المقدمة :
يرى كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين أن كل مشاكل المجتمعات والدول الإسلامية تحل بالعودة إلى النصوص والأصول وهي بدورها ستتكفل بالعمل على صنع المعجزات وحل الأزمات وتحقيق سيادة الأمة وحضارتها مثلما فعلت منذ قرون عديدة كما يظنون.
متجاهلين حقيقة أن النصوص المأثورة بحاجة إلى مراجعة وتدقيق لما تشتمل عليه من تناقضات وتضارب بين العموميات والتفاصيل. ودراستنا هذه محاولة لبيان هذه الحقيقة وسعي لإدخال التفكير العقي النقدي في مجال دراسة المأثور والمنقول من التراث الثقافي الديني المشكل للبنى الاجتماعية والثقافية والعقلية السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية.
المرأة والعبودية للرجل:
تأخذ الكلمة أبعاداً جديدة عندما تضاف إلى المرأة وتغدو الحرية خاصة ذات قيمة إضافية لحظة اقترانها بالأنثى، وتكمن المشكلة الحقيقية في القيود الأدبية والاجتماعية المضافة إلى القواعد التشريعية والقانونية التي تحيط بالمرأة من قبل ولادتها وحتى لحظة الوفاة. ولقد كانت هذه الضوابط شديدة القسوة، بالغة الغلظة عندما تتعلق بالشرف والكرامة وبحجة البعد عن الفاحشة والخطيئة. وتتفاقم الأزمة عندما تتحالف الضوابط الاجتماعية التي تراكمت عبر قرون من التأخر والتخلف مع الحدود المنصوص عليها شرعاً، بما يدعو إلى مراجعة تلك النصوص والبحث في مضامينها ومدلولاتها ومفاهيمها.
الرجل مقابل المرأة أخاً أو أباً أو زوجاً وحتى ابناً. هو السيد الولي المتصرف في الحاضر والمستقبل، له حق الوصاية والانتداب. والمرأة قبل الزواج مرهونة بقراراته وأوامره وعندما تتزوج تتفاقم المشكلة لأبعد الحدود فتغدو المرأة عابدة حقيقية بالنص المحقق والواجب المقدس للرجل. ولا يخفف من ذلك دعاوى تطالب بالرفق والمعاشرة بالمعروف أو العدل الظاهري أو المساواة في أصل الخلق.
المرتبة والشهادة:
اعتبر الفكر الديني الرجل رمزاً لكمال العقل البشري وصورة لجمال وقوة الجسد وكثيراً ما يضرب المثل للدلالة على جمال الذكر بالتشابه بين الإنسان وبقية المخلوقات مثل الطيور وبعض الحيوانات الأخرى. فالطاووس الذكر جميل وضخم وأنثاه بشعة وضئيلة وكانت هذه الأمثلة تعتبر المسألة ذات دلالة قوية على فطرة الله التي خلق الناس عليها. ولم تكن القضية لتأخذ هذا التوكيد وهذا الرسوخ إلى لوجود بناء فكري متين يستند إلى الكثير من الأدلة والنقول المباشرة وغير المباشرة التي أكدت على تميز الرجل على المرأة بحكم أن الذكر كان دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد، فكل الرسل والأنبياء كانوا من الرجال وحتى الملائكة لا تجوز نسبتهم للأنثى، ولا يستبعد أن تعد مثل هذه النسبة كفراً.
وفي الوقت الذي عاب فيه القرآن على أهل الجاهلية وأد البنات وحرم هذه الفعلة الشنيعة التي كان سببها الخشية من عار السبي والفقر وعد الحزن عند ولادة الأنثى سوء فهم وحكم، وإلى جانب آيات مثل ((ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن)) النساء 124 والتي توحي بالمنزلة الواحدة والمرتبة المتساوية نزلت آيات دلت دلالة أكبر على تميز الذكر على الأنثى ورفعة مكانته وعلو منزلته ((وليس الذكر كالأنثى)) آل عمران 36 ((ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى)) النجم 21,22 ((إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)) النجم 27.
وتدل الآلات في سياقها والآيات التي تليها باختصاص الذكر من حيث اعتباره الأقرب في صفاته الجسدية والعقلية إلى الكمال البشري مما يبرر اعتبار الأنثى أقل منزلة ومرتبة رغم ما ورد من إشارات أو دلالات عامة. وكما هو معلوم في أصول الفقه فإن الخاص يحكم العام، فإذا جاء نصان في مسألة واحدة أحدهما عام والآخر خاص كان الحكم للنص المخصص واعتبر النص العام مخصصاً أي لا يبقى على عمومه فالتخصيص أقوى من التعميم.
في مثل هذه الأرضية ومثل هذه التربية نشأ الاعتقاد والقناعة بصغر عقل المرأة تأسس عليه أحكام شرعية وقانونية ما زالت تمارس وتطبق إلى يومنا هذا في الغالبية العظمى من الدول الإسلامية. فهي لا تصلح للشهادة في عقود الزواج والطلاق أما في العقود المدنية الأخرى فشهادتها النصف الغير متكافئ ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)) البقرة 282 .
ولماذا امرأتين؟ لأن الأنثى قد تضل والضلال هنا بالنسيان والقصور لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال والآية تدل عدم قبول العقد بشهادة النساء فقط (وأنها لا تجوز شهادة النساء إلى مع الرجل ولا وحدهن) الشوكاني فتح القدير ج1 306 . إلا في بعض الحالات التي تقتضي السرية وعدم إطلاع الرجل على عورة المرأة حتى ولو كان طبيباً أو خبيراً مؤهلا. فالنساء ولو كن أربعة لا يستطعن الشهادة على عقد شرعي أو مدني إذ لا بد من وجود العنصر الذكري ليستقيم العقل. وهنا أتخيل كم من المعاملات والعقود المدنية والتجارية والاعتبارية التي ستهدم في حال تطبيق هذا الحكم ولست أبالغ بأن وجه التعاملات المدنية والقانونية سيختلف تماماً لو أراد الأصوليون تطبيق مثل هذا الحكم لذلك نجد أنه غير معمول به في عدد كبير في الدول الإسلامية في مجال العقود المدنية. ولكن فيما يخص العقود الشرعية وحتى في الدول التي صارت فيه المرأة وزيرة ونائبة وقاضية كسوريا مثلا فإن قانون الأحوال الشخصية ينص على عدم قبول شهادة المرأة في الزواج والطلاق، كما لا تجوز ولايتها على البنت القاصر ليس حفاظاً على القاصر، ولكن لعدم الاعتراف بأهلية المرأة للولاية، فالرجل يستطيع تزويج القاصر باعتباره ولياً عليها. وهنا التأكيد من جديد على المكانة والامتياز حتى في المجال ألاعتقادي والإيماني الذي يبرز فيه بشدة تمييز الرجل عن المرأة بحكم أن الذكور كانوا دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد وأعني الأنبياء والرسل. وفي النصوص التي جاءت في الأساس لتحقيق المساواة في الرتبة لا بد وأن تشير بطريقة ما إلى الدرجة التي يرتقيها الرجل أعلى من الأنثى ((إن المسلمين والمسلمات....والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) الأحزاب 35.
وهكذا تتوافر النصوص الدالة على رفعة الذكر وامتياز عقله وجسده وعاطفته وحتى إيمانه واعتقاده لشيوعها ورسوخها في أصول التعامل المدني والاقتصادي وعليه كان لزاماً انتشار ثقافة احتقار المرأة ودونيتها. والإشكال الرئيس هنا أن النصوص التي أشارت إلى المساواة والمنزلة الواحدة ليست واضحة تماماً وهناك مجال كبير لإخراجها عن عمومها بالنصوص الخاصة والأشد وضوحاً وكل ذلك أسس لقيم ومفاهيم رسختها أحكام تشريعية وفتاوى فقهية شكلت المكون الثقافي الديني والخيال الشعبي الواعي واللاشعور تجاه دونية مرتبة المرأة لمجرد أنها أنثى وعلو شأن الرجل لمجرد كونه ذكراً. وتفاقمت المشكلة عندما ارتبطت بالجهل والتقليد واختزال الفقه والعلم برؤوس المشايخ وخطباء المساجد وعندما غدا العلم الشرعي عند غالبية المتدينين مكنوزاً في صدور أئمة المساجد والقائمين عليها والذين بدورهم حرصوا على إبعاد السواد الأعظم من المسلمين عن الرجوع إلى النصوص وخوض غمارها خشية زلزلة مكانتهم وسحب امتيازاتهم.
عظيم حق الزوج على المرأة:
تعتبر الثقافة الدينية الزواج حجر الزاوية في الحفاظ على الأسرة والمجتمع ويعد الحصن الحصين لمنع الفاحشة وسد الطريق على العلاقات الجنسية المحرمة ، وتدل آيات وأحاديث على سمو عقد الزواج الذي بموجبه يتم استحلال العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة وتتحول المرأة بموجبه إلى كيان مرتبط بشدة بالرجل وملتزم إلى أبعد الحدود بأوامره الصارمة وواجباته المقدسة. وهو في الواقع السبيل للنجاة أو الخسران في مآل المرأة في الدنيا والآخرة. (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) مسند أحمد 18233 عن حصين بن محصن، إذاً فمقام الرجل رفيع لدرجة أنه قد يدخل المرأة الجنة أو النار. وهذا في الحقيقة غاية الدين وأساسه بعد رضا الخالق الذي يتحقق برضى الزوج فيما أحل الخالق.
وبرغم من وضوح هذا المعنى ودلالاته التي لا تخفى على النساء والرجال على السواء فلقد جاء نصوص أخرى مؤكدة لهذا المفهوم وداعية المرأة للشعور ببالغ القدر والفضل الذي قدمه الرجل بزواجه منها. (فلو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على التنور لم تمنعه) رواه ابن ماجة
(لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها) رواه النسائي.
وأمثال هذه النصوص لا تدع مجالاً بالشك بالتفاوت العظيم في مكانة المرأة والرجل والتي تفرق بينهما إلى درجة قريبة من الاستعباد فمع أن الإسلام حرم السجود لغير الله وهذا معلوم من الدين بالضرورة إلا أن المكانة المرموقة والرتبة العالية للرجل فوق المرأة كادت أن توصله إلى مرتبة تسجد فيها المرأة له. لماذا؟ لعظيم حقه عليها وبالرغم من قدرة الرجل على تعدد الزوجات وتغييرهن فإن فضل الرجل الواحد على كل النساء اللواتي تزوجهن عظيم لدرجة قد تصل إلى اعتبارهن إماء مرتهنين بطاعته وإشباع رغباته وتنفيذ أوامره في الحدود والقواعد المسموح بها شرعاً التي تعطيه كل الصلاحيات للتحكم بحياة أزواجه وتصريف شؤون حياتهن صغيرها وكبيرها بدون اعتبار لقدر المرأة التي ربما تفوق الرجل ثقافة وفهما وأدباً في واقع الحياة.
وربما يظن البعض أن هذا التوجيه محدود أو مخصوص وليس توجهاً عاماً لذلك لا يصح البناء عليه وأخذه على أنه حكم عام وشامل ويمكن حصره في حدود ضيقة وفي حوادث مخصوصة بحد ذاتها. إلا أن تكرار النص عن عدد كثير من الصحابة وروايته في أكثر من مصدر مختلف برواية مختلفة يؤكد على كون المرتبة والعلاقة بين الرجل ونسائه كادت أن تقترب من العبودية. ويؤكد على رسوخ هذه القناعة ويؤسس لها في القيم الأخلاقية والمدنية نصوص أخرى لا تقل دلالة ولا وضوحاً إلى غريب التفاوت في المراتب والمنازل بين الرجال والنساء وعلى الأخص في الحياة الدنيا والعلاقات الإنسانية. (والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه) رواه النسائي وفي مسند أحمد أبلغ وأوضح من هذا النص برقم 21063
(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) رواه النسائي.
وهذه ليست أحاديث شاذة أو غريبة أو نقلت من مصادر مشكوك بها بل هي من الأحاديث المعول عليها تكررت روايتها وتعدد رواتها في أمهات المصادر والمجاميع الموثوقة تاريخياً كمرجعيات للآثار والسير والنصوص المعتمدة كأساس للفقه والأحكام الشرعية والنقول المتعاقبة عن النبي والصحابة والتابعين.
المرأة الناشز:
وهذا فصل آخر من فصول العلاقة الفوقية بين الرجل وزوجته يستند إلى تلك الفوارق في المتربة التي قامت عليها أحكام الزواج والطلاق والميراث وكافة التشريعات التي استندت إليها قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول الإسلامية والتي ما زلات تشكل ظلماً واضحا بحق المرأة وتتسبب ف إبعادها عن المشاركة في الحياة العامة وتتركها فريسة لأهواء المفتين وشهوات القادرين.
ورد في القرآن ذكر لقضية هامة في العلاقات الزوجية وتم الوقوف عندا وطرح العلاجات والوقايات لها ألا وهي مشكلة النشوز الذي هو مصطلح فقهي له معنيان الأول يخص المرأة الناشز وهي التي استعصت على بعلها وأبغضته والثاني يخص الرجل وهو المعرض والمجافي والضارب.
ولما كان الأصل في العلاقة الشرعية بين الرجل وزوجته أو زوجاته أنه صاحب القوامة له حق الطاعة مقابل واجب المرأة في الاستجابة والخضوع والرضى كانت معالجة النشوز مستندة إلى هذا المبدأ فاعتبرت المرأة الناشز عاصية لربها تستحق العلاج والتأديب ((واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)) النساء. 34
وآية النشوز هي نفسها آية القوامة وهي نفسها آية التأكيد على ربط رضا الله بواجبات الزوج وهي تشير إلى ما يمكن أن يفعله الرجل أو ما يصلح له فعله فيما إذا خشي العصيان أو الطاعة المترددة. والمعنى الصريح يدل على أن مجرد الظن أو ظهور بعض الدلائل على النشوز وليس فعله يستوجب الموعظة والهجر والضرب غير المبرح. وفي كل الحالات السابقة التي لا يرى المفسرون ضرورة في إتباع ترتيبها بل يختار الزوج العلاج الأمثل حسب ما يراه مناسباً. يتصرف الرجل من موقف السلطة والملك من موقف الأشرف والأعلم والأحكم.
وليس خافياً أن العنف ضد النساء موجود في جميع أنحاء العالم وهناك مؤسسات وهيئات محلية ووطنية لمحاربته والخلاص منه واعتباره خطئاً وانحرافاً تجب معاقبته وتجنبه وإنهاؤه. إلا أن المشكلة في التفكير الديني هي الاعتقاد بوجود حجة شرعية وفقهية لفعله ولم يتجرأ أحد من المفسرين أو الفقهاء أو الدعاة الجدد على إيجاد حل لهذا النص ومعالجته بطريقة تجعل المرأة على قدم المساواة في العلاقة بينها وبين الزوج. وكما هو معلوم فإن هناك نصوص عديدة تدل بعمومها على حسن المعاملة والإكرام والمساواة إلا أن الأزمة في كون تلك النصوص جاءت من باب الندب والنافلة والنص الذي بين أيدينا من باب الوجوب والقصاص.
(والجدير ذكره هنا أن رسول الله ما ضرب امرأة ولا خادماً قط) النسائي عن عائشة.
إلا أن مجمل التعليمات والتوجيهات والتوصيات التي أشرنا إلى قسم منها في بحثنا هذا جعل من الالتفات إلى مثل هذا النص أمراً عابراً وسنة مقابل الواجب أو الفرض.
الجانب الآخر في النشوز هو الرجل حيث جاء ذكره أيضاً لكن العلاج والوقاية كانت مختلفة تماما ((وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح)) النساء 128
والآية تدل على ما يجب فعله عندما تخشى المرأة أو ترى ظهور عوارض إعراض زوجها عنها أو جفائه لها أو ضربها. والحل المطروح هو أن تتنازل وتقدم المبررات لمنع النشوز ويكون ذلك بإسقاط دورها من المجامعة لزوجة مفضلة عنده في حل كونها إحدى الزوجات المتعددات. أو تتخلى عن النفقة أو بعضها أو تخليها عن المهر أو بعضه ((راجع الشوكاني مجلد أول ص512))
إذاً فطريقة العلاج مختلفة تماماً كما هي المكانة والموقع والصفة، فبينما كان علاج المرأة الناشز بالوعظ والهجر والضرب فجاءت وقاية المرأة من نشوز زوجها بإشباع لرغباته المادية والجنسية وإعطاء المزيد من الحرية والاستقلالية لزوجها الذي يفضل عليها غيرها من نسائه وإمائه. والملفت للنظر عند تأمل الفروق بين حالات نشوز المرأة أو الرجل أن الخطاب في نشوز النساء جاء بصفة الجمع ((واللاتي تخافون نشوزهن)) في حين أن الخطاب المتعلق بالزوج جاء بصيغة بصيغة الفرد (وإن امرأة خافت). وهكذا فمجموع العنصر الرجالي لهم حكم عام فكل أولئك الذين يخشون من نسائهم المعصية أو الجفاء لهم حقوق عامة واضحة وصريحة ومعلنة في حين أن تلك المسكينة المرأة الفرد عندما تخشى الضرب والإعراض والجفاء تلجأ إلى تسوية
على حسابها الخاص نفسياً أو جسدياً أومادياً، المهم أن تكون التسوية في كل الحالات لمصلحة الأفضل والأقوم أي الرجل.
2*
نسب ولد اللعان وولد الزنى:
اللعان مصطلح فقهي اشتق من آيات اللعان الواردة في سورة النور 6-9 وهي علاج لتلك الحالات التي يشك الزوج فيها بزوجته لوجود دليل مادي أو اشتباه فإنه في هذه الحالة يقسم أربع مرات أنه من الصادقين في تأكيد خيانتها ثم يشهد في القسم الخامس على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين. وتقابله زوجته بنفس الأيمان لتدرأ عن نفسها العذاب وعندها يقوم القاضي أو الوالي بالتفريق بينهما وما نريد الوقوف عنده ببحثنا هو الولد الذي بين يدي الزوجة أو في رحمها وبالرغم من تساويهما في الأيمان فكلمته في مواجهة كلمتها إلا أنها هي التي تتحمل التبعات كاملة فالرجل يتبرأ من الولد فلا يحمل اسمه ولا يرثه وينسب الطفل أو الضيع أو الجنين إلى أمه ويرثها وتتكفل به نفقة ورعاية ولا يلحق الزوج من ذلك شيء وتنقطع علاقته بالمولود أو الطفل بعد أدائه الأيمان الخمسة ولا نفقة ولا سكن للمرأة بعد اللعان ((عن سهل بن سعد أن رجلاً أتى رسول الله فقال: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل. فأنزل الله فيهما ما ذكر من القرآن من التلاعن فقال رسول الله (ص) قد قضى فيك وفي امرأتك وكانت حاملاً. فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها)) البخاري وروى مثله أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الإحوذي في شرح الترمذي : يلحق الولد في النسب والوراثة بأمه ولا توارث بين الملاعن وبينه. ولا قوت لها ولا سكن من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق أو موت.
فالمرأة الأضعف هي المسؤولة عن تبعات الملاعنة التي تحتمل الخطأ أو الشبهة أو الكذب.
وهذا واضح في القصص التي رويت في الملاعنة وفي اليمين الخامس للملاعن الذي يلعن نفسه إذا كان كاذباً والمرأة تفعل نفس الشيء فهما أمام القسم متساويان ولكن في الأعباء والمسؤوليات والنتائج تتحمل هي التبعات لأنها الأدنى شأنا والأخس مكانة.
في عصرنا أصبح من الممكن تحديد نسب الولد بدقة نهائية ومعرفة فيما إذا كان إنكار الرجل لابنه صحيحاً أم باطلاً وبالرغم من هذا التطور العلمي إلا أن المحاكم الشرعية في البلاد الإسلامية لا تأخذ بقرارات العلم ولا تلتفت إلى حقيقة النتائج المخبرية وما زالت تناقش وتحكم على المسألة بآيات وأحاديث اللعان.
وليس بعيداً من ذلك نسب الولد الزنى وهي الحالة التي تنتج عن علاقة ير مشروعة بين الرجل والمرأة ففي الجاهلية كانت المرأة قادرة على إلحاق الولد بأحد الرجال الذين زنت معهم ولكن في الإسلام لم يعد ذلك مقبولاً لعظيم فاحشة الزنا ولم يعد من الممكن إلحاق الولد بالرجل الزاني بل يلحق بأمه ((عن الحسن في رجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها قال: لا بأس إلا أن تكون حبلى فإن الولد لا يلحقه)) سنن الدارمي 2982
(إذا كان أبوه الذي يدعى إليه أنكره وإن كان من أمة لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه – أي الولد- لا يلحق بالرجل ولا يرث من أبيه) راجع مسند أحمد 6745
ونحن هنا لا نتحدث عن قصص تاريخية أو أحداث غابرة في قديم الزمان بل هي أحكام مقننة ومدونة في قوانين الأحوال الشخصية ومعمول بها إلى يومنا هذا ويستند إليها القضاء الشرعي في بيان الحقوق وإصدار الأحكام.
في حالة ولد الزنى أيضاً يتحمل الأضعف والأخس وهو المرأة هنا التبعات والمسؤولية وحتى لو تزوج الرجل المرأة التي زنى بها وقد يجبره القانون على ذلك لكنه غير ملزم بالولد غير الشرعي ويمكن له التبرؤ منه ومن النفقة والسكن والميراث ويلحق ولد الزنى بأمه حتى ولو كان هناك شبهة أو دليل على أن الرجل الذي قام بفعل الزنى أب للولد الناجم عن العلاقة.
الولاية في الزواج:
تعد مسألة الارتباط بين المرأة والرجل من أكثر الخصوصيات الشخصية وضوحاً وأشدها تأثيراً على حياة المرأة في حاضرها ومستقبلها ولما كان الشرع قد حصر العلاقة بالزواج فقد ازدادت أهمية الاختيار وضرورة سيطرة المرأة على القرار لأنه بالنسبة لها مسألة ذات خصوصية بالغة فزوج المستقبل هو الوحيد في حياتها وهو الذي سيسلبها الإرادة والحرية وعليه كانت هي المستفيدة والمتضررة الأولى في حال نجاح الزوج أو فشله. وهذا خلاف للرجل الذي بإمكانه التعدد والتمتع والاسترقاق والطلاق. ونسجاً على الموقف التقييمي المسبق للمرأة باعتبار النقص المرتبط بأحقابها العقلية وخبراتها الشخصية كان لا بد للأنثى من الخضوع في اختيارها للذكر وولايته لإتمام مسألة الارتباط أو عدمه.
(قالوا لأن الزواج له مقاصد متعددة والمرأة كثيراً ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار فيفوتها حصول هذه المقاصد فمنعت من مباشرة العقد وجعل إلى وليها لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الأكمل) سيد سابق فقه السنة فصل 7 ص9
وهكذا فأمر ولاية الذكر على الأنثى في قضية الزواج مرتبط بالمقاصد الشرعية والأهداف الدينية لمؤسسة الزواج التي قامت على أركان ذكورية بحتة تنطلق من القيمة العليا للرجل الأعلى تجاه الأدنى وهي المرأة المخلوقة من حيث الوظيفة والواجبات لأجل الرجل الذي بسببه تدخل الجنة أو النار وبرضائه تنال رضا الرب.
((عن عائشة أن رسول الله (ص) قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل)) مسند أحمد 23074 وغيره كثر
((عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)) سنن ابن ماجة 1872 وغيره
رغم وجود خلاف بين الفقهاء حول الولاية على الزواج فإن الأدلة القوية المباشرة والنصوص المأثورة في تفسير العديد من الآيات المتعلقة بالمسألة تدل بوضوح على وجوب الولاية ((راجع سبل السلام للصنعاني ج2))
ومن الأحكام الغريبة في مسألة الولاية على الزواج والتي لا تقبل إلا التفسيرات التي أوردناها بخصوص الرتبة والمكانة الأحكام التالية : 1(لا تشترط العدالة في الولي إذ الفسق لا يسلب أهلية التزويج إلا إذا خرج به الفسق إلى حد التهتك
2 ليس للمرأة ولاية النكاح أي أنها ليست مؤهلة لتكون ولية في زواج امرأة أخرى حتى ولو كانت أماً أو جدة أو أختاً كبرى فمؤهلاتها التكوينية لا تجعلها قادرة على مشاركة امرأة أخرى في الانفراد في قرار حياتها الخاصة فكما في الشهادة الأمر مماثل في الولاية فإن مجموعة النساء لا تساوي رجلاً فردا
3 يحق للولي في الزواج أن يزوج المرأة لنفسه)
زواج الفتاة الصغيرة:
يعد من العادات والتقاليد الشائعة في المجتمعات العربية الإسلامية خاصة تلك التي تصنف كمحافظة أو متدينة ((اليمن والسعودية وباكستان)) إلى جانب بعض الدول التي غيرت القوانين السائدة ورفعت سنّ الزواج للبنات والشباب لما يقرب من السن التي يحق فيها الانتخاب ((الأردن وتونس))
وتتوضع المشكلة في كل الحالات بوجود نصوص شرعية ترعى زواج الصغيرة وتشرعه بضابط وجود ولي للبنت الصغيرة واشتراط سكوتها الذي يعد شرطاً لا معنىً له، فالصغيرة لا يمكن ولا تستطيع الاعتراض على أمر وليها في تزويجها فحتى أنها لا ترى لها حقاً في ذلك فموافقتها المشروطة بالسكوت مضمونة أصلاً
(توفيت خديجة قبل مخرج النبي (ص) إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريباً من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين))رواه البخاري 3607
عن عائشة أن النبي (ص) تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً)) رواه البخاري 4738
وهذه نصوص مذكورة في كتب الحديث والمراجع الفقهية المعتمدة ومنها استنبطت أحكام تبيح نكاح بنت الست سنوات والدخول بها بنت تسع بشرط الولي (أما الصغيرة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها دون إذنها إذ لا رأي لها. والأب والجد يرعيان حقها ويحافظان عليه وقد زوج أبو بكر ابنته وهي صغيرة دون إذنها إذ لم تكن في سن يعتبر فيها إذنها وليس لها الخيار إذا بلغت) فقه السنة ف7 ص13
هذا الحكم المنقول من كتاب فقه السنة لمؤلفه سيد سابق وهو عالم أزهري ومفتي مصري سابق يعد من المنتمين إلى تيار الوسط وطبع كتابه المذكور سنة 1986. أي أننا لا ننقل عن كتب أفت قبل قرون بل من كتب معاصرة ومازال لها تأثيرها وقراؤها ومازالت حية تؤثر في الثقافة الاجتماعية وتعد مراجعاً لسن القوانين الحديثة.
فالأزمة المتجذرة منذ ما قبل الإسلام ما زالت حية تثمر مشاكل جديدة وقوانين جائرة إلا أنها بعد قيام الخلافة الدينية أخذت صفة شرعية وسند دينياً.
إذاً يجوز تزويج البنت لصغيرة قبل دخولها المدرسة ويحق للرجل الذي يكبرها بنصف قرن أن يدخل عليها وهي بنت تسع سنين وهو لا يفعل محرماً أو يقف موقفاً محرجاً. ولما كانت الصغيرة غير واعية وغير مدركة اعتبر إذن وليه كافياً لتزويجها وكأنه المالك الحصري لرقيق يملكه أو سلعة يبيعها. والمؤلم حقاً أنها عندا تبلغ وتعي وتدرك ليس لها الخيار فيرفض هذا الزواج الجائر وسيكون من الصعب جداً طلاقها أو فكها من الأسر خاصة إذا كانت أماً لأطفال وكانت حالة الشيخ الزوج المادية جيدة.
ويؤكد أن الأزمة ما زالت حية كون النصوص والنقول التي أوردناها في دراستنا ما زالت مرجعاً معتمداً وسنداً قانونياً. ما ذكر مؤخراً عن أن غالبية النائبات في الجمعية الوطنية العراقية الجديدة والبالغ عددهن خمساً وثمانين امرأة يطالبن بإلغاء قانون الأحوال الشخصية باعتبارها قوانين تقوم على مبادئ علمانية تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات واستبدالها بقوانين تقوم على الشريعة الإسلامية. مطالبين بسن قوانين تسمح بضرب الزوج لزوجته وتحرم المرأة من الوصاية على أطفالها في حالة الطلاق وتسمح للرجال بممارسة تعدد الزوجات. ((راقية القيسي الحوار المتمدن 8\6\2005))
ففي أحدث برلمان عربي تشكل فيه النساء نسبة كبيرة يوصين بالعودة إلى ما قبل ألف وأربع مئة عام والعمل بنصوص كرست أوضعاً قديمة ورسخت مفاهيم كانت سائدة قبل إرساء قواعد العدالة والرحمة والمساواة التي ينبغي أن تكون الغاية والهدف من جراء تقنين النصوص وتدوين الأحكام القضائية.
خاتمة :
لقد دأب الدعاة الإسلاميون منذ قرون على الدعوة إلى العودة إلى الأصول وإحياء النموذج الديني الذي رأوا فيه كل صفات الكمال والرقي والواقع أن النموذج المنشود والمزعوم لم يكن يوماً من الأيام كذلك والأمثلة المعاصرة ما زالت ماثلة للعيان فليس خافياً حال النساء في دولة طالبان الدينية التي كانت تعتبر النصوص المقدسة المصدر الرئيس وأحياناً الوحيد للتشريعات المدنية والقضاء وكذلك هو الحال في المجتمع السعودي حيث أن المرأة المكرمة المعززة التي يدعى أنها نالت كل حقوقها وأنها من أرقى المجتمعات مدنية وحضارة كما يزعمون إلا أنهم لا يرون أن هذه المكرمة المعظمة لها الحق في قيادة سيارة فكيف يكون لها الحق في قيادة مجتمع أو حيٍّ أو أسرة.
((في سبيل إزالة المعوقات التي تحول بين المرأة المسلمة وتحقيق أهدافها نرى أن الحل الوحيد يكمن في إعادة النظر في النصوص الإسلامية وخاصة القرآن وتفسيرها تفسيراً جديداً)) نعمت حافظ برزنجي- مداد –
ولتحقيق هذه المهمة لا بد من تضافر جهود العديد من الباحثين والمفكرين الداعين إلى النهوض بالمرأة التي تعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة الفكر الديني قديماً وحديثاً.
وما قدمناه في بحثنا السابق هو مراجعة محدودة لبعض النصوص ذات الصلة بقوانين الأحوال الشخصية السائدة في حين أن هناك العديد العديد من المسائل المتعلقة بموضوع المرأة وعلاقاتها ما زالت بحاجة إلى بحث ودراسة ومراجعة شاملة.
يرى كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين أن كل مشاكل المجتمعات والدول الإسلامية تحل بالعودة إلى النصوص والأصول وهي بدورها ستتكفل بالعمل على صنع المعجزات وحل الأزمات وتحقيق سيادة الأمة وحضارتها مثلما فعلت منذ قرون عديدة كما يظنون.
متجاهلين حقيقة أن النصوص المأثورة بحاجة إلى مراجعة وتدقيق لما تشتمل عليه من تناقضات وتضارب بين العموميات والتفاصيل. ودراستنا هذه محاولة لبيان هذه الحقيقة وسعي لإدخال التفكير العقي النقدي في مجال دراسة المأثور والمنقول من التراث الثقافي الديني المشكل للبنى الاجتماعية والثقافية والعقلية السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية.
المرأة والعبودية للرجل:
تأخذ الكلمة أبعاداً جديدة عندما تضاف إلى المرأة وتغدو الحرية خاصة ذات قيمة إضافية لحظة اقترانها بالأنثى، وتكمن المشكلة الحقيقية في القيود الأدبية والاجتماعية المضافة إلى القواعد التشريعية والقانونية التي تحيط بالمرأة من قبل ولادتها وحتى لحظة الوفاة. ولقد كانت هذه الضوابط شديدة القسوة، بالغة الغلظة عندما تتعلق بالشرف والكرامة وبحجة البعد عن الفاحشة والخطيئة. وتتفاقم الأزمة عندما تتحالف الضوابط الاجتماعية التي تراكمت عبر قرون من التأخر والتخلف مع الحدود المنصوص عليها شرعاً، بما يدعو إلى مراجعة تلك النصوص والبحث في مضامينها ومدلولاتها ومفاهيمها.
الرجل مقابل المرأة أخاً أو أباً أو زوجاً وحتى ابناً. هو السيد الولي المتصرف في الحاضر والمستقبل، له حق الوصاية والانتداب. والمرأة قبل الزواج مرهونة بقراراته وأوامره وعندما تتزوج تتفاقم المشكلة لأبعد الحدود فتغدو المرأة عابدة حقيقية بالنص المحقق والواجب المقدس للرجل. ولا يخفف من ذلك دعاوى تطالب بالرفق والمعاشرة بالمعروف أو العدل الظاهري أو المساواة في أصل الخلق.
المرتبة والشهادة:
اعتبر الفكر الديني الرجل رمزاً لكمال العقل البشري وصورة لجمال وقوة الجسد وكثيراً ما يضرب المثل للدلالة على جمال الذكر بالتشابه بين الإنسان وبقية المخلوقات مثل الطيور وبعض الحيوانات الأخرى. فالطاووس الذكر جميل وضخم وأنثاه بشعة وضئيلة وكانت هذه الأمثلة تعتبر المسألة ذات دلالة قوية على فطرة الله التي خلق الناس عليها. ولم تكن القضية لتأخذ هذا التوكيد وهذا الرسوخ إلى لوجود بناء فكري متين يستند إلى الكثير من الأدلة والنقول المباشرة وغير المباشرة التي أكدت على تميز الرجل على المرأة بحكم أن الذكر كان دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد، فكل الرسل والأنبياء كانوا من الرجال وحتى الملائكة لا تجوز نسبتهم للأنثى، ولا يستبعد أن تعد مثل هذه النسبة كفراً.
وفي الوقت الذي عاب فيه القرآن على أهل الجاهلية وأد البنات وحرم هذه الفعلة الشنيعة التي كان سببها الخشية من عار السبي والفقر وعد الحزن عند ولادة الأنثى سوء فهم وحكم، وإلى جانب آيات مثل ((ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن)) النساء 124 والتي توحي بالمنزلة الواحدة والمرتبة المتساوية نزلت آيات دلت دلالة أكبر على تميز الذكر على الأنثى ورفعة مكانته وعلو منزلته ((وليس الذكر كالأنثى)) آل عمران 36 ((ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى)) النجم 21,22 ((إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى)) النجم 27.
وتدل الآلات في سياقها والآيات التي تليها باختصاص الذكر من حيث اعتباره الأقرب في صفاته الجسدية والعقلية إلى الكمال البشري مما يبرر اعتبار الأنثى أقل منزلة ومرتبة رغم ما ورد من إشارات أو دلالات عامة. وكما هو معلوم في أصول الفقه فإن الخاص يحكم العام، فإذا جاء نصان في مسألة واحدة أحدهما عام والآخر خاص كان الحكم للنص المخصص واعتبر النص العام مخصصاً أي لا يبقى على عمومه فالتخصيص أقوى من التعميم.
في مثل هذه الأرضية ومثل هذه التربية نشأ الاعتقاد والقناعة بصغر عقل المرأة تأسس عليه أحكام شرعية وقانونية ما زالت تمارس وتطبق إلى يومنا هذا في الغالبية العظمى من الدول الإسلامية. فهي لا تصلح للشهادة في عقود الزواج والطلاق أما في العقود المدنية الأخرى فشهادتها النصف الغير متكافئ ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)) البقرة 282 .
ولماذا امرأتين؟ لأن الأنثى قد تضل والضلال هنا بالنسيان والقصور لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال والآية تدل عدم قبول العقد بشهادة النساء فقط (وأنها لا تجوز شهادة النساء إلى مع الرجل ولا وحدهن) الشوكاني فتح القدير ج1 306 . إلا في بعض الحالات التي تقتضي السرية وعدم إطلاع الرجل على عورة المرأة حتى ولو كان طبيباً أو خبيراً مؤهلا. فالنساء ولو كن أربعة لا يستطعن الشهادة على عقد شرعي أو مدني إذ لا بد من وجود العنصر الذكري ليستقيم العقل. وهنا أتخيل كم من المعاملات والعقود المدنية والتجارية والاعتبارية التي ستهدم في حال تطبيق هذا الحكم ولست أبالغ بأن وجه التعاملات المدنية والقانونية سيختلف تماماً لو أراد الأصوليون تطبيق مثل هذا الحكم لذلك نجد أنه غير معمول به في عدد كبير في الدول الإسلامية في مجال العقود المدنية. ولكن فيما يخص العقود الشرعية وحتى في الدول التي صارت فيه المرأة وزيرة ونائبة وقاضية كسوريا مثلا فإن قانون الأحوال الشخصية ينص على عدم قبول شهادة المرأة في الزواج والطلاق، كما لا تجوز ولايتها على البنت القاصر ليس حفاظاً على القاصر، ولكن لعدم الاعتراف بأهلية المرأة للولاية، فالرجل يستطيع تزويج القاصر باعتباره ولياً عليها. وهنا التأكيد من جديد على المكانة والامتياز حتى في المجال ألاعتقادي والإيماني الذي يبرز فيه بشدة تمييز الرجل عن المرأة بحكم أن الذكور كانوا دوماً صلة الوصل بين الخالق والعباد وأعني الأنبياء والرسل. وفي النصوص التي جاءت في الأساس لتحقيق المساواة في الرتبة لا بد وأن تشير بطريقة ما إلى الدرجة التي يرتقيها الرجل أعلى من الأنثى ((إن المسلمين والمسلمات....والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)) الأحزاب 35.
وهكذا تتوافر النصوص الدالة على رفعة الذكر وامتياز عقله وجسده وعاطفته وحتى إيمانه واعتقاده لشيوعها ورسوخها في أصول التعامل المدني والاقتصادي وعليه كان لزاماً انتشار ثقافة احتقار المرأة ودونيتها. والإشكال الرئيس هنا أن النصوص التي أشارت إلى المساواة والمنزلة الواحدة ليست واضحة تماماً وهناك مجال كبير لإخراجها عن عمومها بالنصوص الخاصة والأشد وضوحاً وكل ذلك أسس لقيم ومفاهيم رسختها أحكام تشريعية وفتاوى فقهية شكلت المكون الثقافي الديني والخيال الشعبي الواعي واللاشعور تجاه دونية مرتبة المرأة لمجرد أنها أنثى وعلو شأن الرجل لمجرد كونه ذكراً. وتفاقمت المشكلة عندما ارتبطت بالجهل والتقليد واختزال الفقه والعلم برؤوس المشايخ وخطباء المساجد وعندما غدا العلم الشرعي عند غالبية المتدينين مكنوزاً في صدور أئمة المساجد والقائمين عليها والذين بدورهم حرصوا على إبعاد السواد الأعظم من المسلمين عن الرجوع إلى النصوص وخوض غمارها خشية زلزلة مكانتهم وسحب امتيازاتهم.
عظيم حق الزوج على المرأة:
تعتبر الثقافة الدينية الزواج حجر الزاوية في الحفاظ على الأسرة والمجتمع ويعد الحصن الحصين لمنع الفاحشة وسد الطريق على العلاقات الجنسية المحرمة ، وتدل آيات وأحاديث على سمو عقد الزواج الذي بموجبه يتم استحلال العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة وتتحول المرأة بموجبه إلى كيان مرتبط بشدة بالرجل وملتزم إلى أبعد الحدود بأوامره الصارمة وواجباته المقدسة. وهو في الواقع السبيل للنجاة أو الخسران في مآل المرأة في الدنيا والآخرة. (فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك) مسند أحمد 18233 عن حصين بن محصن، إذاً فمقام الرجل رفيع لدرجة أنه قد يدخل المرأة الجنة أو النار. وهذا في الحقيقة غاية الدين وأساسه بعد رضا الخالق الذي يتحقق برضى الزوج فيما أحل الخالق.
وبرغم من وضوح هذا المعنى ودلالاته التي لا تخفى على النساء والرجال على السواء فلقد جاء نصوص أخرى مؤكدة لهذا المفهوم وداعية المرأة للشعور ببالغ القدر والفضل الذي قدمه الرجل بزواجه منها. (فلو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على التنور لم تمنعه) رواه ابن ماجة
(لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها) رواه النسائي.
وأمثال هذه النصوص لا تدع مجالاً بالشك بالتفاوت العظيم في مكانة المرأة والرجل والتي تفرق بينهما إلى درجة قريبة من الاستعباد فمع أن الإسلام حرم السجود لغير الله وهذا معلوم من الدين بالضرورة إلا أن المكانة المرموقة والرتبة العالية للرجل فوق المرأة كادت أن توصله إلى مرتبة تسجد فيها المرأة له. لماذا؟ لعظيم حقه عليها وبالرغم من قدرة الرجل على تعدد الزوجات وتغييرهن فإن فضل الرجل الواحد على كل النساء اللواتي تزوجهن عظيم لدرجة قد تصل إلى اعتبارهن إماء مرتهنين بطاعته وإشباع رغباته وتنفيذ أوامره في الحدود والقواعد المسموح بها شرعاً التي تعطيه كل الصلاحيات للتحكم بحياة أزواجه وتصريف شؤون حياتهن صغيرها وكبيرها بدون اعتبار لقدر المرأة التي ربما تفوق الرجل ثقافة وفهما وأدباً في واقع الحياة.
وربما يظن البعض أن هذا التوجيه محدود أو مخصوص وليس توجهاً عاماً لذلك لا يصح البناء عليه وأخذه على أنه حكم عام وشامل ويمكن حصره في حدود ضيقة وفي حوادث مخصوصة بحد ذاتها. إلا أن تكرار النص عن عدد كثير من الصحابة وروايته في أكثر من مصدر مختلف برواية مختلفة يؤكد على كون المرتبة والعلاقة بين الرجل ونسائه كادت أن تقترب من العبودية. ويؤكد على رسوخ هذه القناعة ويؤسس لها في القيم الأخلاقية والمدنية نصوص أخرى لا تقل دلالة ولا وضوحاً إلى غريب التفاوت في المراتب والمنازل بين الرجال والنساء وعلى الأخص في الحياة الدنيا والعلاقات الإنسانية. (والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه) رواه النسائي وفي مسند أحمد أبلغ وأوضح من هذا النص برقم 21063
(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) رواه النسائي.
وهذه ليست أحاديث شاذة أو غريبة أو نقلت من مصادر مشكوك بها بل هي من الأحاديث المعول عليها تكررت روايتها وتعدد رواتها في أمهات المصادر والمجاميع الموثوقة تاريخياً كمرجعيات للآثار والسير والنصوص المعتمدة كأساس للفقه والأحكام الشرعية والنقول المتعاقبة عن النبي والصحابة والتابعين.
المرأة الناشز:
وهذا فصل آخر من فصول العلاقة الفوقية بين الرجل وزوجته يستند إلى تلك الفوارق في المتربة التي قامت عليها أحكام الزواج والطلاق والميراث وكافة التشريعات التي استندت إليها قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول الإسلامية والتي ما زلات تشكل ظلماً واضحا بحق المرأة وتتسبب ف إبعادها عن المشاركة في الحياة العامة وتتركها فريسة لأهواء المفتين وشهوات القادرين.
ورد في القرآن ذكر لقضية هامة في العلاقات الزوجية وتم الوقوف عندا وطرح العلاجات والوقايات لها ألا وهي مشكلة النشوز الذي هو مصطلح فقهي له معنيان الأول يخص المرأة الناشز وهي التي استعصت على بعلها وأبغضته والثاني يخص الرجل وهو المعرض والمجافي والضارب.
ولما كان الأصل في العلاقة الشرعية بين الرجل وزوجته أو زوجاته أنه صاحب القوامة له حق الطاعة مقابل واجب المرأة في الاستجابة والخضوع والرضى كانت معالجة النشوز مستندة إلى هذا المبدأ فاعتبرت المرأة الناشز عاصية لربها تستحق العلاج والتأديب ((واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)) النساء. 34
وآية النشوز هي نفسها آية القوامة وهي نفسها آية التأكيد على ربط رضا الله بواجبات الزوج وهي تشير إلى ما يمكن أن يفعله الرجل أو ما يصلح له فعله فيما إذا خشي العصيان أو الطاعة المترددة. والمعنى الصريح يدل على أن مجرد الظن أو ظهور بعض الدلائل على النشوز وليس فعله يستوجب الموعظة والهجر والضرب غير المبرح. وفي كل الحالات السابقة التي لا يرى المفسرون ضرورة في إتباع ترتيبها بل يختار الزوج العلاج الأمثل حسب ما يراه مناسباً. يتصرف الرجل من موقف السلطة والملك من موقف الأشرف والأعلم والأحكم.
وليس خافياً أن العنف ضد النساء موجود في جميع أنحاء العالم وهناك مؤسسات وهيئات محلية ووطنية لمحاربته والخلاص منه واعتباره خطئاً وانحرافاً تجب معاقبته وتجنبه وإنهاؤه. إلا أن المشكلة في التفكير الديني هي الاعتقاد بوجود حجة شرعية وفقهية لفعله ولم يتجرأ أحد من المفسرين أو الفقهاء أو الدعاة الجدد على إيجاد حل لهذا النص ومعالجته بطريقة تجعل المرأة على قدم المساواة في العلاقة بينها وبين الزوج. وكما هو معلوم فإن هناك نصوص عديدة تدل بعمومها على حسن المعاملة والإكرام والمساواة إلا أن الأزمة في كون تلك النصوص جاءت من باب الندب والنافلة والنص الذي بين أيدينا من باب الوجوب والقصاص.
(والجدير ذكره هنا أن رسول الله ما ضرب امرأة ولا خادماً قط) النسائي عن عائشة.
إلا أن مجمل التعليمات والتوجيهات والتوصيات التي أشرنا إلى قسم منها في بحثنا هذا جعل من الالتفات إلى مثل هذا النص أمراً عابراً وسنة مقابل الواجب أو الفرض.
الجانب الآخر في النشوز هو الرجل حيث جاء ذكره أيضاً لكن العلاج والوقاية كانت مختلفة تماما ((وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح)) النساء 128
والآية تدل على ما يجب فعله عندما تخشى المرأة أو ترى ظهور عوارض إعراض زوجها عنها أو جفائه لها أو ضربها. والحل المطروح هو أن تتنازل وتقدم المبررات لمنع النشوز ويكون ذلك بإسقاط دورها من المجامعة لزوجة مفضلة عنده في حل كونها إحدى الزوجات المتعددات. أو تتخلى عن النفقة أو بعضها أو تخليها عن المهر أو بعضه ((راجع الشوكاني مجلد أول ص512))
إذاً فطريقة العلاج مختلفة تماماً كما هي المكانة والموقع والصفة، فبينما كان علاج المرأة الناشز بالوعظ والهجر والضرب فجاءت وقاية المرأة من نشوز زوجها بإشباع لرغباته المادية والجنسية وإعطاء المزيد من الحرية والاستقلالية لزوجها الذي يفضل عليها غيرها من نسائه وإمائه. والملفت للنظر عند تأمل الفروق بين حالات نشوز المرأة أو الرجل أن الخطاب في نشوز النساء جاء بصفة الجمع ((واللاتي تخافون نشوزهن)) في حين أن الخطاب المتعلق بالزوج جاء بصيغة بصيغة الفرد (وإن امرأة خافت). وهكذا فمجموع العنصر الرجالي لهم حكم عام فكل أولئك الذين يخشون من نسائهم المعصية أو الجفاء لهم حقوق عامة واضحة وصريحة ومعلنة في حين أن تلك المسكينة المرأة الفرد عندما تخشى الضرب والإعراض والجفاء تلجأ إلى تسوية
على حسابها الخاص نفسياً أو جسدياً أومادياً، المهم أن تكون التسوية في كل الحالات لمصلحة الأفضل والأقوم أي الرجل.
2*
نسب ولد اللعان وولد الزنى:
اللعان مصطلح فقهي اشتق من آيات اللعان الواردة في سورة النور 6-9 وهي علاج لتلك الحالات التي يشك الزوج فيها بزوجته لوجود دليل مادي أو اشتباه فإنه في هذه الحالة يقسم أربع مرات أنه من الصادقين في تأكيد خيانتها ثم يشهد في القسم الخامس على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين. وتقابله زوجته بنفس الأيمان لتدرأ عن نفسها العذاب وعندها يقوم القاضي أو الوالي بالتفريق بينهما وما نريد الوقوف عنده ببحثنا هو الولد الذي بين يدي الزوجة أو في رحمها وبالرغم من تساويهما في الأيمان فكلمته في مواجهة كلمتها إلا أنها هي التي تتحمل التبعات كاملة فالرجل يتبرأ من الولد فلا يحمل اسمه ولا يرثه وينسب الطفل أو الضيع أو الجنين إلى أمه ويرثها وتتكفل به نفقة ورعاية ولا يلحق الزوج من ذلك شيء وتنقطع علاقته بالمولود أو الطفل بعد أدائه الأيمان الخمسة ولا نفقة ولا سكن للمرأة بعد اللعان ((عن سهل بن سعد أن رجلاً أتى رسول الله فقال: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل. فأنزل الله فيهما ما ذكر من القرآن من التلاعن فقال رسول الله (ص) قد قضى فيك وفي امرأتك وكانت حاملاً. فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها)) البخاري وروى مثله أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الإحوذي في شرح الترمذي : يلحق الولد في النسب والوراثة بأمه ولا توارث بين الملاعن وبينه. ولا قوت لها ولا سكن من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق أو موت.
فالمرأة الأضعف هي المسؤولة عن تبعات الملاعنة التي تحتمل الخطأ أو الشبهة أو الكذب.
وهذا واضح في القصص التي رويت في الملاعنة وفي اليمين الخامس للملاعن الذي يلعن نفسه إذا كان كاذباً والمرأة تفعل نفس الشيء فهما أمام القسم متساويان ولكن في الأعباء والمسؤوليات والنتائج تتحمل هي التبعات لأنها الأدنى شأنا والأخس مكانة.
في عصرنا أصبح من الممكن تحديد نسب الولد بدقة نهائية ومعرفة فيما إذا كان إنكار الرجل لابنه صحيحاً أم باطلاً وبالرغم من هذا التطور العلمي إلا أن المحاكم الشرعية في البلاد الإسلامية لا تأخذ بقرارات العلم ولا تلتفت إلى حقيقة النتائج المخبرية وما زالت تناقش وتحكم على المسألة بآيات وأحاديث اللعان.
وليس بعيداً من ذلك نسب الولد الزنى وهي الحالة التي تنتج عن علاقة ير مشروعة بين الرجل والمرأة ففي الجاهلية كانت المرأة قادرة على إلحاق الولد بأحد الرجال الذين زنت معهم ولكن في الإسلام لم يعد ذلك مقبولاً لعظيم فاحشة الزنا ولم يعد من الممكن إلحاق الولد بالرجل الزاني بل يلحق بأمه ((عن الحسن في رجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها قال: لا بأس إلا أن تكون حبلى فإن الولد لا يلحقه)) سنن الدارمي 2982
(إذا كان أبوه الذي يدعى إليه أنكره وإن كان من أمة لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه – أي الولد- لا يلحق بالرجل ولا يرث من أبيه) راجع مسند أحمد 6745
ونحن هنا لا نتحدث عن قصص تاريخية أو أحداث غابرة في قديم الزمان بل هي أحكام مقننة ومدونة في قوانين الأحوال الشخصية ومعمول بها إلى يومنا هذا ويستند إليها القضاء الشرعي في بيان الحقوق وإصدار الأحكام.
في حالة ولد الزنى أيضاً يتحمل الأضعف والأخس وهو المرأة هنا التبعات والمسؤولية وحتى لو تزوج الرجل المرأة التي زنى بها وقد يجبره القانون على ذلك لكنه غير ملزم بالولد غير الشرعي ويمكن له التبرؤ منه ومن النفقة والسكن والميراث ويلحق ولد الزنى بأمه حتى ولو كان هناك شبهة أو دليل على أن الرجل الذي قام بفعل الزنى أب للولد الناجم عن العلاقة.
الولاية في الزواج:
تعد مسألة الارتباط بين المرأة والرجل من أكثر الخصوصيات الشخصية وضوحاً وأشدها تأثيراً على حياة المرأة في حاضرها ومستقبلها ولما كان الشرع قد حصر العلاقة بالزواج فقد ازدادت أهمية الاختيار وضرورة سيطرة المرأة على القرار لأنه بالنسبة لها مسألة ذات خصوصية بالغة فزوج المستقبل هو الوحيد في حياتها وهو الذي سيسلبها الإرادة والحرية وعليه كانت هي المستفيدة والمتضررة الأولى في حال نجاح الزوج أو فشله. وهذا خلاف للرجل الذي بإمكانه التعدد والتمتع والاسترقاق والطلاق. ونسجاً على الموقف التقييمي المسبق للمرأة باعتبار النقص المرتبط بأحقابها العقلية وخبراتها الشخصية كان لا بد للأنثى من الخضوع في اختيارها للذكر وولايته لإتمام مسألة الارتباط أو عدمه.
(قالوا لأن الزواج له مقاصد متعددة والمرأة كثيراً ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار فيفوتها حصول هذه المقاصد فمنعت من مباشرة العقد وجعل إلى وليها لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الأكمل) سيد سابق فقه السنة فصل 7 ص9
وهكذا فأمر ولاية الذكر على الأنثى في قضية الزواج مرتبط بالمقاصد الشرعية والأهداف الدينية لمؤسسة الزواج التي قامت على أركان ذكورية بحتة تنطلق من القيمة العليا للرجل الأعلى تجاه الأدنى وهي المرأة المخلوقة من حيث الوظيفة والواجبات لأجل الرجل الذي بسببه تدخل الجنة أو النار وبرضائه تنال رضا الرب.
((عن عائشة أن رسول الله (ص) قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل)) مسند أحمد 23074 وغيره كثر
((عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)) سنن ابن ماجة 1872 وغيره
رغم وجود خلاف بين الفقهاء حول الولاية على الزواج فإن الأدلة القوية المباشرة والنصوص المأثورة في تفسير العديد من الآيات المتعلقة بالمسألة تدل بوضوح على وجوب الولاية ((راجع سبل السلام للصنعاني ج2))
ومن الأحكام الغريبة في مسألة الولاية على الزواج والتي لا تقبل إلا التفسيرات التي أوردناها بخصوص الرتبة والمكانة الأحكام التالية : 1(لا تشترط العدالة في الولي إذ الفسق لا يسلب أهلية التزويج إلا إذا خرج به الفسق إلى حد التهتك
2 ليس للمرأة ولاية النكاح أي أنها ليست مؤهلة لتكون ولية في زواج امرأة أخرى حتى ولو كانت أماً أو جدة أو أختاً كبرى فمؤهلاتها التكوينية لا تجعلها قادرة على مشاركة امرأة أخرى في الانفراد في قرار حياتها الخاصة فكما في الشهادة الأمر مماثل في الولاية فإن مجموعة النساء لا تساوي رجلاً فردا
3 يحق للولي في الزواج أن يزوج المرأة لنفسه)
زواج الفتاة الصغيرة:
يعد من العادات والتقاليد الشائعة في المجتمعات العربية الإسلامية خاصة تلك التي تصنف كمحافظة أو متدينة ((اليمن والسعودية وباكستان)) إلى جانب بعض الدول التي غيرت القوانين السائدة ورفعت سنّ الزواج للبنات والشباب لما يقرب من السن التي يحق فيها الانتخاب ((الأردن وتونس))
وتتوضع المشكلة في كل الحالات بوجود نصوص شرعية ترعى زواج الصغيرة وتشرعه بضابط وجود ولي للبنت الصغيرة واشتراط سكوتها الذي يعد شرطاً لا معنىً له، فالصغيرة لا يمكن ولا تستطيع الاعتراض على أمر وليها في تزويجها فحتى أنها لا ترى لها حقاً في ذلك فموافقتها المشروطة بالسكوت مضمونة أصلاً
(توفيت خديجة قبل مخرج النبي (ص) إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريباً من ذلك ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين))رواه البخاري 3607
عن عائشة أن النبي (ص) تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً)) رواه البخاري 4738
وهذه نصوص مذكورة في كتب الحديث والمراجع الفقهية المعتمدة ومنها استنبطت أحكام تبيح نكاح بنت الست سنوات والدخول بها بنت تسع بشرط الولي (أما الصغيرة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها دون إذنها إذ لا رأي لها. والأب والجد يرعيان حقها ويحافظان عليه وقد زوج أبو بكر ابنته وهي صغيرة دون إذنها إذ لم تكن في سن يعتبر فيها إذنها وليس لها الخيار إذا بلغت) فقه السنة ف7 ص13
هذا الحكم المنقول من كتاب فقه السنة لمؤلفه سيد سابق وهو عالم أزهري ومفتي مصري سابق يعد من المنتمين إلى تيار الوسط وطبع كتابه المذكور سنة 1986. أي أننا لا ننقل عن كتب أفت قبل قرون بل من كتب معاصرة ومازال لها تأثيرها وقراؤها ومازالت حية تؤثر في الثقافة الاجتماعية وتعد مراجعاً لسن القوانين الحديثة.
فالأزمة المتجذرة منذ ما قبل الإسلام ما زالت حية تثمر مشاكل جديدة وقوانين جائرة إلا أنها بعد قيام الخلافة الدينية أخذت صفة شرعية وسند دينياً.
إذاً يجوز تزويج البنت لصغيرة قبل دخولها المدرسة ويحق للرجل الذي يكبرها بنصف قرن أن يدخل عليها وهي بنت تسع سنين وهو لا يفعل محرماً أو يقف موقفاً محرجاً. ولما كانت الصغيرة غير واعية وغير مدركة اعتبر إذن وليه كافياً لتزويجها وكأنه المالك الحصري لرقيق يملكه أو سلعة يبيعها. والمؤلم حقاً أنها عندا تبلغ وتعي وتدرك ليس لها الخيار فيرفض هذا الزواج الجائر وسيكون من الصعب جداً طلاقها أو فكها من الأسر خاصة إذا كانت أماً لأطفال وكانت حالة الشيخ الزوج المادية جيدة.
ويؤكد أن الأزمة ما زالت حية كون النصوص والنقول التي أوردناها في دراستنا ما زالت مرجعاً معتمداً وسنداً قانونياً. ما ذكر مؤخراً عن أن غالبية النائبات في الجمعية الوطنية العراقية الجديدة والبالغ عددهن خمساً وثمانين امرأة يطالبن بإلغاء قانون الأحوال الشخصية باعتبارها قوانين تقوم على مبادئ علمانية تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات واستبدالها بقوانين تقوم على الشريعة الإسلامية. مطالبين بسن قوانين تسمح بضرب الزوج لزوجته وتحرم المرأة من الوصاية على أطفالها في حالة الطلاق وتسمح للرجال بممارسة تعدد الزوجات. ((راقية القيسي الحوار المتمدن 8\6\2005))
ففي أحدث برلمان عربي تشكل فيه النساء نسبة كبيرة يوصين بالعودة إلى ما قبل ألف وأربع مئة عام والعمل بنصوص كرست أوضعاً قديمة ورسخت مفاهيم كانت سائدة قبل إرساء قواعد العدالة والرحمة والمساواة التي ينبغي أن تكون الغاية والهدف من جراء تقنين النصوص وتدوين الأحكام القضائية.
خاتمة :
لقد دأب الدعاة الإسلاميون منذ قرون على الدعوة إلى العودة إلى الأصول وإحياء النموذج الديني الذي رأوا فيه كل صفات الكمال والرقي والواقع أن النموذج المنشود والمزعوم لم يكن يوماً من الأيام كذلك والأمثلة المعاصرة ما زالت ماثلة للعيان فليس خافياً حال النساء في دولة طالبان الدينية التي كانت تعتبر النصوص المقدسة المصدر الرئيس وأحياناً الوحيد للتشريعات المدنية والقضاء وكذلك هو الحال في المجتمع السعودي حيث أن المرأة المكرمة المعززة التي يدعى أنها نالت كل حقوقها وأنها من أرقى المجتمعات مدنية وحضارة كما يزعمون إلا أنهم لا يرون أن هذه المكرمة المعظمة لها الحق في قيادة سيارة فكيف يكون لها الحق في قيادة مجتمع أو حيٍّ أو أسرة.
((في سبيل إزالة المعوقات التي تحول بين المرأة المسلمة وتحقيق أهدافها نرى أن الحل الوحيد يكمن في إعادة النظر في النصوص الإسلامية وخاصة القرآن وتفسيرها تفسيراً جديداً)) نعمت حافظ برزنجي- مداد –
ولتحقيق هذه المهمة لا بد من تضافر جهود العديد من الباحثين والمفكرين الداعين إلى النهوض بالمرأة التي تعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة الفكر الديني قديماً وحديثاً.
وما قدمناه في بحثنا السابق هو مراجعة محدودة لبعض النصوص ذات الصلة بقوانين الأحوال الشخصية السائدة في حين أن هناك العديد العديد من المسائل المتعلقة بموضوع المرأة وعلاقاتها ما زالت بحاجة إلى بحث ودراسة ومراجعة شاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق