتم اختطافها مع شاب كانت برفقته ثم يتناوب الخاطفون السبعة على اغتصابها مرة تلو الأخرى ، يشيع الخبر في المملكة بعد تداول صور لعملية الاغتصاب ، يلقى القبض على الفتاة و تحاكم و تجرم و يحكم عليها بالسجن و الجلد ـ مائتا جلدة فقط ـ يدافع عنها زوجها و يبرؤها ،يصر الأستاذ الجامعي رئيس هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على تجريمها و تأثيمها بالرغم من كل المناشدات العالمية .
مفتى مصر الأكبر وبعد عدة حوارات و مراجعات و احتجاجات مازال يصر على صواب الحكم الشرعي الذي أفتى به كرد فعل تجاه أخبار نشرتها الصحافة عن مرض القائد الأعلى للدولة ، الحكم مؤداه جلد الصحفيين بدل من السجن استناد إلى فقه المذاهب ، في هذا الزمان لا ترى تلك الهامة العلمية و الشرعية ضيرا من التعذيب الجسدي للرأي المخالف .
الباحث الحقوقي و الناشط الإنساني المحامي أنور وجيه البني يحول ثانية إلى المحكمة العسكرية من سجنه في عدرا بعد التفتيش في أغراضه الخاصة التي وجد بينها ورقة ينتقد فيها وزيرة الشؤون الاجتماعية ـ المعصومة ! ـ سيحاكم البني ثانية على رأي كتبة بعدما حكم علية بخمس سنوات بتهمة إشاعة الوهن في عزيمة الأمة ! علامات المرض الشديد البادية على جسم البني ليست دليلا كافيا لتحويله إلى المستشفى للعلاج ، لكن ورقة مكتوبة بين أشيائه قرينة كافية للمحاكمة من جديد .
في مدينة البصرة العراقية مدينة التنوير في العهد العباسي تنتشر جماعات منظمة مدربة و ممولة تجوب الشوارع تكافح الحرية و تغتال الحياة ، تترصد النساء و تمارس تغير المنكر بالقتل و القطع و التخريب تسندها فتاوى و توجيهات تتعالى فوق كل القوانين و الأعراف و الدساتير ، الشك بممارسة عمل شائن في أية أنثى يستوجب القتل ، مخالفة اللباس الشرعي جريمة ، الغناء جريمة ، قصة الشعر المشابه لما يفعله شباب في كل أنحاء العالم حرام ، و الحكم على تلك الممارسات مباشر و تنفيذ العقوبة ميداني و فوري .
في المدن الكبرى المصرية وفي وسائط النقل العامة ارتفاع مقلق لظاهرة التحرش الجنسي لا تسلم منه النساء صغيرات أم كبيرات ، محتشمات أم متبرجات و حتى المنقبات ، و ما جريمة اغتصاب الأطفال و قتلهم ببعيدة . وفقا لإحصاءات رسمية تحدث في مصر جريمة اغتصاب كل ثلاثين دقيقة ، (وقد أورد اللواء " أحمد ضياء الدين مساعد وزير الخارجية " أرقاما مفزعة عن نتائج هذا التردي الأخلاقي من واقع دراسات اجتماعية ونتائج بحث، مؤكدا أن هناك 20 ألف حالة اغتصاب سنويًّا تقع في مصر طبقًا لإحصائية أصدرها المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وأن 60% من الإناث يتعرضن للتحرش الجنسي، ) وإفادة من دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة فإن 12% فقط من النساء اللاتي يتعرضن للتحرش يعلن عن حالتهن و يقدمن بلاغات للشرطة.
في مدينة دمشق تكررت حادثة غريبة حيث أقدم شباب على استخدام ابر طبية مليئة بسائل حمضي حارق و قاموا برش المحتويات على الجزء السفلي من أجساد فتيات يسرن في شوارع مزدحمة ، ووفقا لتحقيقات صحفية ميدانية لم تكن الفتيات يرتدين لباسا غير اعتيادي و فقأ للمقاييس السورية المتعارف عليها ،و اعتبر العديد من المعلقين الفتيات مذنبات لعدم تحليهن باللباس الشرعي ، كما اعتبر آخرون الفعل جريمة .
في دوحة قطر أظهرت دراسة حديثة أعدها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر أن نحو42% من النساء يؤيدن العنف الذي يمارس ضد المرأة ، و هي النسبة ذاتها في باكستان ، حيث 70% من جرائم القتل ضد النساء في الباكستان تتم على يد أزواجهن .
في المملكة العربية السعودية تزيد نسبة الطلاق عن 60%و أرجعت الدراسات أسباب ارتفاع نسب الطلاق إلى العنف الأسري و الإهمال ، حيث لا يشكل العامل المادي سببا للطلاق كما في البلدان الفقيرة ذلك أن المواطن السعودي ينفق أربعة أضعاف نظيره الأمريكي في مناسبة الزواج، بمعدل 375 ألف ريال،أما معدل تكلفة الأعراس في أمريكا فبلغ نحو 25,000 دولار (94 ألف ريال). و يبلغ معدل الدخل السنوي للسعودي 11,800 دولار سنوياً عام 2003م حين يبلغ معدل دخل المواطن الأمريكي 37,800 دولار ،أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف نظيره السعودي
في الكويت تسقط محكمة الاستئناف حكما بالسجن ضد أب قيد ابنه بالحبال من يديه وقدميه تحت الشمس الحارقة حتى الموت , و لم تجد المحكمة فعلا إجراميا يدان به الوالد ، وبررت المحكمة حكمها بعدم و جود سوابق إجرامية للأب . الغريب أن جثة الولد و العقوبة الجسدية الشديدة المطبقة علية لم تلفت نظر المحكمة و قررت الامتناع عن النطق بالعقوبة .
راقصة مصرية مشهورة تنتقد زميلاتها في الوسط الفني الراقص للتعري الفاضح لدرجة أنهن لا يرتدين ملابس داخلية تحت ثوب الرقص الشفاف ـ لعلها الشفافية الأوضح في العالم العربي ـ و بذلك يرتفع رصيدهن الشعبي و تهال عليهن العروض الفنية في حين أنها ـ أي الراقصة المحترمة ! ـ تحارب لارتدائها الملابس الداخلية تحت أثوبها الفاضحة .
في القاهرة اعتقلت سيدة مصرية قبطية و حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التزوير لأن والدها قبل خمسة و أربعين سنة ـ حيث كان عمر الجانية سنتين ـ اعتنق الإسلام نكاية بزوجته ثم عاد إلى المسيحية بعد ثلاثة أشهر ، و اعتبرت المحكمة المرأة مزورة لأنها ذكرت ديانتها المسيحية في عقد زواجها المبرم في 1982 أي قبل ربع قرن من صدور الحكم بسجنها .
في غزة تطلق الشرطة التابعة لحكومة حماس الرصاص الحي في مواجهة تظاهرة سلمية احتفالية لجماهير فتح بذكرى وفاة ياسر عرفات ، فتقتل ثمانية و تجرح 130فقط . الناطق باسم حماس يبرر العملية بالاستفزاز الذي مارسه المتظاهرون ضد حماس بترديدهم شعار شيعة ـ شيعة في مواجهة القوة ، إسماعيل هنية قرر تشكيل لجنة تحقيق في القضية .
في شمال شرق القاهرة تعلقت السيدة المصرية رضا شحاتة بمقدمة سيارة الشرطة لمنع اعتقال زوجة أخيها ، و حسب إفادة السائق فان الضابط الجالس بقربه أمره بالسير مسرعا " دوس الي يقف في طريقك "و بعد مئة متر من السحل والد حل سقطت جثة رضا خلف عجلات السيارة التي غادرت بمن فيها لا تكترث بمن خلفها ، انتشر الخبر و بعد أيام نشرت دار الإفتاء المصرية فتوى اعتبر فيها أنه لا يمكن إلقاء اللوم على السائقين عن قتل أناس يقفون عمدا أمام سياراتهم . الفتوى ليست للتبرير حسب المتحدث باسم دار الإفتاء ، لكن مدافعين عن حقوق الإنسان فهموا الفتوى كدفاع سياسي للحكومة ضد الشعب و أشار بعضهم أنه بمدلول الفتوى يحق للقاتل أن يطالب القتيل بالتعويض .
في الكويت مهندس كومبيوتر يطلق النار على زوجته و أولاده فيقتل الزوجة وابنه البكر 21عاما و ابنته 16عاما و أطلق النار على ابنته الثالثة 19عاما لكنه لم يتمكن من قتلها فتهرب مع أخيها الصغير 4 سنوات ، في التحقيق بعد ما ألقي القبض عليه أكد أنه لم يرتكب إثما و إنما كان ينفذ أوامر الإمام المهدي المنتظر الذي جاءه قبل يومين في الحلم و أمره بما فعل لأن زوجته و أولاده خرجوا عن طاعته،و شرح القاتل مخططة و أسباب قتل أبنه الأكبر في أول الأمر خشية من دفاع الشاب عن أمه و أخوته وقام الجاني بعد جريمته بجمع ملابسه و أخذ بقية بناته و هرب .....
الإشكال ليس في وجود الجريمة و ليس في و جود الفساد الاجتماعي و الأخلاقي بمفهومه الحقوقي ألأممي ، فتلك أمور موجودة و منتشرة في كل مكان في العالم ، إلا أن الأزمة الحقيقية هي في الهيكلية و البنية القانونية التي تسيطر على دوائر القرار في الدول العربية بما يسمح بتبرير و وظهور ما يصح و صفه بالجريمة الاجتماعية المبررة المدعومة قانونا تجاه الحريات و النساء . و في حال ارتقى القانون الوضعي لدينا و سما ليأخذ بعين الاعتبار المقاييس الإنسانية نجد الرقابة المجتمعية و المكون الأخلاقي المجسد للرؤية الوجدانية يسيطر على الفعل الاجتماعي و يمنع منافذ الحرية و الإعتاق من قيود التخلف و الأسطورة . و عندما يتضافر العرف مع القانون في مواجهة التخلف و الظلم تتكفل الفتاوى الشرعية برد الأمور إلى نصابها و تدعم الظلم و الاستبداد و ترسخ القيد ساعية للعودة بالأمة إلى ما قبل الدولة و القانون و الدستور .
في كل مرة نتواجه مع الأرقام و الإحصاءات و الحقائق ندفن رؤوسنا في التراب و نتبع الأساليب الثلاثة التقليدية في قبالة الخطر فتارة يكون التبرير سيد الموقف و تارة يكون الإنكار الملاذ و أخرى يكون فيها من السهل إلقاء اللوم على الخارج في كل ما نعانيه . نتجاهل الظواهر الاجتماعية المؤكدة على و جود الخلل الشديد و التفكك الواضح في بنية تفكيرنا الأدبي و السياسي وفي مكون جسدنا الأخلاقي و الاجتماعي . و النتيجة في كل الأحوال مزيد من الظلامية و الفقر و التخلف و الجهل و التسلط . يقتلنا الوهم بالتعالي و الأفضلية و الخيرية دون ما سوانا من الأمم و الشعوب و نمارس النفاق اللفظي و ندعي التواضع لكننا في قناعاتنا الراسخة ووعينا مازلنا نتوهم بأن الجبابرة يخرون سجدا إذا بلغ الفطام لنا صبي ! فنحن إلاهيون في أحزابنا السياسية و سماويون في قضايانا و نبلاء في معاركنا حتى و نحن نقتل ، انتحارنا استشهاد و هزائمنا خطوات على طريق النصر المؤزر و تفككنا إيذان بولادة أمتنا الوحدة التي لا تقهر .
إحسان طالب : كاتب سوري
29-11-2007
نتباهى نحن العرب المسلمون بأهمية العامل الأخلاقي في تفكيرنا و تصرفاتنا و وجداننا ونشمخ بأنوفنا فوق قمم جبال الألب لأن التركيبة المدنية و القبلية لشعوبنا مازالت تحافظ على الروابط الاجتماعية و الدينية . و تسخر عقولنا من الغرب و حضارته و تقدمه لشيوع الجريمة في مجتمعاته و تبني الناس للحرية الجنسية و ضعف الوازع الأخلاقي في سياسات إداراته و ضمائر أفراده .
وجهات النظر تلك تحولت إلى قناعات بل إلى مسلمات تثقل العقل العربي المسلم بالإيمان بأزلية و أبدية المكانة العليا لخير أمة أخرجت للناس ، أمتنا التي تتفوق على الأمم الأخرى بأخلاقها و حضارتها و العلاقات الإنسانية و العائلية السائدة في مجتمعاتنا . وأمام الهزائم و الإخفاقات المتتالية ومع تنامي الفارق المادي الحضاري و الاختلال الرهيب في ميزان القوى و الإنجازات بين بلداننا و دول العالم ، تزداد زاوية الرؤيا ضيقا و انحرافا و تصنع المسلمات الموهومة سورا منيعا تقف حائلا دون أي إمكانية لولوج الحداثة و العقلنة في أدبياتنا و سياساتنا و خطابنا مما ينذر بطول أمد الركود و الجمود الحضاري و المدني ويسرع الخطوات نحو الخلف على طريق المزيد من الانتكاسات و التشتت و الضياع .
صور و أخبار :
في حلب الشهباء أحد أهم و أعرق المدن السورية و في أشهر ساحاتها العامة و أمام أعين الحشود من الرجال و الأطفال و النساء ينفذ حكم الإعدام شنقا بخمسة مجرمين تمت محاكمتهم خلال ستة أشهر و أدينوا بقرار محكمة عسكرية ، تتدلى الأجساد و تتأرجح في ظل هتافات الجموع بالفداء و الولاء .
ابنة التسعة عشر ربيعا فتاة القطيف السعودية يتم اختطافها مع شاب كانت برفقته ثم يتناوب الخاطفون السبعة على اغتصابها مرة تلو الأخرى ، يشيع الخبر في المملكة بعد تداول صور لعملية الاغتصاب ، يلقى القبض على الفتاة و تحاكم و تجرم و يحكم عليها بالسجن و الجلد ـ مائتا جلدة فقط ـ يدافع عنها زوجها و يبرؤها ،يصر الأستاذ الجامعي رئيس هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على تجريمها و تأثيمها بالرغم من كل المناشدات العالمية .
مفتى مصر الأكبر وبعد عدة حوارات و مراجعات و احتجاجات مازال يصر على صواب الحكم الشرعي الذي أفتى به كرد فعل تجاه أخبار نشرتها الصحافة عن مرض القائد الأعلى للدولة ، الحكم مؤداه جلد الصحفيين بدل من السجن استناد إلى فقه المذاهب ، في هذا الزمان لا ترى تلك الهامة العلمية و الشرعية ضيرا من التعذيب الجسدي للرأي المخالف .
الباحث الحقوقي و الناشط الإنساني المحامي أنور وجيه البني يحول ثانية إلى المحكمة العسكرية من سجنه في عدرا بعد التفتيش في أغراضه الخاصة التي وجد بينها ورقة ينتقد فيها وزيرة الشؤون الاجتماعية ـ المعصومة ! ـ سيحاكم البني ثانية على رأي كتبة بعدما حكم علية بخمس سنوات بتهمة إشاعة الوهن في عزيمة الأمة ! علامات المرض الشديد البادية على جسم البني ليست دليلا كافيا لتحويله إلى المستشفى للعلاج ، لكن ورقة مكتوبة بين أشيائه قرينة كافية للمحاكمة من جديد .
في مدينة البصرة العراقية مدينة التنوير في العهد العباسي تنتشر جماعات منظمة مدربة و ممولة تجوب الشوارع تكافح الحرية و تغتال الحياة ، تترصد النساء و تمارس تغير المنكر بالقتل و القطع و التخريب تسندها فتاوى و توجيهات تتعالى فوق كل القوانين و الأعراف و الدساتير ، الشك بممارسة عمل شائن في أية أنثى يستوجب القتل ، مخالفة اللباس الشرعي جريمة ، الغناء جريمة ، قصة الشعر المشابه لما يفعله شباب في كل أنحاء العالم حرام ، و الحكم على تلك الممارسات مباشر و تنفيذ العقوبة ميداني و فوري .
في المدن الكبرى المصرية وفي وسائط النقل العامة ارتفاع مقلق لظاهرة التحرش الجنسي لا تسلم منه النساء صغيرات أم كبيرات ، محتشمات أم متبرجات و حتى المنقبات ، و ما جريمة اغتصاب الأطفال و قتلهم ببعيدة . وفقا لإحصاءات رسمية تحدث في مصر جريمة اغتصاب كل ثلاثين دقيقة ، (وقد أورد اللواء " أحمد ضياء الدين مساعد وزير الخارجية " أرقاما مفزعة عن نتائج هذا التردي الأخلاقي من واقع دراسات اجتماعية ونتائج بحث، مؤكدا أن هناك 20 ألف حالة اغتصاب سنويًّا تقع في مصر طبقًا لإحصائية أصدرها المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وأن 60% من الإناث يتعرضن للتحرش الجنسي، ) وإفادة من دراسة للمركز المصري لحقوق المرأة فإن 12% فقط من النساء اللاتي يتعرضن للتحرش يعلن عن حالتهن و يقدمن بلاغات للشرطة.
في مدينة دمشق تكررت حادثة غريبة حيث أقدم شباب على استخدام ابر طبية مليئة بسائل حمضي حارق و قاموا برش المحتويات على الجزء السفلي من أجساد فتيات يسرن في شوارع مزدحمة ، ووفقا لتحقيقات صحفية ميدانية لم تكن الفتيات يرتدين لباسا غير اعتيادي و فقأ للمقاييس السورية المتعارف عليها ،و اعتبر العديد من المعلقين الفتيات مذنبات لعدم تحليهن باللباس الشرعي ، كما اعتبر آخرون الفعل جريمة .
في دوحة قطر أظهرت دراسة حديثة أعدها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر أن نحو42% من النساء يؤيدن العنف الذي يمارس ضد المرأة ، و هي النسبة ذاتها في باكستان ، حيث 70% من جرائم القتل ضد النساء في الباكستان تتم على يد أزواجهن .
في المملكة العربية السعودية تزيد نسبة الطلاق عن 60%و أرجعت الدراسات أسباب ارتفاع نسب الطلاق إلى العنف الأسري و الإهمال ، حيث لا يشكل العامل المادي سببا للطلاق كما في البلدان الفقيرة ذلك أن المواطن السعودي ينفق أربعة أضعاف نظيره الأمريكي في مناسبة الزواج، بمعدل 375 ألف ريال،أما معدل تكلفة الأعراس في أمريكا فبلغ نحو 25,000 دولار (94 ألف ريال). و يبلغ معدل الدخل السنوي للسعودي 11,800 دولار سنوياً عام 2003م حين يبلغ معدل دخل المواطن الأمريكي 37,800 دولار ،أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف نظيره السعودي
في الكويت تسقط محكمة الاستئناف حكما بالسجن ضد أب قيد ابنه بالحبال من يديه وقدميه تحت الشمس الحارقة حتى الموت , و لم تجد المحكمة فعلا إجراميا يدان به الوالد ، وبررت المحكمة حكمها بعدم و جود سوابق إجرامية للأب . الغريب أن جثة الولد و العقوبة الجسدية الشديدة المطبقة علية لم تلفت نظر المحكمة و قررت الامتناع عن النطق بالعقوبة .
راقصة مصرية مشهورة تنتقد زميلاتها في الوسط الفني الراقص للتعري الفاضح لدرجة أنهن لا يرتدين ملابس داخلية تحت ثوب الرقص الشفاف ـ لعلها الشفافية الأوضح في العالم العربي ـ و بذلك يرتفع رصيدهن الشعبي و تهال عليهن العروض الفنية في حين أنها ـ أي الراقصة المحترمة ! ـ تحارب لارتدائها الملابس الداخلية تحت أثوبها الفاضحة .
في القاهرة اعتقلت سيدة مصرية قبطية و حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التزوير لأن والدها قبل خمسة و أربعين سنة ـ حيث كان عمر الجانية سنتين ـ اعتنق الإسلام نكاية بزوجته ثم عاد إلى المسيحية بعد ثلاثة أشهر ، و اعتبرت المحكمة المرأة مزورة لأنها ذكرت ديانتها المسيحية في عقد زواجها المبرم في 1982 أي قبل ربع قرن من صدور الحكم بسجنها .
في غزة تطلق الشرطة التابعة لحكومة حماس الرصاص الحي في مواجهة تظاهرة سلمية احتفالية لجماهير فتح بذكرى وفاة ياسر عرفات ، فتقتل ثمانية و تجرح 130فقط . الناطق باسم حماس يبرر العملية بالاستفزاز الذي مارسه المتظاهرون ضد حماس بترديدهم شعار شيعة ـ شيعة في مواجهة القوة ، إسماعيل هنية قرر تشكيل لجنة تحقيق في القضية .
في شمال شرق القاهرة تعلقت السيدة المصرية رضا شحاتة بمقدمة سيارة الشرطة لمنع اعتقال زوجة أخيها ، و حسب إفادة السائق فان الضابط الجالس بقربه أمره بالسير مسرعا " دوس الي يقف في طريقك "و بعد مئة متر من السحل والد حل سقطت جثة رضا خلف عجلات السيارة التي غادرت بمن فيها لا تكترث بمن خلفها ، انتشر الخبر و بعد أيام نشرت دار الإفتاء المصرية فتوى اعتبر فيها أنه لا يمكن إلقاء اللوم على السائقين عن قتل أناس يقفون عمدا أمام سياراتهم . الفتوى ليست للتبرير حسب المتحدث باسم دار الإفتاء ، لكن مدافعين عن حقوق الإنسان فهموا الفتوى كدفاع سياسي للحكومة ضد الشعب و أشار بعضهم أنه بمدلول الفتوى يحق للقاتل أن يطالب القتيل بالتعويض .
في الكويت مهندس كومبيوتر يطلق النار على زوجته و أولاده فيقتل الزوجة وابنه البكر 21عاما و ابنته 16عاما و أطلق النار على ابنته الثالثة 19عاما لكنه لم يتمكن من قتلها فتهرب مع أخيها الصغير 4 سنوات ، في التحقيق بعد ما ألقي القبض عليه أكد أنه لم يرتكب إثما و إنما كان ينفذ أوامر الإمام المهدي المنتظر الذي جاءه قبل يومين في الحلم و أمره بما فعل لأن زوجته و أولاده خرجوا عن طاعته،و شرح القاتل مخططة و أسباب قتل أبنه الأكبر في أول الأمر خشية من دفاع الشاب عن أمه و أخوته وقام الجاني بعد جريمته بجمع ملابسه و أخذ بقية بناته و هرب .....
الإشكال ليس في وجود الجريمة و ليس في و جود الفساد الاجتماعي و الأخلاقي بمفهومه الحقوقي ألأممي ، فتلك أمور موجودة و منتشرة في كل مكان في العالم ، إلا أن الأزمة الحقيقية هي في الهيكلية و البنية القانونية التي تسيطر على دوائر القرار في الدول العربية بما يسمح بتبرير و وظهور ما يصح و صفه بالجريمة الاجتماعية المبررة المدعومة قانونا تجاه الحريات و النساء . و في حال ارتقى القانون الوضعي لدينا و سما ليأخذ بعين الاعتبار المقاييس الإنسانية نجد الرقابة المجتمعية و المكون الأخلاقي المجسد للرؤية الوجدانية يسيطر على الفعل الاجتماعي و يمنع منافذ الحرية و الإعتاق من قيود التخلف و الأسطورة . و عندما يتضافر العرف مع القانون في مواجهة التخلف و الظلم تتكفل الفتاوى الشرعية برد الأمور إلى نصابها و تدعم الظلم و الاستبداد و ترسخ القيد ساعية للعودة بالأمة إلى ما قبل الدولة و القانون و الدستور .
في كل مرة نتواجه مع الأرقام و الإحصاءات و الحقائق ندفن رؤوسنا في التراب و نتبع الأساليب الثلاثة التقليدية في قبالة الخطر فتارة يكون التبرير سيد الموقف و تارة يكون الإنكار الملاذ و أخرى يكون فيها من السهل إلقاء اللوم على الخارج في كل ما نعانيه . نتجاهل الظواهر الاجتماعية المؤكدة على و جود الخلل الشديد و التفكك الواضح في بنية تفكيرنا الأدبي و السياسي وفي مكون جسدنا الأخلاقي و الاجتماعي . و النتيجة في كل الأحوال مزيد من الظلامية و الفقر و التخلف و الجهل و التسلط . يقتلنا الوهم بالتعالي و الأفضلية و الخيرية دون ما سوانا من الأمم و الشعوب و نمارس النفاق اللفظي و ندعي التواضع لكننا في قناعاتنا الراسخة ووعينا مازلنا نتوهم بأن الجبابرة يخرون سجدا إذا بلغ الفطام لنا صبي ! فنحن إلاهيون في أحزابنا السياسية و سماويون في قضايانا و نبلاء في معاركنا حتى و نحن نقتل ، انتحارنا استشهاد و هزائمنا خطوات على طريق النصر المؤزر و تفككنا إيذان بولادة أمتنا الوحدة التي لا تقهر .
إحسان طالب : كاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق