إحسان طالب
16/4/2008
النقد و المراجعة وسيلتان أساسيتان في تطوير العمل السياسي والنهوض به نحو أداء جماعي ديمقراطي يعي تجارب الماضي ويستفيد من أحداث الحاضر وما يفرزه من ردود أفعال تتفاوت قيمتها وتتباين قدرتها على الإفادة و التأثير .
أثير في الآونة الأخيرة قراءات نقدية تتعرض لأداء المجلس الوطني لإعلان دمشق و ما صدر عنه من وثائق سياسية و مبدئية و إجرائية توخ بعضها دعم مسيرة العمل وإسناده بقراءات موضوعية تشكل إضافة هامة لفعل تراكمي يخدم الهدف الإستراتيجي للتغير الوطني الديمقراطي السلمي المتدرج .
في حين شكلت بعض التوجهات هروبا نحو الأمام و أثقلت كاهل الإعلان بمهام بعيدة المنال شديدة التشعب ربطت الأهداف القومية الكبيرة، والشعارات الأممية القديمة بالهدف الإستراتيجي الوطني المرحلي، وهي بذلك تكرر أخطاء الماضي التي ساهمت وما تزال في وضع العقبات والعراقيل ـ عن حسن نية ـ في طريق المعارضة الوطنية السورية .
لقد أجمعت القوى المتآلفة في إعلان دمشق على نقاط مركزية تمثلت في:
1 ـ التغير الوطني الواثق بمقدرات الشعب السوري المعتمد على ذاته و إمكاناته ودون اللجوء للقوى الخارجية و أجندتها المتقاربة حينا و المتباعدة أحيانا .المتفهم لطبيعة التغيرات الدولية والمشاريع الخارجية
2 ـ الديمقراطية و التنمية كثقافة و فكر و منهج متوائم مع الحالة السورية ،مستفيد من التجارب العربية و الإقليمية .
3 ـ مكونات الشعب السوري المتعددة و المتنوعة بانتماءاتها العرقية و الدينية تمثل حالة فريدة جديرة بالحفاظ عليها ،يلزم التأكيد على حقوق تلك المكونات و خصوصيتها
4 ـ الوقوف إلى جانب معاناة الشعب السوري والطبقات الاقتصادية و الاجتماعية الأدنى التي تتحمل العبء الأكبر و الأهم جرا الغلاء و التضخم و السياسات المرتجلة
5ـ الهوية العربية للغالبية المطلقة من السورين مسألة مبدئية لا تنفصل عن الهوية الوطنية وسوريا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية كما جاء في البيان الختامي للمجلس الوطني .
لقد شكل المجلس الوطني سابقة في عمل المعارضة السورية .ذلك أنه للمرة الأولى منذ تأسيس التجمع الوطني تقوم المعارضة السورية بالمبادرة بالفعل ولا تنتظر أفعال من النظام لتبني عليها تحركها ، و إنها المرة الأولى التي يتحقق فيها المطلب المهم في إعادة السياسة إلى المجتمع و إعادة المجتمع إلى السياسة.و إشراك المستقلين نواة المجتمع المدني و الأكثر التصاقا بالناس و المجتمع .فدعونا نحمي منجزا قد نختلف في حجمه لكننا متفقون على ريادته و أهميته .
بل لقد انعقد المجلس في ظل أجواء إقليمية و دولية توحي بتسويات و تقاربات أبعد ما تكون عن إرادات التغير و الإصلاح , وشكلت العوامل الخارجية ثقلا إضافيا ساهم بشكل مباشر في رفع وتيرة التصدي و مواجه الإرادة الوطنية المدافعة عن حقوق الناس في حياة كريمة بعيدة عن الفقر و الحاجة و الازدراء الإنساني ، بعيدة عن القمع و التسلط و كم الأفواه و كسر الأقلام .
أسس إعلان دمشق بتحركه السياسي بعيدا عن السطحية و القشرية عملا نموذجيا في تاريخ المعارضة السورية حيث جعل الداخل منطلقا و مركزا للقرار و الموقف في ظل دينامكية مرنة تترك لكل أطياف المعارضة ممارسة الحراك السياسي بالطريقة و الأسلوب اللذين تراهما مناسبين لظرفها الزماني و المكاني ،بما لا يتعارض مع وثائق الإعلان المقرة من قبل المجلس . و إذا كان البعض يرى اختلافا في التفسيرات و التأويلات لنصوص الوثائق فإن ذلك أمر طبيعي و عادي بل ومرغوب في ظل إاتلاف يجمع ألوان الطيف السوري الفريد و الجميل .
معارضة الخارج و حرب النظارات :
تلقى إعلان دمشق دعما لا يستهان به من قبل القوى الوطنية السورية المنفية قسرا أو اختيارا ،و أدى ذلك الدعم إلى ظهور لجان مساندة و مؤيدة اتخذت من وثائق المجلس عنوانا و منطلقا لحراكها و عملها السياسي ، كما ساهم في نقل الصورة الأقرب للواقع السوري إلى الهيئات و المنابر الدولية وذلك أمر ايجابي يضيف لبنة جديدة لكيان البناء المعارض ، و إذا كان البعض ممن ركبوا تيار الإعلان الصاعد تجاوزا السقف الوطني و انفردوا بتوجهات لا تنسجم مع وثائق المجلس فإن التبعية هنا منفصلة و تقع على عاتق الفاعل دون سواه ولا يأخذ الآخرون بخطيئة ارتكبت بمعزل عن القرار الداخلي و انفردت في التصور و التوجه حتى لو رفعت أسماء وشعارات تلتصق بالإعلان رغبة منها في الصعود السريع و جني الثمار قبل نضوجها بل ربما قبل إزهارها.
إن التسرع و قلة الصبر و التأثر بالأجواء الإعلامية المجانبة للواقع صفة تكاد تكون ملازمة للمعارضة الوطنية في الخارج , وكثيرا ما ينطلق البعض الآخر لتحديد سقف زمني خيالي للتغير يعكس رغبة و أمنيات ذاتية في الوصول إلى السلطة دون المرور بالولادة الطبيعية لجنين التغير الضعيف
وهنا يقع الكثيرون في فخ الخلط بين الحقائق و المعلومات من جهة و بين التمني والرغبات من جهة أخرى فتحل الثانية محل الأولى وتتحول وهما وخيالا مرضيا ينقل صاحبه لتحليلات و تنظيرات لا تذهب ابعد من أنف صاحبها ترى الأفق البعيد سرابا عامرا بوقائع و أحداث لا تغادر المخيلة و لا تصل لنتيجة سوى التخبط و التعثر وإلقاء التبعية يمينا وشمالا كما ينثر الدجاج التراب ليبحث عن الحب فيؤدي نفسه ومن حوله ويعيق الآخرين ويسيء لصورة الجميع .
وفي مقابل المتفائلين بالسراب يقف أصحاب نظرية المستحيل ،يضعون العراقيل والعصي في عجلة العمل الدائر ويتناولون نشاط الآخرين بفوقية وتعال المنظر العالم ببواطن الأمور الذي لا تفوته شاردة ولا واردة ,أحاط بكل شيء علما، فتراه يستخف التضحيات و يقلل من قيمة الأثمان الباهظة التي تدفع عمرا و حياة و مالا في سبيل تحقق هم وطني شعبي إنساني لا يستحق سوى التقدير و الامتنان .يقبع بعيدا عن ساحة الصراع يتقدم خطوة ويتراجع خطوات كنافخ الكير لا تنال منه سوى الشرر و الرائحة الكريهة.
ومن أغرب ما نشر زعما لتحليل مواقف المعارضة طلب تحويل القرار للخارج بذريعة العجز أو الضعف أو البطء .فهكذا وبكل بساطة بعد استعراض عشوائي لما صارت إليه الأمور و بعد إحكام القبضة على قياديين في الإعلان لا يرى سوى نقل التحكم إلى الخارج بزعم القدرة و الحرية ! إنه يتصور المعركة خلف الشاشة ينظر و ينظر و يتحكم عن بعد لا يتحمل عبئا أو ثمنا ولا حتى خطرا ولا يعنيه أن يرى الرجال و النساء في ساحة المواجهة يلاقون مصيرهم الصعب ويدفعون أثمان باهظة لسلعة توزع على الملايين وربما لا ينالون من منافعها سوى متعة وصول الناس لبعض مطالبهم .
الصدق و الوجدان و التعاطف كل ذلك كان أمره محمودا لكن الوقوف بواقعية وقراءة المعطيات و الحقائق بترو وصبر لا يقل أهمية عن الموقف الأخلاقي الشريف . لقد كان و ما يزال النقد ضرورة و حاجة حيوية لآي حراك أو نشاط سياسي أو ثقافي والالتفات و التنبه للقراءات النقدية الصادقة وحتى المغرضة سبب لتلافي الأخطاء وتجاوز العثرات والانتقال نحو الأصوب والأفضل. وإذا كان التكلس والتخشب صفة غير بعيدة عن فكر سائد أو ثقافة رائجة في صفوف معارضة سورية، فإن التعميم و التثبيط و التجهيل و التخوين أمراض مستعصية مزمنة اختلطت ببيئة النقد و تجاوزت المفاهيم إلى المواقف و التوجهات .
إحسان طالب : كاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق