إحسان طالب
1-7-2007
هناك خلاف قديم ما زال قائماً ولم يحسم بعد حول ضرورة ودور المعتقدات الدينية السماوية في قيام الحضارات واستمرارها.
عرف التاريخ الحضاري الإنساني مجموعة من الحضارات العريقة البالغة التأثير في الماضي والحاضر ، قامت واستمرت لقرون عديدة و تجاوز عمرها آلاف
السنين وذلك قبل نزول الديانات السماوية الثلاث وتعد الحضارات الصينية و الفرعونية واليونانية الأقرب لنا جغرافيا وثقافيا ، و بالرغم من اعتناق الحضارة الرومانية للدين المسيحي بشكل رسمي عام 391م إلا أن تلك الحضارة استمرت بصيغتها الوثنية لعدة قرون تالية
وهنا نقف أمام إشكالية دور المعتقدات الدينية السماوية تحديدا في البناء ا لكلي الحضاري و أميز هنا بين جوانب ثلاثة :
ـ الجانب الأخلاقي
ـ الجانب العلمي و المعرفي
ـ نتاج الحضارة ، ثقافة وعمران
و بالبحث خاصة في الإطار المحصور في دائرة الإسلام السياسي نلحظ التباين ألاعتقادي بين الفرق الإسلامية ابتدءا من العهد النبوي ( ستفترق أمتي إلى بضعة و سبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة ) وحتى راهننا المعاصر ، ذلك أن الجماعات الدينية السياسية المتواجدة في الواقع العربي والإسلامي اليوم تكونت و نشأت وفقا لفكر أصولي مذهبي كحزب الدعوة في العراق و جماعة الأخوان المسلمين في مصر في حين قامت أحزاب سياسية دينية مرتكزة على أصولية دينية قومية كحزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا تحت وصاية الدستور العلماني التركي مما حد من غلو التأثيرات الأصولية على الحياة التركية و ترك الباب مواربا للاندماج في النسيج الحضاري العالمي و الانتقال من الصراع الحضاري إلى التنافس الاقتصادي و السياسي و محاولة التمازج مع مكونات الحضارية غير المسلة ، و يتجلى ذلك في السعي الحثيث للحكومة التركية الإسلامية الحالية بقيادة أردغان للانضمام للاتحاد الأوربي . في حين نرى الصعوبة البالغة لدى تيارات الإسلام السياسي المتواجدة في ظل دساتير لا تنصص صراحة على فصل السياسة عن الدين كما هو الحال في باكستان التي تشهد نمواً متزايدا لسيطرة الأصولية المتشددة على الشارع الباكستاني بما يساهم في الانفصال الحضاري عن العالم و رفع و وتيرة الصراع و العمل الحثيث على التطبيق الحرفي للنصوص الشرعية ما أفرز جماعات متطرفة عنيفة تدعم التغير بالقوة و بادرت لتطبيق أيديولوجياتها فأحرقت ما تحتويه مكتبات ألأقراص cd من موسيقى و فن و فكر لا ينطوي تحت السقف الفقهي المتعارف علية و ذهبوا أبعد من ذلك إلى تأسيس محاكم ميدانية شرعية لا تعتمد القانون المدني الباكستاني بل تعود إلى الفقه المذهبي في أحكامها. ( 1 )و رفعوا السيوف تحت رايات الموت أو تطبيق الشريعة .
من هذه البداية تحديدا ـ ينبغي أن تنطلق دراسات تبحث في ضرورة و أهمية و تأثير العامل الديني في حياتنا المعاصرة
واعتماد المنهج الانثروبولجي ( علم دراسة الإنسان ) و علوم التاريخ المنهجية عند تناول علاقة الدين بالإنسان و الدولة و المجتمع و بذلك تدخل كل المنتجات الحضارية الإنسانية مع الإسلامية على حد سواء بغض النظر عن التقويم العقائدي ، بنفس الطريق التي سار بها ابن رشد و ابن سينا و الفارابي و الشيرازي و غيرهم من علماء وفلاسفة المسلمين كأعلام اثروا و اثروا في مسيرة الحضارة البشرية بشكل عام و الإسلامية بشكل خاص .
"إن الحضارة ليست منجزاً دينياً إنما هي منجز إنساني مفتوح ساهمت فيه البشرية من كل ملة و دين و لون و عنصر ، و لم يقم الدين يوماً بصناعة حضارة فهذه شئون إنسانية بحت ، فالحضارة ينتجها هيكل مدني مستقر : من النجار إلى الفلاح إلى السمكري إلى الطبيب إلى المهندس إلى القانون إلى نظام الدولة الهيكلي التراتبي الوظيفي و البيروقراطي .
و قد نجح الوثنيون في إقامة حضارات عظمي فلو كانت الوثنية معيبة ما أنتجوا و لا تحضروا ، و هو مما يعني أنه لا علاقة للدين وثنياً أو سماوياً بالتحضر و إقامة الدول ، فلم يثبت أن نبياً واحداً قد أقام هرماً أو مستشفي أو سد مياه ، و إذا كان من مهام الدين إقامة الدول و الحضارات فأين هي دولة إبراهيم و دولة نوح و يوسف و الخضر و ذي الكفل و ذي النون و أين حضاراتهم ؟ ألم تترك أي أثر ؟ "(3)
للأصولية رؤية خاصة للحضارة و انجازاتها:
منذ القرن الثاني من عمر الخلافة الإسلامية سعى علماء و فقهاء لكسر الطوق الصارم على المفروض على العقل الإنساني من قبل التفسير و التأويل الثابت للنص القرآني و حاول المعتزلة النهوض بمكنة العقل ليرتقي إلى مستوى النص و اعتبروا العقل أعظم مخلوق و لم يخلق أعظم منه و بذلك عدوه المرجع الأهم في النزاعات الاعتقادية و الفقهية و أوجدوا قواعد تساعد في ترسيخ مكانة البحث الفكري الإنساني، إلا أن تلك المحاولات المبكرة و التي ساهمت في الاندماج الحضاري للفكر و التفكير الإسلامي لم يكتب لها النجاح ، و بقيت معزولة و معتزلة .
و في الجانب الآخر كانت الأصولية المبكرة ترسخ أقدامها و تثبت قواعدها على حساب حرية العقل و البحث و ا ارضخ الفكر و التفكير لمحدودية النص و التفسير مما أعاد الصراع الحضاري إلى دائرة الإخضاع و التغير .
تختصر الرؤية الأصولية للحضارة المنجز الإنساني بالمقياس الديني و تعتبر القرب أو البعد عن النص المقدس و تفسيراته أساسا للتصنيف الحضاري ، والقيمة الحقيقية للحياة و الإنسان مرتبطة بتلك المسافة الواقعة بين النص و تجلياته من جهة و بين ما عده في الناحية الأخرى . فكلما توافق المفهوم الحضاري مع المقرر النصي كلما عد حضاريا و إنسانيا و العكس صحيح ،
فالكافر ضمن المنظومة الأصولية مهما على شأنه العلمي و الثقافي و المعرفي لا يرتقي إلى مرتبة الإنسان إلا بالإيمان المحدد و المنضبط بالقواعد و الأصول المنصوص عليها :
الفرقان 25 44 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا
الأعراف 7 179 وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
وفقا للتفسير الظاهري و السلفي للنص القرآني لا تزيد قيمة الإنسان المختلف دينيا أو حتى مذهبيا عن قيمة الحيوان بل هي ادني من ذلك كون الحيوان لا يعارض أوامر و نواهي الشريعة وما يفعله لا يعدو كونه جري وراء الغريزة في حين أن الإنسان المسلح بالعقل و العلم و المعرفة ذو مكانة أدنى من الأنعام باعتبار انه ضال أو غافل .
" ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " أَمْ تَحْسَب أَنَّ أَكْثَرهمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ" الْآيَة أَيْ هُمْ أَسْوَأ حَالًا مِنْ الْأَنْعَام السَّارِحَة فَإِنَّ تِلْكَ تَفْعَل مَا خُلِقَتْ لَهُ وَهَؤُلَاءِ خُلِقُوا لِعِبَادَةِ اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَلَمْ يَفْعَلُوا وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْره وَيُشْرِكُونَ بِهِ مَعَ قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَإِرْسَال الرُّسُل إِلَيْهِمْ ." تفسير ابن كثير
" إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ
أَيْ فِي الْأَكْل وَالشُّرْب لَا يُفَكِّرُونَ فِي الْآخِرَة .
بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
إِذْ لَا حِسَاب وَلَا عِقَاب عَلَى الْأَنْعَام . وَقَالَ مُقَاتِل : الْبَهَائِم تَعْرِف رَبّهَا وَتَهْتَدِي إِلَى مَرَاعِيهَا وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا الَّتِي تَعْقِلهَا , وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْقَادُونَ وَلَا يَعْرِفُونَ رَبّهمْ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ . وَقِيلَ : لِأَنَّ الْبَهَائِم إِنْ لَمْ تَعْقِل صِحَّة التَّوْحِيد وَالنُّبُوَّة لَمْ تَعْتَقِد بُطْلَان ذَلِكَ أَيْضًا . " تفسير القرطبي
" أَمْ تَحْسَب } يَا مُحَمَّد أَنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ { يَسْمَعُونَ } مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ , فَيَعُونَ { أَوْ يَعْقِلُونَ } مَا يُعَايِنُونَ مِنْ حُجَج اللَّه , فَيَفْهَمُونَ ؟ ! { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ } يَقُول : مَا هُمْ إِلَّا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَعْقِل مَا يُقَال لَهَا , وَلَا تَفْقَه , بَلْ هُمْ مِنْ الْبَهَائِم أَضَلّ سَبِيلًا ; لِأَنَّ الْبَهَائِم تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا , وَتَنْقَاد لِأَرْبَابِهَا , وَهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة لَا يُطِيعُونَ رَبّهمْ , وَلَا يَشْكُرُونَ نِعْمَة مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ , بَلْ يَكْفُرُونَهَا , وَيَعْصُونَ مَنْ خَلَقَهُمْ وَبَرَأَهُمْ . " تفسير الطبري
تلك الخلفية الإيمانية لقيمة الإنسان يقابلها إسقاط عملي يتجلى بسهولة إهدار دم أو قتل الآخر كونه كائن مقيت و كريه غير جدير بالاحترام و التقدير رغم كل ما قدمه للبشرية من منافع و فوائد و خيرات . وهذا ما يفسر جانبا من العنف و القتل الذي تمارسه جماعات و تنظيمات أصولية تنتشر في مختلف بلدان العالم
. في تعليق للأبي حمزة المصري الناشط الإسلامي البريطاني المتشدد و المعتقل حاليا ، على جنسيته البريطانية و ما يتمتع به من حرية في موطنه الجديد قال أن بريطانيا لا تعني له أكثر من دار لقضاء الحاجة ، ذلك التفسير لم يأتي من فراغ أو من وجهة نظر شخصية بل هو من تداعيات المفهومات و التأويلات لعديد من النصوص
الفرقان 25 23 وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا
" وَقَوْله تَعَالَى : " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل" الْآيَة هَذَا يَوْم الْقِيَامَة حِين يُحَاسِب اللَّه الْعِبَاد عَلَى مَا عَمِلُوهُ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُل لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَنْجَاة لَهُمْ شَيْء وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فَقَدَتْ الشَّرْط الشَّرْعِيّ إِمَّا الْإِخْلَاص فِيهَا وَإِمَّا الْمُتَابَعَة لِشَرْعِ اللَّه فَكُلّ عَمَل لَا يَكُون خَالِصًا وَعَلَى الشَّرِيعَة الْمَرْضِيَّة فَهُوَ بَاطِل فَأَعْمَال الْكُفَّار لَا تَخْلُو مِنْ وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ وَقَدْ تَجْمَعهُمَا مَعًا فَتَكُون أَبْعَد مِنْ الْقَبُول حِينَئِذٍ " تفسير ابن كثير
" مَضْمُون الْآيَة وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا أَعْمَالًا اِعْتَقَدُوا أَنَّهَا عَلَى شَيْء فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى الْمَلِك الْحَكَم الْعَدْل الَّذِي لَا يَجُور وَلَا يَظْلِم أَحَدًا إِذَا إِنَّهَا لَا شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ وَشُبِّهَتْ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْءِ التَّافِه الْحَقِير الْمُتَفَرِّق الَّذِي لَا يَقْدِر صَاحِبه مِنْهُ عَلَى شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :" مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالهمْ كَرَمَادٍ اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيح " تفسير ابن كثير
إن تلك المفاهيم و تلك التفسيرات لم يطرأ عليها أي تعديل أو تصويب ومازالت معتمدة و مقبولة بالكامل من قبل العلماء و المفكرين الإسلاميين التقليدين و لم يتطرق إليها من باب النقد و المراجعة بل غدت أكثر قوة كمسندات معتمدة يعد تخطيئها إثما و ربما خروج عن الملة و الجماعة مما ساهم في الحجر على حرية التفكير و إحباط محاولة السعي لإيجاد صيغ تأويلية تعود بالنص إلى القيم السامية التي جاءت الدعوة لترسيخها . و تبدو خطورة تلك التأويلات جليه إذا ما علمنا بان كلمة الكافر في المفهوم الأصولي تعني الآخر الذي لا يتطابق مع المعتقد الإجمالي و التفصيلي ، حيث يعد أي خروج جزئي عن الإيمان كفرا ولا يعد ذلك الفهم مبالغا فيه ، شيخ الأزهر أضاف ركنا سادسا لأركان الإسلام و هو تكريم صحابة الرسول و تنزيههم و النقد أو التخطيء لهم يعد طعنا بالدين و فضا لركن من أركانه و عليه يكون ناقد الصحابة أو مخطئهم كافر ! فمسألة التكفير رغم جلالتها إلا أنها في متناول أي متشدد يرى في الأخر اختلافا أو تباينا (2)
فالمنجز الحضاري التراكمي العلمي و المعرفي و ا لجمالي الإنساني بكل عظمته شبيه بذلك الشيء الحقير التافه المتفرق الذي لا يقدر عليه صاحبة طالما انه خارج قواعد و ضوابط الشريعة المرضية , وفقا لتلك التفاسير و تلك المفاهيم أصبحت الغربة و الهوة بعيدة جدا بين مفهوم الحضارة الإنسانية القائم على مثل الحرية و العدالة و المساواة و حقوق الإنسان الشامل لكل الحضارات البشرية المتنوعة و المختلفة و بين مفاهيم الأصولية المتشددة المؤسسة لفكر و ثقافة الإسلام السياسي المتطرف مما يتسبب في الانخراط في حالة صراع دائم و مستمر لا ينتهي إلا بالإخضاع أو الهزيمة . و يرسخ لحالة التناحر و التناطح القائمة بين الثقافات و المعتقدات و تغيب إثر ذلك فرص الحوار و والتنافس السلمي المدني لتحل محلها رغبا ت السيطرة و التملك .
الأصولية الأخرى :
طالما أنك تنظر إلى الآخر بذلك القدر من الدونية و الانحطاط فانك لن ترضى إلا بتغيره أو تغيبه بالطريقة التي تراها مناسبة كالقتل أو الإذلال و الاسترقاق المعنوي و المادي ، ولا تخرج الرغبة لدى اليمين المحافظ في أمريكا بالهيمنة و السيطرة على العالم عن ذلك المنطق مع الاختلاف في التفسير والتبرير فالأصولية المتشددة و الأمركة المتطرفة يعتقدان بالأفضلية و الخيرية التي تسمح بالإنفراد بفرض رؤية شمولية محدودة و سيطرة المطلقة . و هنا تلمس تفسيرا مقاربا لذلك الصراع و العداء الحضاري بين التطرف الديني و التطرف الأمريكي فكلاهما يسعيان للانفراد و الهيمنة على العالم وفقا لتصورات مسبقة و الفارق في الإمكانات و القدرات و الأساليب.
لقد ساهمت تلك الرؤية الدينية للصراع في تأجيج حدة التطرف و ساعدته في كسب متزايد للمؤيدين و الأنصار، (نقل عن الأمير نايف وزير الداخلية قوله: "نحن نواجه عشرة آلاف شخص يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية ومليون شخص مستعدين لدعمهم. وينبغي أن نركّز جهود على المليون شخص، وأن نحول بأي ثمن دون أن يقعوا في الجهة الأخرى" ).شفاف الشرق الأوسط 7/3/07 فإذا كان الوضع هكذا في دولة مستقرة نسبيا امنيا و سياسيا فكيف هو الحال في دول و مناطق تعاني من الاضطرابات الأمنية و السياسية و تكتنفها الصراعات المذهبية و العرقية !
عندما يعتبر الرئيس الأمريكي بوش الابن أن حربه التي يقودها ضد الإرهاب صليبية مقدسة يخوضها نيابة عن الله لا يختلف كثيرا في رؤيته تلك عن من يخوض حربا إسلامية جهادية كخليفة لله ،- مع الفارق بالأهداف و الغايات - لقد أثارت التوجهات الدينية للسياسة الأمريكية حفيظة الأصوليين المتشددين و المتطرفين و رأوا أنهم أولى بالحرب المقدسة و الجهاد باعتبارهم أصحاب الديانة الصحية و السليمة الخالية من عيوب و نقائص الديانات الأخرى فلماذا لا يبادرون للغزو و القتال خاصة و أنهم يملكون تراثا عريقا يؤصل لأفكار و أعمال تعتبر الموت غاية و قتل المختلف واجبا . و لا يعني ذلك تبريرا أو تقليلا لخطورة التطرف ، بل هو سعي لفهم الدوافع و الأسباب المسمدة و المخصبة لتربة التطرف و الإرهاب. فهجمات 11/9 الإرهابية كانت سابقة للغزو الأمريكي لأفغانستان و العراق إلا أن إسباغ الصفة و اللون الديني للصراع من قبل الإدارة الأمريكية ساهم بشكل فعال في توسيع دائرة الاحتراب و أكسب التطرف و التشدد أدوات يتسلح بها لكسب المترددين و المتشككين و غدا لسان حاله يقول انظروا إلى الطرف الأخر هو يحاربنا أيضا بسبب إسلامنا وليس لآي سبب أخر و ذلك يعني إننا لم نكن مخطئين عندما بادرناه بالحرب و الجهاد ، و إذا كانت الحرب دينية فنحن أحق بها و أهلها . لقد باتت تلك الحجة من ضمن رزمة من الحجج يسوقها المتشددون في سياق عرضهم لو جهة النظر و المبررات التي تدفع جماعات من الأجيال الصاعدة و الشباب للانخراط في أتون الحركات الجهادية التكفيرية و تقع فريسة لقيادات و زعامات محدودة العلم و الثقافة تختفي وراء جملة من الشعارات و العناوين العامة البراقة الخادعة كأبي مصعب ألزرقاوي الذي ألهم الآلاف من الشباب لخوض معارك القتل و التدمير وهو بشهادة أقرانه محدود التعليم محدود الثقافة بضاعته مجزاة من علوم الشريعة و الفقه .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشكلة المركزية تتعلق بالتفسير و التأويل أكثر مما تتعلق بالنص ذاته ذلك أن النص المقدس مازال مفتوحا أمام تفسيرات و تأويلات جديدة و مغايرة لما نقل عن السلف تتيح الحصول على أفكار و مناهج أقرب إلى الاندماج في النسيج الحضاري العالم انطلاقا من فهم أكثر و أشمل إنسانية و عقلانية من التفسير السلفي الأصولي للنص الذي ترتكز عليه جماعات الإسلام السياسي المتشددة و التي تزداد غربة و تباعدا بأعمالها و ممارساتها المبنية على فهم محدد منقول أكتسب مع الأيام صفة القداسة العملية حتى باتت مخالفته أو الخروج عنه مبرر للتكفير و التضليل و الإرهاب .
لقد غدا القول بمراجعة عقلية نقدية للتراث النصي و الفقهي الذي تراكم و تضخم عبر ما يزيد على أربعة عشر قرنا ضرورة تفرضها الحالة المتردية و المشاكل المتنامية و الأزمات العميقة التي تواجهها الدول و المجتمعات العربية و الإسلامية التي جربت الطريقة الأصولية للإسلام السياسي في ممارسة الحكم و المواجهة في العديد من البلدان العربية و الإسلامية من السودان إلى أفغانستان و العراق و فلسطين ، مما تسبب في تدهور ملحوظ في البني الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و رفعت من وتيرة الصراع و الاحتراب بين مختلف التنوعات و التوجهات داخل المكون الإجمالي الداخلي للعرب و المسلمين ، و بين الكيانات و البنى البشرية و الفكرية و الثقافي المختلفة عنه في الخارج حتى بات الإنسان العربي يخشى هدر حياته لأسباب و مبررات لا تنتهي ، و بات التفكير بالمستقبل و الحياة الكريمة و هما و خيالا تتقدمه أوليات التطبيق الحرفي و الفهم الظاهري لكل ما ثبت أو صح نفله عن السلف بدون أية اعتبارات علمية أو عقلية .
الإنسان بما يملكه من إمكانات ذهنية و مهارات عملية استطاع منذ القدم تطوير و تطويع ذاته و بيئته بما يسمح له بالاستمرار في الوجود و بناء مجتمعة و حضارته بمعزل عن الارتباطات الغيبية و هيمنة الأسطورة على مجريات و تفاصيل حياته ، لقد كانت الحضارات القديمة الكبرى سابقة على الديانات السماوية ، و استمر السعي البشري في البناء الحضاري إبان القرون الطويلة التي رافقت سيرورة الوحي و التنزيل ، و ما زال البشر قادرون على استنباط و استخراج ما ينظم معاشهم حاضرا و مستقبلا بمعزل عن الوصاية و الهيمنة الراديكالية بكل أشكالها التاريخية و المعرفية .
نتيجة البحث :
الحضارة وما تنتجه و تفرزه من أشكال الفن و الجمال و ما استطاعت الوصول إليه من تطور مذهل في ميادين العلم و المعرفة هي صنع بشري إنساني تراكم و تكامل و فقا لمنظومة أنثر وبيولوجية كان للأديان دور بارز في صيرورتها ، إلا أن العلاقة بين الحضارة و الغيب ليست شرطا لو جودها أو استمرارها . و لقد شكلت الأصولية على الدوام عائقا حضاريا و قف ممانعا و معارضا لمسيرة العلم و المعرفة , في أوربا القرون الوسطى و في راهن العرب و المسلمين كما كان عليه الحال في مراحل عدة من التاريخ الإسلامي
هوامش :
1ــ بيشاور - أ ف ب
أعلنت الشرطة الباكستانية أن أشخاصا ينتمون لجماعات إسلامية متطرفة على الأرجح فجروا ليل الخميس الجمعة 4-5-2007 عشرات متاجر الموسيقى في شمال غرب البلاد.
واستهدفت التفجيرات ثلاثة أسواق في مدينة شارسادا الواقعة على بعد 20 كلم شمال شرق بيشاور عاصمة إقليم الحدود الشمالية الغربية, حسبما أعلن مسئول في شرطة الاقليم، وقد كانت كافة المتاجر المستهدفة مقفلة إثناء تفجيرها ولم يفد عن وقوع إصابات.
وتلقى مالكو هذه المتاجر التي تبيع كاسيتات وأقراصا مضغوطة في الآونة الأخيرة رسائل تهديد من ناشطين محليين في حركة طالبان طالبتهم بالتوقف عن بيع الموسيقى التي يعتبرون أنها تتعارض والشريعة الإسلامية.
ويوم السبت الماضي وقع تفجير انتحاري في شارسادا إثناء إلقاء وزير الداخلية افتاب شرباو كلمة في تجمع ضم نحو 400 شخص ما أسفر عن مقتل 28 شخصا وإصابة الوزير بجروح طفيفة.
ويضم إقليم الحدود الشمالية الغربية الذي يحكمه تحالف من ستة أحزاب إسلامية منطقة القبائل الحدودية مع أفغانستان معقل الناشطين الإسلاميين القريبين من طالبان والمفترضة علاقتهم بتنظيم القاعدة
2 ــ
الأحد 29 أبريل 2007م، 12 ربيع الثاني 1428 هـ
دبي- فراج إسماعيل :العربية نت
ـ من جهته قال الشيخ عبدا لله مجاور مدير مكتب شيخ الأزهر إن د. سيد طنطاوي طالب في محاضرة ألقاها في مسجد "النور" بالعباسية بوقف هذه الحملات ضد الصحابة وقال "إن ما يحدث ليس معقولا، فكيف نهاجم الصحابة الذين ذكاهم الله ورضي عنهم، والرسول يقول فيهم: أصحابي كالنجوم بأي اهتديتم اهتديتم، ويقول في معنى حديث آخر: من عاداهم فقد عادى الله سبحانه وتعالى ورسوله".
وأضاف بأن شيخ الأزهر تساءل: كيف نعيب على صحابي من صحابة رسول الله، بينما هو ينقل عنه سنته وأحاديثه، ولذلك طالب بالابتعاد عن اي صحيفة تخوض في هذا الكلام.
أما الصحافي محمد الباز الذي كتب سلسلة المقالات عن أبو هريرة في جريدة "الفجر"
فقال إنه لم يتناوله بشكل متعمد ولم يوجه له سبابا، وإنما كان يعرض كتابين يباعان في السوق وهما "جناية البخاري" لزكريا أوزون، و"شيخ المضيرة" لمحمود أبورية، ولم يقل بصحة ما فيهما من أراء لأنه غير متخصص، ولكنه طلب من العلماء المتخصصين الرد على هذا المضمون، وهل هو كلام صحيح أو غير ذلك.
وأضاف لـ"العربية.نت": لا توجد عندي أي خصومة شخصية ضد البخاري أو ضد أبو هريرة، وإنما سعيت فقط لمعرفة أراء المتخصصين، لأن الناس تقرأ مثل هذه الكتب، وتريد من يصحح لها هذه المعلومات، وقد طلبت شخصيا من الشيخ صفوت حجازي أن يرد في "الفجر" وسنعطيه نفس المساحة، ولكنه رفض وقال إن له منبره الإعلامي الذي سيرد من خلاله، وفعل ذلك من خلال حلقه من برنامجه التليفزيوني تضمنت تحريضا شديدا على الجريدة، مشيرا إلى أن مبيعاتها لم تتأثر حتى الآن.
واستطرد محمد الباز بأن "شيخ الأزهر أفتى أيضا بمقاطعة الجريدة، وزاد على ذلك بأن اعتبر توقير واحترام الصحابة ركنا سادسا من أركان الإسلام. لكنني أعتقد بأن كلام شيخ الأزهر راجع لخلافه مع الجريدة التي نشرت له قبل فترة صورة على الغلاف عندما أعلن عن نيته زيارة الفاتيكان، وكانت هذه الصورة موضع استياء منه".
سيد القمني: الحوار المتمدن - العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 3ـــ.